السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

مفتي الجمهورية: التنوع الديني والثقافي حقيقة كونية يجب إدارتها بالحوار وصونها بالعدل لا تحويلها إلى صراع

بوابة روز اليوسف

أكد فضيلة الأستاذ الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن العالم يمر بلحظة إنسانية فارقة تتشابك فيها التحديات وتتزايد فيها الحاجة إلى استعادة الخطاب الرشيد القادر على تهدئة النفوس وجمع الكلمة وبناء مساحات آمنة للتفاهم بين البشر، مشددًا على أن مسؤولية الكلمة الصادقة والوعي المستنير باتت ضرورة أخلاقية وحضارية لا تحتمل التأجيل في ظل تصاعد الأزمات وسوء توظيف الاختلاف.

 

جاء ذلك خلال كلمة فضيلته في مؤتمر «معًا لمواجهة خطاب الكراهية»، الذي عُقد بالتعاون بين دار الإفتاء المصرية، والهيئة القبطية الإنجيلية، والكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ومركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار.

وأوضح مفتي الجمهورية أن هذا المؤتمر لا يمثل لقاءً بروتوكوليًا عابرًا، بل يحمل رسالة إنسانية عميقة تؤكد أن ما يجمع البشر أعمق وأبقى مما قد يفرقهم، وأن القيم الكبرى التي قامت عليها الرسالات الإلهية قادرة، إذا أُحسن استحضارها، على بناء جسور الثقة وترسيخ آفاق العيش المشترك. وأكد أن الدين في جوهره لم يكن يومًا سببًا للصراع، بل نداءً للضمير ودعوة للحياة ورسالة لإشاعة الرحمة وبناء السلام بين الناس جميعًا.

وأشار فضيلته إلى أن النقاش حول الدين في العالم المعاصر لم يعد منفصلًا عن واقع الناس، بل بات جزءًا من مشهد فكري عام تتصارع فيه قراءات متباينة للنصوص والتراث؛ فمنها ما يوظف النصوص توظيفًا مغلقًا لتبرير الإقصاء والعنف، ومنها ما يتعامل مع التراث انتقائيًا تفكيكيًا فيقدّم الدين ذاته بوصفه سببًا للكراهية، وفي الحالتين تتعرض حقيقة الدين للتشويه ويُغفل مقصده الإنساني الأسمى.

وبيّن مفتي الجمهورية أن مواجهة خطاب الكراهية لا تعني مصادرة الاختلاف أو إنكار تنوع القناعات، فذلك سنة إنسانية وضرورة حضارية، وإنما المقصود هو التصدي لكل خطاب يتجاوز حدود الاختلاف المشروع إلى الإهانة والتحقير والتنميط ونزع الإنسانية عن الآخر، مؤكدًا أن خطورة خطاب الكراهية لا تقتصر على مضامينه المباشرة، بل تمتد إلى آثاره التراكمية التي تعيد إنتاج الانقسام، وتضعف الثقة المجتمعية، وتمهد لتبرير الإقصاء والعنف.

وأكد فضيلته أن إصلاح الخطاب الديني والفكري ليس ترفًا نظريًا، بل ضرورة حضارية لحماية السلم المجتمعي وصيانة وحدة النسيج الوطني، مشيرًا إلى أن دار الإفتاء المصرية تبنّت عبر مسيرتها نهجًا يقوم على مواجهة الكراهية بمشروع إنساني متكامل، ينتقل بالخطاب من ردّ الفعل إلى البناء، ومن الإدانة إلى تحمل المسؤولية المشتركة.

وشدد مفتي الجمهورية على أن التصدي لخطاب الكراهية مسؤولية تكاملية لا تقتصر على المؤسسات الدينية وحدها، بل تشترك فيها منظومات الفكر والتعليم والإعلام والتشريع، من خلال مقاربة شاملة توازن بين حرية التعبير واحترام الكرامة الإنسانية، وتمنع تحويل المنابر الدينية أو الإعلامية أو الرقمية إلى أدوات لتأجيج الأحقاد.

وأشاد فضيلته بالتعاون القائم بين دار الإفتاء المصرية والكنائس المصرية، واصفًا إياه بأنه أنموذج مضيء للتلاقي الإنساني، مؤكدًا أن التنوع الديني والثقافي حقيقة كونية ينبغي إدارتها بالحوار وصونها بالعدل وتحويلها إلى مصدر ثراء إنساني لا سببًا للصراع والانقسام.

وفي ختام كلمته، شدد مفتي الجمهورية على أن المواجهة الحقيقية لخطاب الكراهية تتطلب مسارًا عمليًا طويل المدى قائمًا على التخطيط المؤسسي، وترسيخ الوعي المجتمعي، وإحياء قنوات الحوار، والاستفادة من الحضور الرقمي الرشيد، وتمكين المؤسسات الأكاديمية والإعلامية من دراسة الظاهرة، مؤكدًا أن العالم اليوم في أمسّ الحاجة إلى خطاب يجمع ويبني، وأن المسؤولية الدينية والإنسانية المشتركة تفرض أن يكون الجميع جسورًا للتلاقي وشركاء في حماية الإنسان والإنسانية.

تم نسخ الرابط