تعرف على أهم أحكام المحكمة الدستورية اليوم
كتب - رمضان أحمد
أصدرت المحكمة الدستورية العليا عدة أحكام مهمة اليوم، وحكمت المحكمة الدستورية العليا بجلستها اليوم برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق بالأحكام الآتية:
أولاً: عدم دستورية عجز الفقرة الثانية من المادة (15) من القانون رقم 91 لسنة 1944 بالرسوم أمام المحاكم الشرعية، معدلاً بالقانون رقم 7 لسنة 1995، فيما نص عليه من أنه "ولا يحول الاستئناف دون تحصيل هذه الرسوم".
وأقامت المحكمة حكمها استنادًا إلى أن الأصل في الخصومة القضائية ألا تكون نفقاتها عبئًا إلا على من صار ملزمًا بها بمقتضى حكم نهائي، ذلك أن الحقوق المتنازع عليها يظل أمرها قلقًا قبل الفصل نهائيًّا في الخصومة القضائية، فإذا صار الحكم الصادر بشأنها نهائيًّا، غدا حائزًا لقوة الأمر المقضي، مؤكدًا للحقيقة الراجحة التي قام عليها والتي لا تجوز المماراة فيها، منطويًا على قاعدة موضوعية لا تجوز معارضتها بعلتها ولا نقضها ولو بالإقرار أو اليمين، لازمًا تنفيذه إعمالاً لمبدأ الخضوع للقانون، فلا يجوز تعديل الحقوق التي قررها ولا الآثار التي رتبها، ما ظل هذا الحكم قائمًا. بل إن الامتناع عن تنفيذه من قبل الموظفين العموميين المكلفين بذلك، يعد جريمة معاقبًا عليها وفقًا لأحكام الدستور.
وحيث إن الدستور قد حرص في المادة (4) منه على التوكيد على العدل باعتباره أساسًا لبناء المجتمع، وصيانة وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعلت المادة (27) منه العدالة الاجتماعية أحد أهداف النظام الاقتصادي للدولة، وألزمت الدولة بمراعاة إقامة نظام ضريبي عادل، وفي هذا الإطار حرصت المادة (38) من الدستور على كفالة تحقيق العدالة الاجتماعية باعتبارها أحد أهداف النظام الضريبي وغيره من التكاليف العامة، ليضحى العدل محددًا من منظور اجتماعي أساسًا لها، لا يقتصر على شكل دون آخر من الأعباء المالية التي تفرضها الدولة على مواطنيها، بل تكون ضرائبها ورسومها سواء في تقيدها بمفهوم العدل محددًا على ضوء القيم التي ارتضتها الجماعة وفق ما تراه حقًا وإنصافًا؛ وكانت الخصومة القضائية هي الإطار الوحيد لاقتضاء الحقوق التي ماطل المدين بها في أدائها؛ وكان النزاع الموضوعي في شأن هذه الحقوق لا ينحسم بغير الحكم النهائي الصادر في هذه الخصومة، فإن مصروفاتها يتعين أن ترتبط بما انتهى إليه من قضاء. ولئن صح القول بأن الرسوم القضائية التي يستوفيها قلم كتاب المحكمة بعد الفصل ابتدائيًا في الخصومة القضائية، إنما يعاد تسويتها على ضوء الحكم النهائي الصادر فيها، إلا أن المرحلة الاستئنافية قد تمتد زمنًا طويلاً، فلا يكون من خسر دعواه بحكم ابتدائي إلا غارمًا لمصروفاتها ولو كان بقاء أو زوال هذا الحكم ما فتئ معلقًا، فلا تتصل يده بالتالي بالأموال التي دفعها، بل تظل منحسرة عنها دون حق، يناضل من أجل استعادتها حتى بعد صدور الحكم النهائي لمصلحته. وتلك مخاطر لا يجوز التهوين منها، لاتصالها بمراكز مالية ينبغي صونها، وبحقوق قد يكون ملتزمًا بأدائها لغيره، وكذلك بفرص العمل وبقواه في مجال الاستثمار، ولا يعتبر ذلك إنصافًا في مجال تطبيق نص المادة (38) من الدستور.
