السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

"الإدارية العليا" ترفض تراخيص البحث عن المعادن دون مزايدة علنية

الإدارية العليا ترفض
"الإدارية العليا" ترفض تراخيص البحث عن المعادن دون مزايدة عل
كتبت- وفاء شعيرة

أصدرت المحكمة الإدارية العليا، برئاسة المستشار يحيى خضرى نوبى، نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين أحمد منصور وناصر رضا عبد القادر، والدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، وعبد العزيز السيد نواب رئيس مجلس الدولة حكما مهما في مجال الحفاظ على الثروات الطبيعية بوجوب إجراء مزيدة علنية لاستغلالها وليس بترخيص منفرد بثمن بخس.

وكشفت عن أن مدير عام الإدارة العامة للتراخيص وموظفة أخرى بذات الإدارة قاما بالتوقيع على نموذج طلب ترخيص البحث بما يفيد أن المنطقتين خاليتان من أبحاث الهيئة بالمخالفة للواقع والحقيقة، وأن إهدار أبحاث أجرتها الدولة في المناطق الغنية بالمعادن والتآمر على مصلحة المرفق بتقاعس الموظف المختص عن إدراجها بالسجل عمداً أو حتى إهمالاً اضاع على الدولة أموالا طائلة والمحكمة تبطل الترخيص لصالح الدولة.

وأصدرت حكماً لصالح الهيئة العامة للثروة المعدنية ضد محمد الدجوى المسؤول عن الشركة المصرية للتعدين ومصلحة المناجم والمحاجر، ووزير البترول والثروة المعدنية بإلغاء حكم محكمة القضاء الإداري بالقاهرة الصادر بإلزام الهيئة العامة للثروة المعدنية بتحرير عقود استغلال لمحمد الدجوى، بصفته المسؤول عن الشركة المصرية للتعدين للمساحات موضوع تراخيص البحث أرقام 3857، 3858، 255 بمنطقة الحجاز 3،2،1 بالصحراء الشرقية للبحث والتنقيب عن المعادن وبحث عن خام الفوسفات، حال كونها سبق بحثها وغنية بالفوسفات، وكان يتعين إجراء مزيدة علنية لصالح الخزانة العامة لا بترخيص منفرد.

 وقضت مجدداً برفض دعوى الشركة لصالح الدولة ممثلة في الهيئة العامة للثروة المعدنية وألزمت الشركة المطعون ضدها المصروفات.

قالت المحكمة إن الدولة قد أولت فيه اهتماما جماً ورعاية قصوى بمسألة استغلال الخامات المعدنية المطمورة في جوف الأراضي المصرية، باعتبارها من مقدرات الشعب وعماد ثرواته القومية، فلا ريب أن الثروات المستودعة خزائن أراضيها تشكل مصائر الأجيال، وتساهم بعمق في رسم ملامح مستقبل الأمة وطريقها نحو المزيد من التحضر فتلك الثروة الأسيرة في طبقات الأراضي المصرية تريد أن تتحرر من أسرها أسوة بأوطان أخرى يشهد لها الزمان تطاولها في البنيان الحضاري، بعدما استغلت ثرواتها الحبيسة في الأعماق بل إن أقلام التاريخ لم تنفك تسجل مؤامرات تحاك وحروباً تشن وشعوباً تسقط طمعاً في الاستيلاء على هذا الصنف من الثروات من فرط أهميتها الاستراتيجية، وبهذه الصورة باتت مسألة حسن استغلال هذه الثروات الراسخة في الأعماق من الأمور التي تصل إلى آفاق المصلحة العامة كونها ترتبط ارتباطًا عميقًا بآمال المصريين وتطلعاتهم في مستقبل يسير نحو النماء والحداثة من جراء العوائد الناتجة عن استغلالها.

