رجاء العالم تصدر روايتها بالإنجليزية قبل العربية: أفتح الجرح في قلب مدينتي السعودية
كتبت - ايمان علي
من القاهرة، تصدر رواية عن حصار المسجد الحرام في مكة عام 1979، عن جهادية وضابط فرنسي، للكاتبة السعودية المُهاجرة الأشهر، رجاء العالم.
"سراب" هي الرواية الجديدة لرجاء العالم، الروائية السعودية وأوّل امرأة تفوز بالبوكر العربية (الجائزة الدولية للرواية العربية)، وتصدر، قريبا، طبعتها الإنجليزية أوّلا، من ترجمة لاري برايس، ومنشورات "هُوبو (الهُدهد) - الجامعة الأمريكية بالقاهرة".
تُشكّل الرواية إغراءً وطُعما سائغا للمهووسين بكل ما يحمل نكهة الخلطة العربية: المدينة العربية، الشعب العربي، النساء، حصار، الجهادية، قصة حب.
اشترت دار نشر الجامعة الأمريكية في مارس من العام الماضي، حقوق نشر الرواية بالإنجليزية، وتدور أحداثها حول "سراب"، قصة واسم امرأة شابّة تتنكّر في صورة رجل، وتصبح جُزءً من الأحداث على إثر اقتحام "متطرّفين" لحصار المسجد الحرام، والذي عُرف بحصار مكّة 1979. تخطف سراب ضابطا فرنسيا احتُجز كرهينة، وتتطوّر العلاقة بينهما لتنقلهما من صحراء نجد إلى حدائق باريس.
لويزا إرميلينو من "Publishers Weekly" التقت شارلوت سيمور، وكيل الكاتبة لدى أندرو نورنبرج أسوشيتس في لندن، ونادين الهادي، مُحررة سلسلة "الهُدهد" التي حرّرت المخطوطة، والذين أكّدا أن الرواية واعدة بإثارة الجدل لا ريب. ولهذا السبب اختارت العالم إرجاء نشر روايتها بالعربية، رغم أنها اللغة الأولى التي كُتبت بها الرواية.
وفق سيمور؛ فـ"ستكون الرواية مُثيرة للجدل في المملكة العربية السعودية، حيث إنها تتّبع سيرة امرأة شابة ترعرعت كصبي، كما تلتقط سيرة أخاها في انضمامه إلى جماعة جهادية". تُتابع سيمور حديثها: "عندما يتمّ تحرير سراب بشكل غير متوقّع من هذا النمط من الحياة، وتتمكّن من الفرار من مكة إلى باريس، تُصبح قادرة على إعادة تقييم القيم التي نشأت عليها، سواء قيم سياسية أو جنسية".
نعرف عبر وكيل رجاء العالم، أن الرواية إلى مصيرها في النشر بالعربية يوما ما، لكن ذلك "لم يكن من أولويّات المؤلفة في ضوء الصعوبات التي قد تترتّب على نشر عملها هذا". وأضافت في حديثها إلى "بابليشارز ويكلي": "رجاء كاتبة جريئة وحسيّة رائعة، لا تخجل من الموضوعات الصعبة أو وسائل التحدّي في سرد قصصها".
أمّا نادين الهادي مُحرّرة العمل، فمن رأيها إن "كتابة عمل خيالي مُستوحى من حصار المسجد الحرام عام 1979 هو أمر في حدّ ذاته مُثيرٌ للجدل". وتُضيف: "إن هذا التاريخ يُعدّ فصلا مُظلما في تاريخ هذه المدينة المُقدّسة، ويظل موضوعًا حسّاسًا للغاية. تُواجه رجاء في العمل الحصار بكلّ تعصّبه الرهيب والمُضلّل. تُظهر لنا ما يُمكن أن يكون قد أحدثه هذا الحدث الجلل لشخصية مثل سراب، وقياس تجربتها مع الحدث وبعد الحدث، وهذا أمر بالتأكيد مروّع".