وحيث إن السلطة التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، حدها قواعد الدستور التي تبين تخوم الدائرة التي لا يجوز اقتحامها، بما ينال من الحق محل الحماية أو يؤثر في محتواه، ذلك أن لكل حق دائرة يعمل فيها ولا يتنفس إلا من خلالها، فلا يجوز تنظيمه إلا فيما وراء حدودها الخارجية، فإذا انبسط المشرع عليها أو تداخل معها، كما نهج المشرع بالنص المطعون فيه، كان ذلك أدخل إلى مصادرة الحق أو تقييده، ويمس أصله وجوهره، بما يقع بالمخالفة لنص المادة (92) من الدستور.
وحيث إنه متى كان ذلك، فإن الفقرة المطعون عليها- في الحدود المتقدم بيانها- تكون مخالفة لأحكام المواد (4، 33، 35، 38، 53، 92، 97، 98) من الدستور.
ثانيًا: حكمت المحكمة برفض الدعوى التي أقيمت طعنًا على نص الفقرة الأولى من المادة الرابعة من القانون رقم 91 لسنة 2005 بإصدار قانون الضريبة على الدخل، المعدل بالقانون رقم 181 لسنة 2005.
وأقامت المحكمة حكمها استنادًا إلى أن المشرع استكمالاً منه لمنظومة الإصلاحات الضريبية، والتي يعد تطبيق العفو الضريبي إحدى وسائلها، التي لجأ إليها المشرع في العديد من القوانين الضريبية، ومن أجل ذلك حرص وهو في مقام استشراف تطبيق قانون ضريبي جديد، يهدف إلى محاربة ظاهرة التهرب الضريبي، إلى الأخذ بنظام العفو الضريبي، بغية توسيع قاعدة الخاضعين لأحكامه مستهدفا شريحة المتهربين الذين لم تقف مأموريات الضرائب على حقيقة أنشطتهم ومقدار أرباحهم قبل العمل بأحكامه، حتى تفرض عليها الضرائب المستحقة اعتبارا من نفاذها، فوسد لذلك بالتنظيم الذي أورده النص المطعون فيه، الذي قرن التمتع بالإعفاء الضريبي للمتهرب من هذا الواجب- متى كان لم يسجل لدى مصلحة الضرائب أو يقدم إقرارًا ضريبيًّا قبل العمل بأحكام هذا القانون- بالتزامه بأن يقدم إقراره الضريبي عن دخله عن آخر فترة ضريبية متضمنا كامل البيانات ذات الصلة، قبل مضى سنة من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون، رغبة في التحقق من جدية الممول، وتوفير المعلومات اللازمة لبسط مصلحة الضرائب رقابتها على أنشطة الممولين المتهربين من أداء الضرائب، لتمكينها من تكليفهم بعد العمل بأحكام هذا القانون بما يستجد في ذمتهم من ضرائب، ليكون هذا الإقرار بالدين الضريبي رغم الإعفاء منه هو المعين الذي تستقي منه مصلحة الضرائب المعلومات اللازمة لمباشرتها رقابتها المستقبلية، على الأنشطة التي كانت مستترة بعيدا عن أعين مأموريها، بهدف تمكين الدولة من بسط سلطانها على سائر المكلفين بالضريبة، تحقيقا للعدالة، الاجتماعية في مجال تحصيل الضريبة، وهو ما أوضحه تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الخطة والموازنة ومكتب لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس الشعب في شأن نص المادة الرابعة آنفة الذكر، والذي أكدت فيه اللجنة ما تبناه النص المطعون فيه من فكر حديث يستهدف توسيع قاعدة المجتمع الضريبي، وتشجيع أفراد المجتمع غير المسجلين لدى الإدارات الضريبية، على التقدم للتسجيل، والانتظام في أداء الضريبة الخاضعين لها، والانضمام إلى الاقتصاد الرسمي، هذا بالإضافة إلى تبديد مخاوف هؤلاء الأفراد من تحمل تبعات الفترات السابقة على تاريخ العمل بالقانون، من عقوبات وجزاءات وأعباء مالية قد لا يستطيعون تحملها دفعة واحدة. لما كان ذلك جميعه، فإن التنظيم الذي تبناه المشرع في سن هذا الشرط لاستحقاق الإعفاء الضريبي من الضرائب المستحقة قبل العمل بأحكام هذا القانون، باعتباره الوسيلة التي اتخذها المشرع طريقًا لبلوغ الأهداف المتقدمة، متسقًا مع تلك الغايات، ومحققًا لها، ومرتبطًا بها ارتباطًا منطقيًّا وعقليًّا، ليضحى ما تضمنه النص المطعون فيه من أحكام يتساند إلى أسس موضوعية تبرره، ويكون النعي عليه الإخلال بمبدأ المساواة المقرر بالمادتين (4، 53) من الدستور، والعدالة الاجتماعية التي كفلتها المادتان (27، 38) من الدستور، على غير سند، وغير قائم على أساس سليم.