 وأضافت المحكمة، أن المشرع من خلال نصوص تشكل منظومة بعدم التفريط في هذه الثروات واستغلالها الاستغلال الأمثل فقرع أبواب مساهمة الجهات الخاصة للخوض في العمليات الاستكشافية للخامات المعدنية الضامرة في أقطار الأرض كدعوة أطلقها لمشاركة القطاع الخاص في هذا المضمار، من خلال تراخيص تتكفل بنودها تحقيق هذا الأمر حيث توخت سير العملية الاستكشافية الصادر لها ترخيص البحث على درب من التوازن بين المصلحة الخاصة لطالب ترخيص البحث والمصلحة العامة، ذلك إنه إذا كان طالب ترخيص البحث له مصلحة خاصة في الظفر بهذا الترخيص توطئاً للفوز باستغلال الخام المستكشف ومن ثم جني ثمار بحثه، وحصد أرباح مالية، فإن المصلحة العامة تقتضي أن تكون شرائط إصدار هذا الترخيص على قدر منضبط يعصم الجهة الإدارية من الوقوع في هاوية عمليات بحث لا طائل من ورائها تستنزف وقتها وتستهلك جهدها لذلك حددت أحكام القانون لمنح ترخيص البحث شروطاً جوهرياً مضمونها تحقق الكفاية الفنية اللازمة في طالب الترخيص للاضطلاع بهذه العمليات الاستكشافية على الوجه الذي يحقق مرادها، كما اَثر المشرع وضع حدوداً زمنية قصوى لمدة الترخيص حاصلها إلا تربو مدة تراخيص البحث - سواء المدة الأصلية أو المدد المجددة عن أربعة سنوات وفقاً للشروط والأوضاع المقررة قانوناً.

وأوضحت المحكمة أنه يراعي عند الترخيص بالبحث وإبرام عقود استغلال لخامات المناجم عدم إصدار عقود الاستغلال في مناطق الرواسب المعدنية التي قامت هيئة المساحة الجيولوجية والمشروعات التعدينية بعمل أبحاث عليها ورفعت من قيمتها الاقتصادية، سواء للقطاع العام أو الخاص إلا بعد موافقة مجلس إدارة الهيئة الذي يضع أسس استرداد ما تم إنفاقه على الأبحاث والحكمة من استئثار هذه المناطق بهذا الحكم المنفرد المستوجب إجراء مزايدة عليها تجد تفسيرها في إن هذه المناطق حتى تصل إلى مستوى من الدلالة العلمية التي تنطق بوجود الخام المعدني في غياباتها تكون الجهة الإدارية في الأغلب الأعم قد سلكت أساليب وعرة أفرغت فيها أمولاً ليست بالهينة تزكيها جهوداً مضنية في سعيها مستبشرة بالظفر بهذه النتيجة، وهو الأمر الذي من شأنه أن تعلو قيمة هذه المناطق اقتصاديا لذا كان لزاماً إدراجها في إطار متميز عن غيرها من المناطق العقيمة، ومن ثم طرحها في مزايدة علنية كي تستفيد الدولة منها مادياً بقدر أعلى يشفع للمصاريف التي عسى أن تكون قد بذلت فيها وترمم بها الجهود التي أبليت لتنال التأكيد بوجود الخام المعدني في أحشائها فيربو مقابل استغلالها، ويعظم قدره مقارنة بعقود الاستغلال الأخرى المشار إليها، وبالتالي تغاير هذه المناطق في مكانتها الاقتصادية مثيلاتها من مناطق أخرى لم تنل تأكيد بوجود الخام في أعماقها التي تخضع لعمليات البحث من قبل المرخص له والذي يتوجب عليه إنفاق أموال عليها تبرر أن يكون عقد الاستغلال الصادر عنها– إذا ما تم اكتشاف الخام فيها – مراعياً في مقداره المالي هذه المسألة والذي يقل هذا المقدار

