الجمعة 19 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

عيد القيامة وشم النسيم.. عندما يلتقي الدين والموروث الشعبي

عيد القيامة وشم النسيم..
عيد القيامة وشم النسيم.. عندما يلتقي الدين والموروث الشعبي
كتب - عبد الحليم حفينة

يحتفل مسيحيو الشرق بعيد القيامة المجيد، اليوم الأحد، فيما احتفلت الكنائس الغربية بعيد القيامة الأحد الماضي، الموافق ١ أبريل، ويعرف العيد بهذا الاسم في رمزية لقيامة المسيح من الموت، بعد صلبه كما هو مذكور في العهد الجديد، ويعرف العيد أيضًا بأسماء أخرى أشهرها عيد الفصح والبصخة وأحد القيامة، وفيه ينتهي الصوم الكبير (٥٥ يومًا)؛ كما ينتهي أسبوع الآلام.

ويعتبر عيد القيامة من المناسبات الدينية التي دار حولها جدل كبير بين أتباع الطوائف المسيحية المختلفة في المهد الأول للديانة المسيحية، ويستمر هذا الجدل إلى يومنا الحاضر، خاصةً في فروق التوقيت بالاحتفال بالعيد بين مسيحيي الشرق والغرب.

الانفصال عن فصح اليهود وحساب التوقيت

يعود انفصال المسيحيين عن الأعياد اليهودية إلى العصور الأولى للديانة المسيحية، ولكنهم ظلوا لفترة من الزمن يحتفلون بالفصح المسيحي في نفس توقيت احتفال الفصح اليهودي في اليوم الرابع عشر من أبريل، فقد احتفلت كنائس أسيا الصغرى وكيليكيا وسوريا والعراق بالاحتفال بعيد الفصح اليهودي في ١٤ أبريل، وبعيد القيامة في يوم ١٦ أبريل بشكل ثابت، فإن الكنائس الشرقية وعلى رأسها كنيسة الإسكندرية حددت ثلاثة معايير لتحديد ميعاد عيد القيامة.

 وتمثلت هذه المعايير الثلاثة في أن يوافق العيد يوم أحد، وأن يأت بعد دخول فترة الاعتدال الربيعي، إضافة إلى أن يكون عيد الفصح اليهودي قد سبقه، وقد جرت مراجعة توقيت عيد الفصح المسيحي في مجمع نيقية الذي دعا إليه الإمبراطور قسطنطين في عام 325 بعد الميلاد، وأثبت المجمع قانوناً لم يزل مطبقًا حتى الآن؛ حيث تقرر في هذا القانون أن يتم توحيد ميعاد الاحتفال بعيد القيامة، وأن يتم الاعتماد على الطريقة التي تنتهجها كنيسة الإسكندرية.

وقد بقيت هذه الطريقة الوحيدة المعتمدة منذ عقد مجمع نيقية في عام  325م وحتى نهايات القرن السادس عشر، ففي عام 1582م، رأى بابا روما جريجوري الثالث عشر أن هناك فجوة زمنية في تقدير مدة السنة الشمسية، وأن مدة هذا الفجوة تقدر بعشرة أيام كاملة، فتم تصحيح تدارك الخطأ في الكنائس الغربية.

فأصبح الاعتدال الربيعي يأت في ١١ مارس بدلاً من ٢١ مارس، وأصبح المسيحيون الغربيون يحددون موعد العيد بشكل فلكي ولا يرتبطون فيه بعيد الفصح اليهودي، بينما أصر المسيحيون الشرقيون على الالتزام بما تم إقراره في مجمع نيقية.

ومنذ ذلك الحين عاد الاختلاف مرة أخرى ما بين الكنائس الشرقية والغربية فيما يخص موعد الاحتفال بعيد القيامة، ويعتبر العام ٢٠١٧م، من الأعوام القليلة التي اتفقت فيها الكنائس الشرقية والغربية جميعها في احتفالها بعيد القيامة، ذلك أن كليهما احتفل بالعيد في يوم ١٦ أبريل.