ثالثًا: حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى التي أقيمت طعنًا على نص المواد (296، 297، 298) من قانون العقوبات.
وأقامت المحكمة حكمها استنادًا إلى أن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أنها لا تزن بنفسها- ومن خلال مناهجها الذاتية- ما إذا كان التنظيم التشريعي المعروض عليها لازمًا، وما إذا كان إقراره في مناسبة بعينها ملائماً، إذ ليس لها إلا أن ترد النصوص التشريعية المطعون عليها لأحكام الدستور. ذلك أن الرقابة القضائية التي تباشرها هذه المحكمة على دستورية القوانين واللوائح غايتها التحقق من توافقها مع أحكام الدستور، وإحاطتها بحقوق وحريات المواطنين من جميع جوانبها على الوجه الأوفى، ودون قصور ينال من جوهرها أو في بعض عناصرها بما يعد عدوانًا عليها وامتهانًا لها، غير أن تلك الرقابة لا تمتد بحال إلى مجال عمل السلطة التشريعية بتعديل قوانين أقرتها، كما لا شأن لها بالسياسة التشريعية التي ينتهجها المشرع لتنظيم أوضاع معينة.
وحيث إن مؤدى ذلك ولازمه، أن التجريم ليس عملاً قضائيًا، وإنما هو عمل تشريعي أصيل، يتولاه المشرع، طبقًا لنص المادة (101) من الدستور، فيحدد ملاءمته، ونطاقه، ملتزمًا الضوابط الدستورية السالف ذكرها، ويبين- على نحو جلي، لا غموض فيه- النموذج القانوني، الذي يتلبس الفعل المادي، والركن المعنوي لهذا النموذج، وكافة شرائط هذا النموذج ومتطلباته، ثم يحدد العقوبة المقررة لذلك النموذج، وذلك كله إعمالاً لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، المنصوص عليه في المادة (95) من الدستور، التي تقضي بأنه "لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون"؛ وإذ أحالت محكمة الموضوع النصوص المطعون فيها، بغية أن يمتد العقاب، المقرر فيها، على شهادة الزور، التي يُدلي بها أمام المحاكم، والتي تثبت في محاضرها، ليشمل تلك التي تثبت في غير هذه المحاضر، مثل محاضر الشرطة، ومحاضر التصديقات في الشهر العقاري، وغيرها، فإن ذلك لا يستنهض ولاية المحكمة الدستورية العليا ويظل تدخل المشرع حتمًا مقضيًا، ليعمل سلطته التقديرية في هذا الشأن، بما يملكه من بدائل وملاءمات، مما يتعين معه عدم قبول الدعوى المعروضة.
رابعًا: حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى التي أقيمت طعنًا على نص الفقرتين الأولى والعاشرة من المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991.