واستطردت المحكمة أنه لا جدال عن عقود المناطق التي حظت بتأكيد من الجهة الإدارية بثرائها بالخام والجاهزة للاستغلال بصفة مباشرة دون حاجة لعمليات بحث، وترتيباً على تلك التفرقة في عقود الاستغلال، التي أبرزها المشرع لا يسوغ للجهة الإدارية بحال المضي في أبرام عقود استغلال بطريق مباشر لأراض سبق لها إجراء بحث عليها وتأكد لها أنها زاخرة في بواطنها بالخام المعدني وغرت به غراً، إذ تصير هذه المنطقة معصومة من تراخيص البحث وعقود استغلالها المباشرة، وإغفال هذا الأمر يستوي مخالفة صريحة لأحكام القانون وغمطاً لحقوق الدولة المالية وإيذاءً لمصلحة المرفق ومن ثم إهدار مؤكد لأموال عامة كان من الممكن أن تكون في حسابات الهيئة فيما لو كانت قد اتخذت من المزايدة منهجاً وطريقاً، الأمر الذي يستوجب الأخذ بأسلوب التعاقد الذي عينه المشرع دون سواه وأتباع خطى سبيل لا بديل عنه حاصله طرح هذا الصنف من الأراضي في مزايدة علنية يراعي فيها اعتبارات الشفافية والمساوة بين المتزايدين بما يسفر عنه من تحقيق مآرب الهيئة بدخول عوائد مالية منصفة لميزانية الدولة بعد اكتمال الإجراءات المقررة للطرح وإبرام عقود الاستغلال اللازمة.

وأشارت المحكمة إلى أن الثابت من الأوراق إن أصدر مجلس إدارة الهيئة الطاعنة القرارين رقمي 17/2007 و16/2008 بإيقاف السير في الإجراءات، وبتاريخ 24/10/2010 طرحت تلك المساحات في مزايدة علنية برقم 4/2012/ 2013 لاستغلال خام الفوسفات أسفرت عن فوز شركة تدعى شركة فوسفات مصر بها، وبتاريخ 19/3/2013 أرسل رئيس مجلس إدارة الهيئة الطاعنة مذكرة إلى نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية للصناعة والبترول بشأن إصدار ترخصي البحث المشار إليهما إلى الشركة المطعون ضدها رغم إن المساحة الواردة في هاتين الترخصين محجوزة للهيئة نظراً لقيامها بعمل أبحاث لخام الفوسفات فيها، والتي انتهت إلى وجود الخام فيها بكميات تسمح باستغلاله اقتصاديا، وعليه فقد تولت النيابة الإدارية التحقيق في الواقعة بالقضية رقم 175/2013 وانتهت - من ضمن ما انتهت إليه - ثبوت المخالفة التأديبية لمدير عام الإدارة العامة للتراخيص وموظفة أخرى بذات الإدارة لقيامهما بالتوقيع على نموذج طلب ترخيصي البحث رقمي 3858، 3857 المشار إليها بما يفيد أن المنطقتين خاليتان من أبحاث الهيئة بالمخالفة للواقع والحقيقة وفقاً لكتاب الإدارة العامة للمشروعات المؤرخ 10/6/2003 المتضمن حجز المنطقة لأبحاث الهيئة.

وإن الشركة المطعون ضدها وإن كانت قد تقدمت بالطلب رقم 255 بتاريخ 31/5/2005 بغية استصدار ترخيص بحث عن منطقة حجازه (3) إلا هذا الطلب بقي على حاله مجرد طلب لم يتبعه ترخيص بحث إذ جاءت الأوراق جدباء من هذا الأمر وقصاري ما اتخذته الجهة الإدارية حيال هذا الطلب أن قامت بمعاينات وأبحاث واستطلاعات رأي للقوات المسلحة وهذه الأمور لا تعدو أن تكون محض إجراءات تمهيدية لم تكلل بموافقة من السلطة المختصة بإصدار هذا الترخيص وان جملة الإجراءات الناتجة عن تقديم هذا الطلب لا يتولد عنها حق للشركة في إصدار عقد استغلال لها عن المنطقة المذكورة.