كاتبة التقرير راسلت العالم نفسها التي بدورها قالت: "حصار المسجد الكبير كان مثل جرحٍ في قلب مدينتي، وطالما كنت أحوم حول هذا الجرح ولكن لم أكن أجرأ على لمس الجرح لأنه مؤلم جدا". وأضافت: "إنها حادثة بالغة الأهمية، هي البذور التي نشأت منها كل أشكال العنف الذي يغلب على العالم الآن، الإرهاب الذي تسبّب في تشويه الإيمان وتشويه مكة، مركز، أو قلب هذا الإيمان".
من المعروف أن العالم، وُلدت في مكة وتُطلق عليها "مدينتي الأولى". أما الآن فهي تعيش في باريس: "أشعر أنه تملّكتني هذه المدينة المقدّسة، بحرٌ من ملايين الرؤوس من جميع الألوان واللغات، عالم من الفن والموضة مختلط بالمصلّين. أنا مدمنة على روائح الصلاة، والعرق البشريّ المخلوط بالبخور. ليس من قبيل الصُدفة أن أعيش في باريس خلف نوتردام. حيث رائحة البخور تنبعث من الكاتدرائية، وتتخلّل أحلامي، وماء استحمامي".
عملت رجاء العالم على روايتها هذه منذ عشر سنوات. كتبت عدد قليل من الفصول ثم توقّفت، إلى أن قابلت رجلا كان أحد المتمرّدين في الحصار، الذي كما تقول: "فقد إيمانه بالقضيّة عندما واجه كل هذا الدمار". و"نجا بطريقة غريبة، حيث جُرف مع الجثث، اعتقادا أنه ميّت".
حكى هذا الرجل قصّته بالتفصيل للعالم، حيث تقول: "أغلقتُ على المسودّة الأولى الأدراج، وأعدّت كتابة الفصل الأوّل مرّة أخرى، ثم توقّفت مرّة ثانية. كان هناك شيئا مفقودا. وفي لحظة، ظهرت "سراب" من اللاشئ واستولت على السرد، ققرذرت أن استسلم لها وتركت الشخصيّات تحكي قصصها". وتضيف العالم: "تحوّل سراب مؤلم، لكن هناك الفرحة في اكتساب حُريّتها، قابلت حياتها أخيرا: التخلّص من جميع المحظورات السابقة".
قرار العالم بإرجاء نشر الرواية بالعربية لا يرجع فقط لحساسية الموضوع، تقول إنها حسّاسة جدا بالنسبة لاختيار المفردات، وهي إلى الآن قلقة إزاء كلمات إلى الآن لم تعثر على "أيٍّ منها أنسب لاتقاط القصّة". وتضيف: "هذا جرح، أشعر بأنني في حاجة إلى إعادة كتابته بلغة جديدة، بعد أن التقط أنفاسي وأترك مسافة".
المترجمة الإنجليزية لاري برايس، علّقت على الرواية: "إن رحلة سراب العاطفية تبدو حقيقية وصادقة جدًا. ومكتوبة بالعربية بشكل مُعبّر للغاية، بحيث أصبح نقلها إلى الإنجليزية بمثابة صنع "أحجية"، الناس لديها تلك الأفكار المسطّحة عن الشرق الأوسط، ولكن عندما تقرأ الأدب العربي، فإنك تُدرك ثراء هذه الثقافة".
لا تزال برايس تعمل على النسخة النهائية من الترجمة، وبمجرّد توفّر النسخة الإنجليزية الكاملة للرواية، ستكون مغرية لعدد كبير من الناشريين الدوليين لطبعها، كالناشر السويسري الألماني الكبير Unionsverlag، الذي كان أوّل من سارع لنشر الرواية في نسختها الألمانية في مارس الماضي. أما دار نشر الجامعة الأمريكية فستقوم بنشر الرواية أول في وقت واحد في المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية في أكتوبر 2018.