وأقامت المحكمة حكمها استنادًا إلى أن النيابة العامة قد نسبت إلى المدعى ارتكاب جريمة التهرب من أداء الضريبة على المبيعات المؤثمة بنموذجي هذه الجريمة المنصوص عليهما بالبندين (2، 10) من المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، وقد تساندت في الجمع بين هذين النموذجين إلى استمرار امتناع المدعى عن تقديم الإقرار عن مبيعاته، وسداد الضريبة المستحقة عنها خلال المواعيد المقررة قانونًا، وحتى تاريخ الكشف عن الجريمة، الذي جاء تاليًا لانقضاء ثلاثين يومًا على انتهاء المواعيد السالف بيانها، بما تراءى معه للنيابة العامة الجمع بين نموذجي جريمة التهرب قيدًا ووصفًا، دون أن يشكل ذلك تعددًا معنويًا بينهما، وإنما تنازعًا ظاهريًا بين نصين عقابيين يشكل أولهما حكمًا خاصًا على ثانيهما، بمراعاة انطوائه على صلة أوثق بالوضع الواقعي القائم في الدعوى الموضوعية، ومن ثم فإن المدعى لا يجديه مخاصمة النموذج المنصوص عليه بالبند (10) وحده، ما دام أن النموذج المنصوص عليه بالبند (2) يحمل ركنه المادي عناصر التأثيم ذاتها للجرم المنسوب للمدعى بمقتضى نص البند المطعون فيه، مع الأخذ في الاعتبار كذلك توافر القصد الجنائي الذي يجمع بين النموذجين الفائت بيانهما، الأمر الذي لا يحقق معه إبطال النص المطعون فيه، محددًا نطاقًا على ما سلف بيانه، أي فائدة يمكن أن يتغير بها المركز القانوني للمدعى بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها، إذ أنه يظل حتى في حالة القضاء بعدم دستورية النص الطعين- وأيًّا كان وجه الرأي في صحة المطاعن الدستورية التي وجهها المدعى للنص المطعون بعدم دستوريته- مخاطبًا بنص البند (2) من المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات، معرضًا لإدانته عن جريمة التهرب الضريبي ذاتها، ومعاقبته بالعقوبة الموحدة المقررة لتلك الجريمة- أيًّا كان نموذجها– المنصوص عليها بالمادة (43) من القانون المذكور، ومن ثم تنتفي مصلحة المدعى في الطعن على نص البند (10) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991– قبل استبداله بالقانون رقم 91 لسنة 1996– ما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى.
أصدرت المحكمة الدستورية العليا عدة أحكام مهمة اليوم، وحكمت المحكمة الدستورية العليا بجلستها اليوم برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق بالأحكام الآتية:
أولاً: عدم دستورية عجز الفقرة الثانية من المادة (15) من القانون رقم 91 لسنة 1944 بالرسوم أمام المحاكم الشرعية، معدلاً بالقانون رقم 7 لسنة 1995، فيما نص عليه من أنه "ولا يحول الاستئناف دون تحصيل هذه الرسوم".
وأقامت المحكمة حكمها استنادًا إلى أن الأصل في الخصومة القضائية ألا تكون نفقاتها عبئًا إلا على من صار ملزمًا بها بمقتضى حكم نهائي، ذلك أن الحقوق المتنازع عليها يظل أمرها قلقًا قبل الفصل نهائيًّا في الخصومة القضائية، فإذا صار الحكم الصادر بشأنها نهائيًّا، غدا حائزًا لقوة الأمر المقضي، مؤكدًا للحقيقة الراجحة التي قام عليها والتي لا تجوز المماراة فيها، منطويًا على قاعدة موضوعية لا تجوز معارضتها بعلتها ولا نقضها ولو بالإقرار أو اليمين، لازمًا تنفيذه إعمالاً لمبدأ الخضوع للقانون، فلا يجوز تعديل الحقوق التي قررها ولا الآثار التي رتبها، ما ظل هذا الحكم قائمًا. بل إن الامتناع عن تنفيذه من قبل الموظفين العموميين المكلفين بذلك، يعد جريمة معاقبًا عليها وفقًا لأحكام الدستور.