وذكرت المحكمة  أن مناطق حجازه 1، 2، 3 من ضمن مناطق أبحاث الهيئة المحجوزة لها والتي لا يجوز إصدار عقود استغلال مباشرة بشأنها، بل يتعين طرحها بالمزايدة العامة فهذه المناطق الثلاث لم يكن محظور إصدار تراخيص بحث بشأنها فحسب بل أيضا محظور إصدار عقود استغلال عنها، وذلك في تاريخ سابق لتاريخ تأسيس الشركة أصلاً في 16/5/2004 وتأكد كذلك من مذكرة النيابة الإدارية في القضية رقم 175/2013 التي تضمنت إن مدير عام الإدارة العامة للتراخيص وموظفة أخرى بذات الإدارة قاما بالتوقيع على نموذج طلب ترخيص البحث رقمي 3858، 3857 المشار إليها بما يفيد أن المنطقتين خاليتين من أبحاث الهيئة بالمخالفة للواقع والحقيقة، وعليه فأنه حينما أصدرت اللجنة المشكلة بالقرار الوزاري رقم 1133/2004 سالفة الذكر قرارها بالموافقة على إصدار ترخيصي البحث المذكورين (رقمي 3857، 3858) كانت على فهم خاطئ بأن منطقتي حجازه 1، وحجازه 2 خاليتين وغير محجوزتين للهيئة وهذا الفهم مرده أغفال هذه البيانات من خلال تزويد اللجنة ببيانات غير صحيحة عن طريق بعض من موظفي الهيئة، ومن ثم فإنه من جراء تحالف المفسدين وتآمرهم على المصلحة العامة فقد تسرب الغش والتدليس إلى إرادة الجهة الإدارية حال عزمها إصدار ترخيصي البحث المذكورين فأثر في ناصيتها وتملك من إرادتها على نحو يهدم معه أي قرار اتخذته في هذا الشأن، وترتيباً على ذلك فقد انتفى أي حق للشركة في نيل عقود استغلال عن تلك المناطق.

وانتهت المحكمة أن المناطق محل الترخيص مناطق ذات قيمة اقتصادية عالية حرص المشرع على الاستفادة القصوى منها، ومن ثم أدخال موارد مالية أعلى للخزانة العامة بطريق المزايدة العامة عليها بخلاف غيرها من المناطق المجهولة في مدى توافر الخام المعدني فيها المشكوك في اكتنازها هذا الخام، وبالتالي فأنه من وقت إسباغ هذه الصفة على تلك المناطق على وجه لا يدانيه شك، ولا يخالطه ريب برسوخها في الخام المعدني رسوخاً وفيراً ذو جدوى اقتصادية تنهض هذه المبررات، ويبرز المغزى من حجزها للهيئة، ومن ثم تتعلق حقوقها عليها وتستغلق بالتبعية أبواب تراخيص البحث وتوصد عقودها وتضحى هذه المسألة وجهاً أصيلاً من أوجه المصلحة العامة حتى ولو تأخر قيد هذه المناطق في السجل بحسبان إن القيد في السجل يستقيم مسألة مادية ومحض إجراء تنظيمي ومجرد تقرير واقع حدث بالفعل أنشأ حقوقاً ترسخت في كيان الهيئة، وأي إخلال بهذه الحقوق يستوي إخلالاً بمصلحة مالية للدولة على نحو لا يسوغ معه بخس هذه الحقوق وتوقف مصائرها على مجرد إجراء تنظيمي.

واختتمت المحكمة في حكمها المهم أن القول بغير ذلك مؤداه ضياع حقوق مالية للدولة عن مناطق ثبت يقيناً إنها مناطق حجز للهيئة، وما ينطوي عليه ذلك من إهدار لأبحاث أجريت في تلك المناطق وضياع لأموال بذلت فيها بسبب التآمر على مصلحة المرفق بتقاعس الموظف المختص عن إدراجها بالسجل عمداً أو حتى إهمالاً وهو الأمر، الذي لا يستقيم عقلاً ومنطقاً ويفارق اعتبارات المصلحة العامة ويعصف بها، ومن ثم فإن ما قاله الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص يخالف التفسير الصحيح للنصوص، ويتعارض مع الحكمة التي توخاها المشرع من هذه المسألة وقاله شططا، فأنه وقد بان مما تقدم تحالف كل الدلائل والشواهد على وجه غامر بانتفاء أي حقوق للشركة في إصدار عقود استغلال لها عن مناطق حجازه 1، 2، 3 فالمصير الحتمي لطلباتها ولا جدال هو الرفض.

 

 

تم نسخ الرابط