السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

أحمد خالد توفيق .. بطل يشبهنا

أحمد خالد توفيق ..
أحمد خالد توفيق .. بطل يشبهنا
كتب - عبد الحليم حفينة

أحمد خالد توفيق الأديب الذي حمل قلمه وأوراقه ورحل على عجل

خطف الأضواء من القاهرة إلى طنطا من خلال إبداعاته الأدبية

على عجل حمل قلمه وأوراقه ورحل، لم يخبرنا بموعد رحيله، ربما لأنه مثلنا لم يكن يعلم، وأغلب الظن أن حدسه أخبره بدنو الأجل.. لكنه كأي أب لم يشأ أن يكلم أبناءه مرتين.. مرة ساعة ينقل إليهم حدسه، والثانية يوم الرحيل.

رحل "العراب" أحمد خالد توفيق، وترك خلفه إرثًا من المحبة والعرفان لدى قطاع واسع من الشباب الذي تأثر بأدبه، فكان بمثابة المغناطيس الذي جذب أجيال الثمانينيات والتسعينيات للقراءة، حتى وإن لم يستمروا في الدوران في فلك أدبه، لكنه هو الذي أتى بهم إلى عالم القراءة الواسع، فكان سببًا في أن ينير قلوب وعقول هذه الأجيال بقبس من المعرفة.

"الكتابة علاج لاضطرابات الكاتب النفسية، وإن الكاتب الحق، والناجح أيضًا، هو الذي يكتب لنفسه أولًا؛ لأنه لو كتب من أجل القراء أو الجماهير فسيدخل في دائرة الافتعال والابتذال" من آخر مقابلة تلفزيونية العراب الجمعة الماضية.

المتفرد بالتميّز

جرت العادة على أن العاصمة هي مركز صناعة المتميزين من الكتاب والمثقفين، إلا أن "العراب" سحق هذه العادة التي رسخها أجيال من الكتاب والمفكرين، فمن طنطا مسقط رأسه وعاصمة محافظة الغربية نشر قطوف الأدب والمعارف، فسعى إليه الجميع حيث هو يقبع في مدينته بوسط الدلتا؛ يمارس عمله كطبيب وأستاذ جامعي، ومثقف وكاتب يفرغ ما يتراكم في عقله من معارف، فسرت في عالم المعرفة أدبًا ومقالات وترجمات ستبقى جميعها إرثًا يخلد ذكراه.

 

اختار "العراب" أن تكون شخصيات أبطاله عادية جدًا، تشبه حياتهم حياة كل من يقرأها، فقد انتقى أبطاله من مدرسة "نقيض البطل"؛ حيث تفتقر الشخصية إلى مواصفات البطولة المتعارف عليها كالمثالية والوسامة، والقوة الجسمانية والشجاعة.. ويبدو أن العراب أراد أن يكون أكثر قربًا إلى قراءه بشخصيات تشبههم.

وتفرد "العراب" بإبداعه الأدبي؛ حيث يعتبر بمثابة أحد أهم كتاب الرعب في الوطن العربي إن لم يكن الأهم، وقد صدر له العديد من الإصدارات في مقدمتها "سلسلة ما وراء الطبيعة"، والتي صدرت عام 1993، وتدور حول ذكريات شخصية خيالية لطبيب أمراض دم مصري متقاعد اسمه "رفعت إسماعيل" تحكي سلسلة الحوادث الخارقة للطبيعة التي تعرض لها في حياته، بدءًا من العام 1959، إضافة للحكايات التي تصله من أشخاص مختلفين حول العالم، سمعوا عن علاقته بعالم ما وراء الطبيعة.

تتابعت إصدارات الراحل أحمد خالد توفيق برصانة وهدوء، التي اتسمت بالسخرية وسهولة السرد، الطريقة التي أثارت انتقادات البعض، لكنه كان دائمًا يرى أن الكتابة يجب ألا "تعذب القارئ أو أن تشعره بالهزيمة أو الفشل".

إلى جانب سلاسل الروايات الستة التي قدمها العراب والتي وصلت إلى ما يقرب من 236 عددًا، والتي ضمت "سلسلة ما وراء الطبيعة" و"سفاري" و"فانتازيا" وروايات عالمية للجيب، أصدر العراب العديد من الروايات مثل "يوتوبيا" و"السنجة" و"مثل إيكاريوس" و"في ممر الفئران" وكان رواية "شآبيب" آخر عمل صدر له في أوائل هذا العام.

كان للعراب إسهامًا مهمًا في ترجمة بعض الأعمال الأدبية، فقد قام بترجمة مصورة لرواية "عداء الطائرة الورقية" الشهيرة للكاتب الأفغاني خالد الحسيني، بالإضافة إلى ترجمة عدد من روايات الجيب الأجنبية التي قام بترجمتها أيضا ضمن سلسلة روايات عالمية للجيب، إلى جانب ترجمة الروايات الثلاث نادي القتال (fight club) للروائي الأمريكي تشاك بولانيك.

إذا كان (ر. ل. شتاين) قال إنه يريد أن يكتب على قبره "جعل الأطفال يقرأون"، فإنه شخصيًا يريد أن يكتب على قبره "جعل الشباب يقرأون" الدكتور أحمد خالد توفيق.

الملهم عن غير قصد

مَثَلَ رحيل أحمد خالد توفيق صدمة مفجعة لجيل الشباب الذي تشرب المعارف من بين برق الكلمات على السطور، فكان العراب بهدوئه وبساطته وإبداعه المتدفق مصدر جذب لجيل من الشباب المتسلح بالمعرفة والتفكير العلمي، وفي الأغلب لم يقصد توفيق إحداث كل هذه الهالة من حوله فرأيه أنه كان يكتب بسبب قراءاته الغزيرة أحدثت حالة من الغليان بداخله كانت هي محركه ودافعه للكتابة، "وأنه لم يكن منشغلًا بالبحث عن الجماهير" كما قال في آخر مقابلة تلفزيونية معه الجمعة الماضية.

 

 "العراب" رحل عن عالمنا أمس الاثنين عن عمر يناهز 56 عامًا، رحل بجسده وترك روحه المرحة عالقة بوجدان كل من تلحف بكلماته يومًا.. كل من تذوق المعرفة والثقافة من قلمه، وبقي أن نختتم مرثيتنا بقلم المبدع أحمد خالد توفيق بجزء روايته "أسطورة النبوءة":

"وداعًا أيها الغريب.. كانت إقامتك قصيرة، لكنها كانت رائعة، عسى أن تجد جنتك التي فتشت عنها كثيرًا.. وداعًا أيها الغريب، كانت زيارتك رقصة من رقصات الظل.. قطرة من قطرات الندى قبل شروق الشمس، لحنًا سمعناه لثوانٍ هنالك من الدغل.. ثم هززنا الرؤوس، وقلنا إننا توهمناه.. وداعًا أيها الغريب لكن كل شيء ينتهى"

 

 

تم نسخ الرابط