وحيث إن الدستور قد حرص في المادة (4) منه على التوكيد على العدل باعتباره أساسًا لبناء المجتمع، وصيانة وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعلت المادة (27) منه العدالة الاجتماعية أحد أهداف النظام الاقتصادي للدولة، وألزمت الدولة بمراعاة إقامة نظام ضريبي عادل، وفي هذا الإطار حرصت المادة (38) من الدستور على كفالة تحقيق العدالة الاجتماعية باعتبارها أحد أهداف النظام الضريبي وغيره من التكاليف العامة، ليضحى العدل محددًا من منظور اجتماعي أساسًا لها، لا يقتصر على شكل دون آخر من الأعباء المالية التي تفرضها الدولة على مواطنيها، بل تكون ضرائبها ورسومها سواء في تقيدها بمفهوم العدل محددًا على ضوء القيم التي ارتضتها الجماعة وفق ما تراه حقًا وإنصافًا؛ وكانت الخصومة القضائية هي الإطار الوحيد لاقتضاء الحقوق التي ماطل المدين بها في أدائها؛ وكان النزاع الموضوعي في شأن هذه الحقوق لا ينحسم بغير الحكم النهائي الصادر في هذه الخصومة، فإن مصروفاتها يتعين أن ترتبط بما انتهى إليه من قضاء. ولئن صح القول بأن الرسوم القضائية التي يستوفيها قلم كتاب المحكمة بعد الفصل ابتدائيًا في الخصومة القضائية، إنما يعاد تسويتها على ضوء الحكم النهائي الصادر فيها، إلا أن المرحلة الاستئنافية قد تمتد زمنًا طويلاً، فلا يكون من خسر دعواه بحكم ابتدائي إلا غارمًا لمصروفاتها ولو كان بقاء أو زوال هذا الحكم ما فتئ معلقًا، فلا تتصل يده بالتالي بالأموال التي دفعها، بل تظل منحسرة عنها دون حق، يناضل من أجل استعادتها حتى بعد صدور الحكم النهائي لمصلحته. وتلك مخاطر لا يجوز التهوين منها، لاتصالها بمراكز مالية ينبغي صونها، وبحقوق قد يكون ملتزمًا بأدائها لغيره، وكذلك بفرص العمل وبقواه في مجال الاستثمار، ولا يعتبر ذلك إنصافًا في مجال تطبيق نص المادة (38) من الدستور.
وحيث إن السلطة التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، حدها قواعد الدستور التي تبين تخوم الدائرة التي لا يجوز اقتحامها، بما ينال من الحق محل الحماية أو يؤثر في محتواه، ذلك أن لكل حق دائرة يعمل فيها ولا يتنفس إلا من خلالها، فلا يجوز تنظيمه إلا فيما وراء حدودها الخارجية، فإذا انبسط المشرع عليها أو تداخل معها، كما نهج المشرع بالنص المطعون فيه، كان ذلك أدخل إلى مصادرة الحق أو تقييده، ويمس أصله وجوهره، بما يقع بالمخالفة لنص المادة (92) من الدستور.
وحيث إنه متى كان ذلك، فإن الفقرة المطعون عليها- في الحدود المتقدم بيانها- تكون مخالفة لأحكام المواد (4، 33، 35، 38، 53، 92، 97، 98) من الدستور.
ثانيًا: حكمت المحكمة برفض الدعوى التي أقيمت طعنًا على نص الفقرة الأولى من المادة الرابعة من القانون رقم 91 لسنة 2005 بإصدار قانون الضريبة على الدخل، المعدل بالقانون رقم 181 لسنة 2005.
