تعرف على سيرة المكرمات بمهرجان "أسوان" السينمائي
كتبت - هبة محمد على
يراهن مهرجان أسوان لأفلام المرأة في دورته الثانية التي تمتد من 20 إلى 26 فبراير الجاري على صناعة دورة مختلفة، تلك الدورة التي تحمل اسم المناضلة الجزائرية جميلة بو حيرد، وتكرم من خلالها النجمة منى زكي، لكن اختيار إدارة المهرجان تكريم ثلاث من صانعات السينما المصرية بالتأكيد لم يكن اختيارا عشوائيا، فالمكرمات الثلاث وهن المخرجة عطيات الأبنودي، والمخرجة والمنتجة ماريان خوري، ومصممة الملابس ناهد نصر الله، قدمن الكثير للسينما المصرية، وساهمن في إثراء الشاشة الفضية بالعديد من الأفلام المهمة، سواء كانت أفلاما تسجيلية أو روائية، كما عبرن بصدق عن قضايا المرأة المصرية من خلال إبداعهن، والحقيقة أن الثلاث يمتلكن تاريخا حافلا بالعطاء، ويمثلن امتدادا طبيعيا لرائدات صناعة السينما المصرية الأوائل، أمثال بهيجة حافظ، وآسيا، وماري كويني اللاتي حملن الصناعة على أكتافهن، وكن سببا رئيسيا في استمرارها، لكن الجميل في مسيرة المبدعات الثلاث هو أنهن فضلن أن يتركن تأثيرهن في أي عمل فنى يشاركن به دون صخب.
عطيات الأبنودى.. مدرسة الانحياز للبسطاء
الكثير منا يعرف عطيات الأبنودي كواحدة من مخرجات الأفلام التسجيلية الأكثر شهرةً وتأثيرًا في مصر، والتي انحازت للبسطاء منذ بدايات مشوارها في مطلع السبعينيات، من خلال فيلمها الأول (حصان الطين) والتي تناولت به معاناة الفقراء العاملين في صناعة الطوب، في ورشة قروية بائسة، من أجل حفنة قروش قليلة، تحول دون موتهم جوعًا، وهو النهج الذي سارت عليه في بقية أعمالها، لترسي خلال أربعة عقود من العطاء أنجزت خلالها أكثر من 25 شريطًا، مدرسة في فن صناعة الفيلم التسجيلي، رسالتها هي التعامل مع الواقع بوصفه مادة فنية لا تحتاج سوى إلى من يبرز تفاصيلها، فكانت روائع مثل (أحلام ممكنة، ونساء مسؤولات، وأحلام البنات) وغيرها من الأفلام التي استحقت من خلالها العديد من الجوائز والتكريمات، مثل تكريمها في المهرجان القومي للسينما عام 1998، وجائزة جمعية نقاد السينما المصريين لمهرجان الإسماعيلية للفيلم التسجيلي والقصير عن فيلمها (اللي باع واللي اشترى)عام 1992، وجائزة أحسن إنتاج مشترك بمهرجان فالينسيا بإسبانيا، عن الفيلم التسجيلي (إيقاع الحياة) عام 1990.
إخراج الأفلام الوثائقية ليس الحلقة الوحيدة التي تربط عطيات الأبنودي بعالم الإبداع، فقد عملت كممثلة ناشئة في المسرح في منتصف الستينيات، كما أسست شركة إنتاج بعنوان (أبنود فيلم)، ورغم إصرارها في كثير من حواراتها على أنها ليست كاتبة، وإنما مخرجة باحثة تستخدم القلم أحيانا للتوثيق، إلا أن لديها قائمة متنوعة من الكتب مثل (أيام الديمقراطية) الذي صدر عام 1996 كنوع من التوثيق المكمل لفيلمها التسجيلي الذي يحمل نفس الاسم، والذي يتحدث عن تجربة المرشحات المصريات في انتخابات مجلس الشعب، وقد خرج هذا الكتاب في طبعتين عربية وإنجليزية، ثم تلته في 1999 بشبه سيرة ذاتية عنوانها (أيام لم تكن معه) روت من خلاله تجربتها في الفترة التي سجن فيها الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي، حيث كانت زوجته في تلك الفترة، قبل أن تقدم في 2006 كتاب (أيام السفر) ثم كتابها (السينما الثالثة) عام 2012، الذي يعد أنشودة عذبه لتاريخ السينما بموجاته الفكرية وتطوراته الصناعية، وعلاقته بالقضايا المتعلقة بالواقع.
