الجمعة 19 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

صورة مزيفة.. السوشيال ميديا تصنع رواية حول مرض "نتنياهو"

صورة متداولة عبر
صورة متداولة عبر السوشيال ميديا لنتنياهو في المستشفي

في زمنٍ تختلط فيه الحقيقة بالفبركة الرقمية، باتت صورة واحدة قادرة على إشعال جدلٍ سياسي واجتماعي واسع؛ ليس لأن ما تُظهره حقيقي، بل لأن أدوات التزييف أصبحت أكثر ذكاءً وسرعة وانتشارًا.

صورة نُشرت خلال الساعات الماضية قيل إنها تُظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أحد المستشفيات، لتتحول خلال دقائق إلى «قضية رأي عام» تتداولها صفحات التواصل الاجتماعي داخل إسرائيل وخارجها، مدعومة بادعاءات أنه يعاني من وعكة صحية خطيرة.

 

لكن التحقق من الصورة كشف أن الأمر لا يتعدى تزييفًا رقميًا متقنًا، وأن المشهد لا يمتّ بصلة إلى الواقع.

 

فبركة الصورة أكدها غياب أي أخبار في وسائل الإعلام الإسرائيلية الرسمية أو وكالات الأنباء العالمية تشير إلى دخول نتنياهو المستشفى.

 

 كما لم تصدر أي بيانات من مكتبه تؤكد إصابته في الوقت الراهن بأي مرض مُزمن، سوى ما أُعلن رسميًا بأنه يعاني من التهاب في الشعب الهوائية، وهو ما استدعى فقط خضوعه للراحة وتقليل ساعات العمل وفقًا لنصيحة طبيبه المعالج.

صورة مفبركة لنتنياهو في المستشفى
صورة مفبركة لنتنياهو في المستشفى

 

تزامن مريب مع محاكمته

اللافت أن نشر الصورة المفبركة جاء في الوقت نفسه الذي مثُل فيه نتنياهو أمام المحكمة في قضايا الفساد، حيث طلب خلال الجلسة تخفيف مدة حضوره بدعوى إصابته بالتهاب في القصبة الهوائية وعدم قدرته على الجلوس لساعات طويلة.

وسرعان ما استغل البعض هذا التصريح الطبي لترويج الصورة الزائفة، في محاولة لتأكيد مرضه وربطها بمشهد درامي داخل المستشفى، على الرغم من أنه لم يُنقل إليه مطلقًا.

صورة قديمة.. تُروج من جديد

بفحص بصري دقيق أجرته بوابة روزاليوسف من خلال مواقع الذكاء الاصطناعي، وكذلك التحقق من الصفحات الرسمية الإسرائيلية، تبيّن أن الصورة المفبركة أعيد إنتاجها من صورة أرشيفية تعود إلى عام 2015، أثناء زيارة "سارة نتنياهو" زوجة رئيس الوزراء، لإحدى السيدات المصابات في حادث طعن بالبلدة القديمة في القدس، وتُدعى "أديل بانيتا بينيت".

والمفاجأة أن الصورة الجديدة التي انتشرت لنتنياهو وهو مستلقٍ على السرير تطابق تمامًا الصورة القديمة للسيدة المصابة، من حيث:

نفس الغرفة الطبية.

نفس زي الممرضة والزوار برفقة سارة نتنياهو في الخلفية.

نفس وضع اليدين والغطاء والزاوية.

والأهم: تطابق اليد والزي والإضاءة بصورة كاملة، مما يؤكد أن الصورة في الحديثة تم تركيب وجه نتنياهو على جسد السيدة الأصلية باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.

هذا التحليل البصري يُضاف إليه أن صورة مشابهة أعيد تداولها أيضًا منذ عامين، مع انطلاق الحرب على غزة، في محاولة لإيهام المتابعين بأن نتنياهو يعاني من أزمة صحية نتيجة الضغوط السياسية، وهو ما يثبت أن إعادة تدوير الصور أصبحت وسيلة ممنهجة لتوجيه الرأي العام في أوقات الأزمات.

ثلاث صور تكشف الحقيقة

مُرفق مع التقرير ثلاث صور رئيسية لتوضيح عملية التزييف:

الصورة الأصلية لعام 2015 التي تظهر السيدة المصابة أثناء زيارة سارة نتنياهو.
الصورة الأصلية لعام 2015 التي تظهر السيدة المصابة أثناء زيارة سارة نتنياهو.

 

الصورة المفبركة الحديثة التي جرى ترويجها على أنها لنتنياهو داخل المستشفى.
الصورة المفبركة الحديثة التي جرى ترويجها على أنها لنتنياهو داخل المستشفى.

 

 
صورة أخرى مفبركة حديثة  لنتنياهو، توضح مدى قدرة التقنية على خلق مشاهد غير واقعية.
صورة أخرى مفبركة حديثة لنتنياهو، توضح مدى قدرة التقنية على خلق مشاهد غير واقعية.

 

حرب إلكترونية تصنع الوهم

هذه الواقعة ليست مجرد تلاعب فني، بل نموذج لحرب إلكترونية ناعمة تُستخدم فيها الصور الزائفة كسلاح لتشويه الحقائق، وإرباك المتابعين، وبث الشك في المعلومات الرسمية.

 

فالذكاء الاصطناعي أصبح قادرًا على توليد صور بملامح دقيقة تكاد تخدع العين، وتبدو كأنها من لقطات حقيقية، بينما هي في الأصل نتاج برمجيات قادرة على تركيب الوجه وتغيير المشهد بضغطة زر.

 

وهنا تكمن الخطورة: فالمستخدم العادي يعيد نشر الصورة بحسن نية، لتنتشر الأكذوبة آلاف المرات قبل أن تصل أي جهة تحقق لتفنيدها.

 

إنها معركة جديدة بين الحقيقة والزيف، لا تقل خطرًا عن الحروب الميدانية، إذ تُدار على الشاشات وتُحرك العواطف وتوجّه المواقف.

الحقيقة الطبية

 

من جانبه، أوضح مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أن نتنياهو يعاني فقط من التهاب في الشعب الهوائية، وهي حالة تُصيب الجهاز التنفسي وتتسبب في السعال والإرهاق وأحيانًا ارتفاع بسيط في درجة الحرارة، وقد نصحه الطبيب المعالج بالراحة وتخفيف ضغط العمل، دون الحاجة إلى أي تدخل طبي في المستشفى.

 

ما حدث يكشف أن معارك العصر لم تعد تُدار بالسلاح فقط، بل بالصورة.

 

فالذكاء الاصطناعي الذي صُمم لخدمة المعرفة بات في أيدي البعض أداة لبناء الأكاذيب، وصناعة «حقائق رقمية» تضلل الجمهور وتُربك المشهد السياسي والإعلامي.

 

تم نسخ الرابط