«الوحى الأمريكى» يهبط على فلول «القاعدة» فى العراق!
كتب - هاني عبد الله
فى أيار/ مايو من العام 2014م؛ كان عديدٌ من الدوائر الاستخبارية الأمريكية على شفا «اقتراب نوعي» جديد، فى عملية تبادل الخبرات بين «الوكالات الاستخبارية».. إذ كانت «وكالة الاستخبارات الدفاعية»..(DIA) ، تدرس، حينئذ (بجدية شديدة) أمر الاستعانة بأحد قيادات «وكالة الاستخبارات المركزية» (CIA) ، من ذوى الخبرة «الواسعة» فى التعامل مع جماعات العنف المسلحة بـ«الشرق الأوسط»؛ ليشغل «رسميًّا» الموقع الثانى بالوكالة العسكرية الأشهر.. وهو موقع يتيح لشاغله - فعليًّا - صلاحيات إدارة «الوكالة»، وتوجيهها أيضًا، من الخلف(1).. وعلى هذا؛ وقع «الاختيار» على «دوجلاس وايز» (Douglas H. Wise) ، إذ كان «وايز»، هو المسئول عن إدارة هذا الملف - بشكلٍ رئيس - خلال الفترة، التى شهدت نموًا «ملحوظًا» لتنظيم القاعدة ببلاد الرافدين، فى أعقاب «الغزو الأمريكى للعراق» بالعام 2003م.
ومن واقع خبراته «الاستخبارية»؛ كان «وايز» على معرفة «وثيقة» بأغلب قيادات «جماعات العنف» العاملة فى «بلاد الرافدين»، فضلاً عن خريطة تنقلاتهم، من العمقين: (الأفغانى، والعربي)، نحو «بُؤرة التمركز» العراقية.. ومن ثَمَّ؛ كان «وايز»، وفقًا لمسئولى «مجتمع الاستخبارات الأمريكي» (US Intelligence Community)، هو رجل المرحلة، الذى تحتاجه «وكالة الاستخبارات الدفاعية».. إذ كانت «الوكالة»، التى يقبع قادتها بقاعدة «أناكوستيا- بولينج» (جنوب شرق «واشنطن»)، تسعى، وقتئذ، نحو تدشين «مسرح الأحداث» بمنطقة الشرق الأوسط؛ لترسيخ وجودها «عملياتيًّا» داخل «النطاق الجغرافي»، الممتد من «الخليج العربي» إلى «الشمال الإفريقي».
وحينذاك.. عُرض أمر الاستعانة بـ«دوجلاس وايز» (رجل «وكالة الاستخبارات المركزية» بمنطقة الشرق الأوسط)، على المدير «الأسبق» لوكالة الاستخبارات الدفاعية، الجنرال «مايكل فلين» (Michael T. Flynn) ، قبل أن يغادر موقعه (2).. فكان أن رحّبَ «فلين» (إلى حدٍّ بعيد) بهذا الاختيار(3).. وقال «فلين»: كان لى شرف العمل (جنبًا إلى جنب)، مع «دوج»(Doug) ، عندما كنّا فى العراق.. وأشهد له بالالتزام، و«الكفاءة الاستخبارية»، والقدرة «الفائقة» على الاندماج فى المجتمع الذى يعمل خلاله.. فهو (أى: دوج)، يمتلك قدرات فريدة من نوعها، ستستفيد منها وكالة الاستخبارات الدفاعية، بلا شك.
كان - وقتها - ما عُرف بـ«تنظيم الدولة الإسلامية» (داعش)، لايزال يواصل نموه «السرطاني» داخل كُلٍّ من العراق، وسوريا بشكل غير مسبوق.. ومن ثَمَّ؛ كان لا بُدَّ من أن يحدث تنسيق بين «الوكالات الاستخبارية» المختلفة، مع الملف الذى تديره (على الأرض) وكالة الاستخبارات الدفاعية، بعد اقتراب «مرحلة التوظيف التكتيكي» لتيارات العنف، من نهايتها.. ومع ذلك؛ عندما سُئل الرئيس الأمريكى «باراك أوباما»، فى بداية العام، نفسه (أى: بداية العام 2014م)؛ إذا ما كان التنظيم «الجديد» (أى: داعش)، يُمثِّل خطرًا «حقيقيًّا» على مصالح «الولايات المتحدة الأمريكية» الاستراتيجية، أو حلفائها بالمنطقة، رد قائلاً:
إن التشبيه الذى نلجأ إليه أحيانًا، كما أعتقد، ليس دقيقًا.. كما لو ارتدى فريق صغير (a jayvee team)، ثياب «الليكرز» (Lakers)، فهذا لن يغير من «تصنيفهم»، أو يجعل منهم «كوبى براينت» (Kobe Bryant).. وأضاف: أعتقد أن هناك فارقًا بين قدرات «أسامة بن لادن»، وشبكته التنظيمية، التى خططت لعمليات كُبرى فى بلادنا، وبين «جهاديين طائفيين»، متورطين - غالبًا- فى معارك سياسية، وصراعات «محلية».. وعلينا أن نضع فى اعتبارنا، أن «الفلوجة» مدينة سنية «محافظة» فى بلد - بغض النظر عن أى شيء نفعله - ينقسم بشدة على «أسس طائفية».. وعندما نفكر فى «الإرهاب»، يجب علينا أن نكون محددين، بما فيه الكفاية.. وألا يقودنا هذا إلى الاعتقاد بأن أى «تحرك عنيف»، يحدث فى أى منطقة بالعالم، عبر «المتطرفين الإسلاميين»، يُشكل تهديدًا مباشرًا لنا، أو يعنى شيئًا علينا الخوض فيه](4).