 

البداية من أسبوع الآلام

يسبق الاحتفال بعيد القيامة بداية أسبوع الآلام، والذي يمثل كل يوم فيه ذكرى دينية محددة لدى المسيحيين، وجاءت تسمية العيد بهذا الاسم استنادًا إلى النص الذي جاء في إنجيل متّى حيث يقول "لأن الرب يسوع قد قاسى في هذا الأسبوع آلامًا مُرة في نفسه وجسده معًا".

 وينتهي الأسبوع الذي يسبق أسبوع الآلام بسبت أليعازر، وهو رجل أحياه المسيح بعد أربعة أيام من موته، ويحتفل المسيحيون بهذا الأسبوع الذي دخل فيه المسيح إلى القدس وإنشاء سر التناول وصلب المسيح وموته ثم قيام المسيح من الموت في أحد القيامة.

وفي يوم الأحد الذي يعرف بـ"أحد الزعف" أو "الشعانين"، يبدأ أسبوع الآلام؛ حيث يتم الاحتفال بذكرى دخول المسيح لمدينة أورشليم في موكب عظيم، وخروج أهلها  لاستقباله بزعف النخيل.

أما يوم الإثنين، الذي عُرف بيوم السلطان أو اثنين البصخة والذي شهد تطهير الهيكل، فقد زار المسيح الهيكل المقدس في أورشليم وتحكي الأناجيل عن غضبه الشديد بسبب ما شاهده من قيام التجار بالبيع والشراء في الساحة المقدسة للهيكل، وهو ما جعله يتعرض لهم ويطردهم ويلقي بضاعتهم على الأرض، وذلك حفاظاً على مكانة الهيكل المقدسة.

أما في يوم الثلاثاء، فقد حاور المسيح عدداً من الكهنة والفريسيين اليهود الذين حاولوا أن يثبتوا جهله، وأشهر ما قيل في تلك المجادلة، إنه عندما سئل أحد الكهنة المسيح عن حكم الجزية، وجواز اعطائها للقيصر الروماني، وذلك في محاولة لتوريطه في مشكلة مع الرومان، فان المسيح رد عليه قائلاً: "أعط لقيصر ما لقيصر، وأعط لله ما لله".

وفي يوم الأربعاء، قام يهوذا وهو أحد تلاميذ السيد المسيح بالاتصال بعدد من زعماء اليهود الذين أرادوا الايقاع به، واتفق معهم على خيانة سيده مقابل مبلغ من المال، وبحسب قول إنجيل متّى، فقد كان يهوذا "منذ ذلك الوقت يطلب فرصة ليسلمه".

أما يوم الخميس، فيعرف باسم "خميس العهد"، وفي هذا اليوم غسل يسوع أرجل تلاميذه ووعظ فيهم بأن يحبوا بعضهم البعض كما أحبهم هو وترك لهم وصيته، وتناول معهم العشاء الأخير، والذي كان مكون من الخبز والخمر، ويعتقد المسيحيون أن الخبز كان يرمز للحم المسيح وأن الخمر كان يرمز لدمه.

 

وفي هذا اليوم تنبأ المسيح بخيانة يهوذا له، كما تنبأ بأن تلميذه المخلص بطرس سوف ينكره ثلاث مرات قبل فجر اليوم الجديد، وبعد ذلك كله، تم إلقاء القبض على المسيح من قبل الجنود الرومان.

أما يوم الجمعة، فتعرف باسم "الجمعة العظيمة" والجمعة الحزينة، ويعتقد المسيحيون أنها قد شهدت محاكمة السيد المسيح أمام رؤساء الكهنة اليهود، ثم تمّت تلك المحاكمة أمام الوالي الروماني بيلاطس النبطي، والذي خيّر اليهود ما بين العفو عن السيد المسيح أو العفو عن المجرم باراباس، وأنهم قد اختاروا العفو عن الثاني، وطالبوا بيلاطس بصلب المسيح.