ماريان خوري.. النجاح متعدد الأوجه
هي واحدة من عاشقات السينما اللاتي تربين في كنف المخرج العالمي يوسف شاهين، وعايشت عالمه عن قرب، ليست فقط بصفتها ابنه أخته التي وجد في عيونها شغفا بعالم الفن، فاجتذبها نحوه، مما أهلها لأن تصبح فيما بعد واجهة لواحدة من أهم شركات الإنتاج في مصر، وهي شركة (أفلام مصر العالمية) لكن لأن التعاون بينهما استمر وثيقا لما يقرب من ثلاثين عاما، كانت خلالها المنتجة المنفذة لعدد كبير أفلامه، أهمها (وداعًا بونابرت، اليوم السادس، إسكندرية كمان وكمان، القاهرة منورة بأهلها، الآخر، سكوت ح نصور). كما عملت كمنتج فني لعدد كبير من الأفلام، منها: (سرقات صيفية، والمدينة) للمخرج يسرى نصر الله، وفيلمي (شحاذون ونبلاء، كونشرتو في درب سـعادة) للمخرجة أسماء البكري، وفيلم (عرق البلح) للمخرج رضوان الكاشف، وفيلم (الأبواب المغلقة) للمخرج عاطف حتاتة وفيلم (العاصفة) للمخرج خالد يوسف.
تقوم ماريان بدور حلقة الاتصال بين الفنانين والصناعة، وهي معنية بـ (سينما المؤلف) وتنتج أفلامًا مستقلة ذات موضوعات تختلف عن السائد في السينما المصرية، كما لعبت دورًا أساسيًّا في مشروع (بانوراما الفيلم الأوروبي) منذ دورته الأولى عام 2004 بالقاهرة، وهي الدورة الوحيدة التي عاصرها يوسف شاهين بنفسه، وأرسى من خلالها قواعد تلك المبادرة التي تبحث في الموضوعات والأنواع السينمائية المختلفة لكي تقدم السينما البديلة للجمهور المصري، لتكمل ماريان المسيرة بعده، فتصبح بانوراما الفيلم الأوروبي تحت رئاستها واحدة من أهم التظاهرات السينمائية في مصر الآن، حيث يقام في موعده دائما بالرغم من أي ظروف ويتقدم للأمام بينما تتراجع للخلف مهرجانات ضخمة تنفق عليها الملايين.
(زمن لورا) هو أول فيلم تسجيلي من إخراجها، عام 1999، وبعده أخرجت فيلم (عاشقات السينما) عام 2002، وحصل الفيلمان على إشادة النقاد، خاصة أنهما يكشفان النقاب عن إنجازات النساء المتمردات في مصر منذ حوالى قرن، كما ركز فيلمها التسجيلي (ظلال) التي أخرجته، وكتبت السيناريو الخاص به على علاقة المجتمع بالمرضى العقليين، وقد فاز هذا الفيلم على جائزة (قناة الراي الإيطالية) في دورة عام 2011 لمهرجان الأفلام التسجيلية الدولي من البحر المتوسط والشؤون الراهنة، كما كان فيلم الافتتاح الرسمي في مهرجان فينيسيا السينمائي لعام 2010.
ناهد نصر الله.. الموهبة الحقيقية تصقلها الدراسة
تصميم الأزياء جزء من رسالة الفيلم البصرية التي تؤمن المصممة ناهد نصر الله بها منذ أن قررت التحول من الإخراج إلى تصميم الملابس، حيث بدأت كمساعدة مخرج في أفلام يوسف شاهين، وكانت المساعدة رقم 100 في فيلم (وداعًا بونابرت) ومن خلال هذا الفيلم تعرفت على مصممة الأزياء الفرنسية إيفون ساس ينو، والتي يرجع إليها الفضل في دخولها إلى عالم تصميم الملابس، وفي (اليوم السادس) ليوسف شاهين عملت ناهد كمساعدة لمصممة الأزياء الفرنسية لأول مرة في حياتها، استكملت بعدها دراستها في هذا المجال في باريس، ثم عادت إلى مصر وعملت كمصممة أزياء في العديد من الأفلام مثل (لية يا بنفسج) لرضوان الكاشف، و(مرسيدس، وسرقات صيفية) ليسرى نصر الله، حتى حان الوقت، وعرض عليها يوسف شاهين تصميم ملابس فيلم (المهاجر) والذي يمكن اعتباره نقطة انطلاقها كمصممة لديها بصمتها الخاصة التي لا يخطئها أحد.
تحليل الشخصيات، والغوص في أعماقها الإنسانية خطوات تقوم بها ناهد نصر الله قبيل الشروع في تصميم ملابس أبطال أي عمل فني، ولا يتم ذلك سوى بعد دراسة شاملة للحقبة الزمنية والتاريخية التي تدور فيها أحداث الفيلم، للوصول إلى التصور الأنسب الذي يعبر عن هذه الشخصيات حتى على مستوى الخامات المستخدمة والاكسسوارات، الأمر الذي بدى جليا في تصميم ملابس أفلام مثل (المصير، وعمارة يعقوبيان، والجزيرة، والفيل الأزرق) وغيرها من الأعمال التي كانت الملابس فيها بطلا رئيسيا في الأحداث.