ولم يكن ما ذهب إليه «أوباما»، عدم قراءة دقيقة لما يُمكن أن يُشكله صعود «تنظيم الدولة» من تهديدات، مستقبلية (كما ذهب عددٌ من المحللين السياسيين، فى حينه)؛ بقدر ما كان (فى تقديرنا الشخصي) انعكاسًا «حقيقيًّا» لرؤية عديدٍ من «الدوائر الاستخبارية الأمريكية» آنئذ.. إذ لم يخرج ما صرح به «الرئيس الأمريكي»، بأى حال من الأحوال، عن التقرير السنوى الذى أعدته «وكالة الاستخبارات الدفاعية» (DIA) بالعام 2014م، حول «المُهددات» الخارجية التى يُمكن أن تتعرض لها «الولايات المتحدة الأمريكية»(5).. إذ جرى ذلك التقرير، على وجه التحديد، على «الوتيرة» نفسها، التى تحدث بها الرئيس الأمريكى.. بل تجنب التقرير أى إشارة لما عُرف باسم (داعش) من قريب، أو بعيد، متجاوزًا، فى مضمونه، الحديث عن التنظيم «الصاعد» إلى الحديث عن الخطر الذى يُمكن أن تُمثله «بقايا تنظيم القاعدة» فى بلاد الرافدين(6).
وكان من بين ما ذكره التقرير السنوى لـ«وكالة الاستخبارات الدفاعية»(7): إن «تنظيم القاعدة فى العراق»(AQI) ، ربما سيحاول الاستحواذ - فى القريب - على أراضٍ بالعراق، وسوريا؛ لإظهار قوته فى العام 2014م، وقدرة «المجموعة» على الحفاظ، فى الوقت نفسه، على عديدٍ من «الملاذات الآمنة»، داخل سوريا.. ومع ذلك؛ فإن سيطرته على تلك المناطق، ستعتمد على موارد «التنظيم»، و«الدعم المحلي»، فضلاً عن ردود أفعال «قوى الأمن الداخلي»، و«الجماعات المعارضة» الأخرى فى سوريا.
وأضاف التقرير (8): وفيما يبدو أن أغلبية «السُّنَّة» لا يزالوان يعارضون «أيديولوجية تنظيم القاعدة» فى العراق، ووجوده فى كل من: العراق وسوريا؛ يبدو - كذلك - أنّ بعض «العشائر السُّنية»، و«الجماعات المتمردة» على استعداد للعمل من «الناحية التكتيكية» مع تنظيم القاعدة فى العراق؛ لأنهم يتشاركون «الأهداف المناهضة للحكومة» نفسها، مثل: رفض «بغداد» الشكاوى السُّنية، المطالبة بمعالجات سياسية «طويلة الأمد»، واستمرار «النهج العنيف» فى مكافحة الإرهاب.. ومنذ رحيل القوات الأمريكية، فى نهاية العام 2011م، استغلت «القاعدة بالعراق» تلك البيئة؛ لزيادة عملياتها، ووجودها فى عديدٍ من المواقع.. كما توسعت - كذلك - فى «سوريا»، و«لبنان»؛ لتأجيج التوترات بجميع أنحاء المنطقة.. وعلى سبيل المثال؛ زعم «تنظيم القاعدة فى العراق»(AQI) ، مسئوليته فى 2 كانون الثاني/ يناير من العام 2014م، عن انفجار سيارة «مفخخة» فى بيروت، داخل معقل «حزب الله» اللبنانى لتعزيز «الصراع الطائفي»، وإظهار القوة فى جميع أنحاء المنطقة.. وأنَّ «احتمالية» شن مزيد من الهجمات فى لبنان، لاتزال قائمة.. إذ لايزال «التنظيم» مسيطرًا على عديد من المناطق السورية، مثل: «الرقة»، و«الباب»، و«جرابلس».