وأقامت المحكمة حكمها استنادًا إلى أن المشرع استكمالاً منه لمنظومة الإصلاحات الضريبية، والتي يعد تطبيق العفو الضريبي إحدى وسائلها، التي لجأ إليها المشرع في العديد من القوانين الضريبية، ومن أجل ذلك حرص وهو في مقام استشراف تطبيق قانون ضريبي جديد، يهدف إلى محاربة ظاهرة التهرب الضريبي، إلى الأخذ بنظام العفو الضريبي، بغية توسيع قاعدة الخاضعين لأحكامه مستهدفا شريحة المتهربين الذين لم تقف مأموريات الضرائب على حقيقة أنشطتهم ومقدار أرباحهم قبل العمل بأحكامه، حتى تفرض عليها الضرائب المستحقة اعتبارا من نفاذها، فوسد لذلك بالتنظيم الذي أورده النص المطعون فيه، الذي قرن التمتع بالإعفاء الضريبي للمتهرب من هذا الواجب- متى كان لم يسجل لدى مصلحة الضرائب أو يقدم إقرارًا ضريبيًّا قبل العمل بأحكام هذا القانون- بالتزامه بأن يقدم إقراره الضريبي عن دخله عن آخر فترة ضريبية متضمنا كامل البيانات ذات الصلة، قبل مضى سنة من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون، رغبة في التحقق من جدية الممول، وتوفير المعلومات اللازمة لبسط مصلحة الضرائب رقابتها على أنشطة الممولين المتهربين من أداء الضرائب، لتمكينها من تكليفهم بعد العمل بأحكام هذا القانون بما يستجد في ذمتهم من ضرائب، ليكون هذا الإقرار بالدين الضريبي رغم الإعفاء منه هو المعين الذي تستقي منه مصلحة الضرائب المعلومات اللازمة لمباشرتها رقابتها المستقبلية، على الأنشطة التي كانت مستترة بعيدا عن أعين مأموريها، بهدف تمكين الدولة من بسط سلطانها على سائر المكلفين بالضريبة، تحقيقا للعدالة، الاجتماعية في مجال تحصيل الضريبة، وهو ما أوضحه تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الخطة والموازنة ومكتب لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس الشعب في شأن نص المادة الرابعة آنفة الذكر، والذي أكدت فيه اللجنة ما تبناه النص المطعون فيه من فكر حديث يستهدف توسيع قاعدة المجتمع الضريبي، وتشجيع أفراد المجتمع غير المسجلين لدى الإدارات الضريبية، على التقدم للتسجيل، والانتظام في أداء الضريبة الخاضعين لها، والانضمام إلى الاقتصاد الرسمي، هذا بالإضافة إلى تبديد مخاوف هؤلاء الأفراد من تحمل تبعات الفترات السابقة على تاريخ العمل بالقانون، من عقوبات وجزاءات وأعباء مالية قد لا يستطيعون تحملها دفعة واحدة. لما كان ذلك جميعه، فإن التنظيم الذي تبناه المشرع في سن هذا الشرط لاستحقاق الإعفاء الضريبي من الضرائب المستحقة قبل العمل بأحكام هذا القانون، باعتباره الوسيلة التي اتخذها المشرع طريقًا لبلوغ الأهداف المتقدمة، متسقًا مع تلك الغايات، ومحققًا لها، ومرتبطًا بها ارتباطًا منطقيًّا وعقليًّا، ليضحى ما تضمنه النص المطعون فيه من أحكام يتساند إلى أسس موضوعية تبرره، ويكون النعي عليه الإخلال بمبدأ المساواة المقرر بالمادتين (4، 53) من الدستور، والعدالة الاجتماعية التي كفلتها المادتان (27، 38) من الدستور، على غير سند، وغير قائم على أساس سليم.
ثالثًا: حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى التي أقيمت طعنًا على نص المواد (296، 297، 298) من قانون العقوبات.
وأقامت المحكمة حكمها استنادًا إلى أن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أنها لا تزن بنفسها- ومن خلال مناهجها الذاتية- ما إذا كان التنظيم التشريعي المعروض عليها لازمًا، وما إذا كان إقراره في مناسبة بعينها ملائماً، إذ ليس لها إلا أن ترد النصوص التشريعية المطعون عليها لأحكام الدستور. ذلك أن الرقابة القضائية التي تباشرها هذه المحكمة على دستورية القوانين واللوائح غايتها التحقق من توافقها مع أحكام الدستور، وإحاطتها بحقوق وحريات المواطنين من جميع جوانبها على الوجه الأوفى، ودون قصور ينال من جوهرها أو في بعض عناصرها بما يعد عدوانًا عليها وامتهانًا لها، غير أن تلك الرقابة لا تمتد بحال إلى مجال عمل السلطة التشريعية بتعديل قوانين أقرتها، كما لا شأن لها بالسياسة التشريعية التي ينتهجها المشرع لتنظيم أوضاع معينة.