فوافق الوالي الروماني على عملية الصلب، وتم اقتياد المسيح حيث تم جلده ووضع تاج الشوك على رأسه، وانتهت أحداث ذلك اليوم بصلبه وموته بحسب الاعتقاد المسيحي.

ويتزامن يوم الجمعة الحزينة في التوقيت الغربي مع الاحتفال بعيد الفصح اليهودي.

أما يوم السبت، فهو يمثل نهاية أسبوع الآلام، ويُعرف بـ"سبت النور"، ويعرف أيضًا بسبت الفرح وهو اليوم الذي يأتي بعد الجمعة العظيمة وقبل أحد القيامة. وقد شهد حزن أسرة المسيح وتلاميذه على وفاته.

وتنتهي أحداث أسبوع الآلام بيوم الأحد الذي يعرف بـ"أحد القيامة"، والذي شهد قيامة المسيح من الموت وظهوره لمريم المجدلية، وهو اليوم الذي يحتفل المسيحيون فيه بعيد القيامة.

شم النسيم وعيد القيامة في مصر

كلمة شم النسيم مأخوذة من الكلمة القبطية «شمو» التي تعني البعث؛ وهناك رأي آخر يقول أن الكلمة أصلها «شم إن نسيم» وتعني «بستان الزروع».

احتفالات الربيع ارتبطت كثيرا بالآلهة المصرية القديمة، وبالتحديد أسطورة إيزيس وأوزوريس التي اعتبرت صلب العقيدة المصرية، فوفقًا للأسطورة يدور الصراع بين الشقيقين؛ «أوزوريس» إله الزراعة والنباتات والحياة الأبدية، وبين «ست» إله الصحراء والقحط، ينتصر ست على أخيه، ويقطع جسده ويلقيه في أماكن متفرقة من وادي النيل، في رمزية لانتصار القحط والجدب أو الموت على الزراعة والنباتات والتي ترمز للحياة الأبدية.

تطوف «إيزيس» زوجة أوزريس وادي النيل لتجمع جسد زوجها وتعيده للحياة بعد الموت، وتنجب منه ابنهما «حورس» الذي ينتصر على «ست» وتعود الحياة والنباتات من جديد، ويصبح «أوزوريس» إلهًا للبعث والحساب والحياة الأبدية بعد الموت ويصبح «ست» إلها للشر والفوضى والدمار.

ولهذا يحمل شم النسيم دلالات كثيرة، فتجدد النباتات رمز لتجدد الحياة الأبدية بعد الموت، ورمز لانتصار الخير في صراعة الأبدي مع الشر.

 

وعندما دخلت المسيحية مصر وأصبحت الديانة الرسمية والأكثر انتشارًا في القرن الرابع الميلادي، كان المصريون لايزالون متمسكين بعاداتهم الفرعونية القديمة، ويحتفلون بشم النسيم، حتى وإن تغيرت الدلالات الدينية؛ فأصبحت احتفال شم النسيم احتفالًا بالربيع والحصاد، وأصبح المسيح هو رمز للحياة الأبدية والانتصار على الشيطان، بعد موته وبعثه مرة أخرى، وفقًا للمعتقد المسيحي.

واجهت المصريين مشكلة كبيرة، فاحتفالات شم النسيم التي تأتي مع بداية الربيع تتزامن مع الصوم الكبير في الديانة المسيحية، وهي فترة عبادة وصوم يُمنع فيها المأكولات من أصل حيواني، كما يمنع فيها الاحتفالات والبهرجة، لأنها فترة يتبعد فيها المسيحيون بذكرى آلام وصلب المسيح.

ولهذا أجمعت الكنيسة الشرقية منذ على تأجيل الاحتفال بشم النسيم بعد عيد القيامة مباشرة، حتى يمكن للمصريين الاحتفال والانطلاق وتناول الأطعمة الخاصة بهذا اليوم.

وبهذا يتزامن الاحتفال المصري القديم بتجدد الحياة مع الاحتفال بقيامة المسيح المقدسة لدى المسيحيين.

 

تم نسخ الرابط