وحيث إن مؤدى ذلك ولازمه، أن التجريم ليس عملاً قضائيًا، وإنما هو عمل تشريعي أصيل، يتولاه المشرع، طبقًا لنص المادة (101) من الدستور، فيحدد ملاءمته، ونطاقه، ملتزمًا الضوابط الدستورية السالف ذكرها، ويبين- على نحو جلي، لا غموض فيه- النموذج القانوني، الذي يتلبس الفعل المادي، والركن المعنوي لهذا النموذج، وكافة شرائط هذا النموذج ومتطلباته، ثم يحدد العقوبة المقررة لذلك النموذج، وذلك كله إعمالاً لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، المنصوص عليه في المادة (95) من الدستور، التي تقضي بأنه "لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون"؛ وإذ أحالت محكمة الموضوع النصوص المطعون فيها، بغية أن يمتد العقاب، المقرر فيها، على شهادة الزور، التي يُدلي بها أمام المحاكم، والتي تثبت في محاضرها، ليشمل تلك التي تثبت في غير هذه المحاضر، مثل محاضر الشرطة، ومحاضر التصديقات في الشهر العقاري، وغيرها، فإن ذلك لا يستنهض ولاية المحكمة الدستورية العليا ويظل تدخل المشرع حتمًا مقضيًا، ليعمل سلطته التقديرية في هذا الشأن، بما يملكه من بدائل وملاءمات، مما يتعين معه عدم قبول الدعوى المعروضة.
رابعًا: حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى التي أقيمت طعنًا على نص الفقرتين الأولى والعاشرة من المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991.
وأقامت المحكمة حكمها استنادًا إلى أن النيابة العامة قد نسبت إلى المدعى ارتكاب جريمة التهرب من أداء الضريبة على المبيعات المؤثمة بنموذجي هذه الجريمة المنصوص عليهما بالبندين (2، 10) من المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، وقد تساندت في الجمع بين هذين النموذجين إلى استمرار امتناع المدعى عن تقديم الإقرار عن مبيعاته، وسداد الضريبة المستحقة عنها خلال المواعيد المقررة قانونًا، وحتى تاريخ الكشف عن الجريمة، الذي جاء تاليًا لانقضاء ثلاثين يومًا على انتهاء المواعيد السالف بيانها، بما تراءى معه للنيابة العامة الجمع بين نموذجي جريمة التهرب قيدًا ووصفًا، دون أن يشكل ذلك تعددًا معنويًا بينهما، وإنما تنازعًا ظاهريًا بين نصين عقابيين يشكل أولهما حكمًا خاصًا على ثانيهما، بمراعاة انطوائه على صلة أوثق بالوضع الواقعي القائم في الدعوى الموضوعية، ومن ثم فإن المدعى لا يجديه مخاصمة النموذج المنصوص عليه بالبند (10) وحده، ما دام أن النموذج المنصوص عليه بالبند (2) يحمل ركنه المادي عناصر التأثيم ذاتها للجرم المنسوب للمدعى بمقتضى نص البند المطعون فيه، مع الأخذ في الاعتبار كذلك توافر القصد الجنائي الذي يجمع بين النموذجين الفائت بيانهما، الأمر الذي لا يحقق معه إبطال النص المطعون فيه، محددًا نطاقًا على ما سلف بيانه، أي فائدة يمكن أن يتغير بها المركز القانوني للمدعى بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها، إذ أنه يظل حتى في حالة القضاء بعدم دستورية النص الطعين- وأيًّا كان وجه الرأي في صحة المطاعن الدستورية التي وجهها المدعى للنص المطعون بعدم دستوريته- مخاطبًا بنص البند (2) من المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات، معرضًا لإدانته عن جريمة التهرب الضريبي ذاتها، ومعاقبته بالعقوبة الموحدة المقررة لتلك الجريمة- أيًّا كان نموذجها– المنصوص عليها بالمادة (43) من القانون المذكور، ومن ثم تنتفي مصلحة المدعى في الطعن على نص البند (10) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991– قبل استبداله بالقانون رقم 91 لسنة 1996– ما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى.



