قصة سيطرة أردوغان على الأمن والقضاء .."1"
كتب - عادل عبدالمحسن
أعد الصحفي التركي "ياووز أجار" تقريراً موسعاً نشره موقع صحيفة "الزمان التركية" عن المؤامرات التى حاكها الرئيس التركى رجب طيب أردوغان طوال مسيرته السياسية منذ عام 1997 بداية من أنقلابة على أستاذة نجم الدين أربكأن رئيس وزراء تركيا الأسبق إلى تدبير تمثيلية الأنقلاب الفاشل في مثل هذا اليوم عام 2016 للتخلص من صديقة القديم وعدوة اللدود فيما بعد عبدالله جولن مؤسس حركة خدمة التركية.
عندما وجد أردوغان أن أستاذه نجم الدين أربكان أبي “الإسلام السياسي” في تركيا في مأزق قانونى أعلن أنشقاقة عليه وأنه يتبنى منهجًا توافقيًّا يضم جميع الأطراف ويعمل على نزع فتيل الصراعات والنزاعات من خلال تبني رؤية مشتركة ينطلق منها الجميع، لكنه ما لبث أن تراجع عن هذا النهج بعدما شعر بتمكنه من السلطة وبدأ انتهازيته بإعادة تصميم البيت الداخلي لحزبه، والأحزاب اليمينية الأخرى، والجماعات الإسلامية، والمجتمع المدني، والمجالين الاقتصادي والإعلامي، من خلال تصفية منافسيه المحتملين أو جذبهم إلى صفه، باستخدام سياسة الجزرة والعصا.
كما بدأ أردوغان يطالب كل شرائح المجتمع خاصة ذات المرجعيات الدينية منها بمبايتعه، وإلا سيتم التنكيل بها، فوفقا لما كتب موقع “خبر 7” الموالي للسلطة فإن أردوغان كان يردد: “إما أن يبايعوني أو يُقضى عليهم . وبالفعل خضعت لرغبته حركات وجماعات مختلفة طمعاً في مكاسب السلطة ودعمها أو خوفا من بطش أردوغان وتنكيله بها.
لكن حركة الخدمة رفضت الخضوع لمطالب أردوغان بـ”المبايعة” لأنها ترى دائما أن أهم ما يميزها عن غيرها هو استقلاليتها، واعتمادها على نفسها ماليًّا وبشريًّا.
كما تعتبر أن فقدان هذه الميزة يمثل أكبر خطر يهدد وجودها ويعرقل أنشطتها ويحولها إلى أداة لتحقيق مصالح آنية ضيقة. لقد أراد أردوغان إخضاع الخدمة لإرادته، واستثمار زخمها المجتمعي لصالح مشروعه السياسي، وتدجين قوتها بحيث لا تقف أمام طموحاته المحلية والإقليمية، كما كان يريد أن يستغل مؤسساتها التعليمية المنتشرة حول العالم ويجعل منها أداة لتلميع صورته في الداخل التركي وتسويقه في العالم الإسلامي كله بوصفه زعيمًا إسلاميًّا، بل خليفة لكل المسلمين، لكن حركة الخدمة رفضت أن تكون أداة لأي أغراض سياسية تحت أي شعار كان، فهي تعارض تسييس الإسلام واتخاذه وسيلة لتحقيق مآرب شخصية ومصالح حزبية رخيصة، وتؤمن بضرورة النشاط الحر للمجتمع المدني.
السيطرة على الخدمة أو القضاء عليها
لم يصرح أردوغان بأي اتهامات للخدمة قبل فضيحة الفساد التي تورط فيها أعضاء بارزون من حكومته وأفراد من عائلته في نهاية 2013، وقد ذكر عبدالله جولن في لقاء تليفزيونى أن عداء أردوغان للخدمة لم يكن وليد الأحداث بل كانت نيته مبيته للقضاء عليها منذ أن قرر تأسيس حزب العدالة والتنمية “إذا تمكن من السلطة” في حال لم تخضع الحركة له.
ونظراً لأن أردوغان أنتهازى بأمتياز ينتهز الفرص جيداً لخدمة أغراضه ومصالحه، والقضاء على منافسيه فقد اعتبر إقدام مؤسسة القضاء وأجهزة الأمن على اتهامه بالفساد والرشوة فرصة ذهبية للشروع في تنفيذ خطة مدروسة جيداً للقضاء على الخدمة بصورة تدريجية كان بدأ التمهيد لها بالفعل قبل سبع سنوات من بدء تحقيقات الفساد. فقد اعترف “عبد القدير أوزكان” مستشار رئيس الوزراء “بن على يلدريم” بأن رئيس الأركان العامة “ياشار بويوك آنيط” أقنع أردوغان بخطر الخدمة وضرورة القضاء عليها في اجتماع عقده الطرفان في 4 مايو 2007، وأكدا للصحفيين في ختامه “أن مضمون الاجتماع سيبقى سرًا حتى الموت، إن لم يكشف عنه الطرف الآخر وهذه الجملة الشرطية من الطرفين كانت تشير إلى “ليّ ذراع” و”مساومة” وقعت بين رئيس المؤسسة العسكرية ورئيس السلطة السياسية خلف الستار. وهناك تسريبات دولية تؤيد ذلك.
أول من تكلم عن هذا الاجتماع التاريخي هو النائب من حزب الشعب الجمهوري “فكري ساجلار”، حيث أكد أن أردوغان وضع أمام بويوك آنيط ملفات تتضمن معلومات مكتوبة ومصورة عن أفراد عائلته.
في حين قال كل من “إدريس بال”، النائب السابق من حزب أردوغان، ووزير الداخلية الأسبق “إدريس نعيم شاهين”، رفيق درب أردوغان منذ أيام رئاسته لبلدية إسطنبول، إن بويوك آنيط هو الآخر أظهر لأردوغان عددًا من الملفات الخاصة به وبأفراد من عائلته وبعض وزرائه، ثم هدّده وطالبه بتنفيذ “المشروع” الذي يقترحه تحت إشراف “فريق خاص” مكون من الخبراء.
ويلفت مستشار رئيس الوزراء المذكور إلى أنه: “كان من المخطط إطلاق عمليات ضد حركة الخدمة في 2007، لكن لما انطلقت الحملات الأمنية في إطار قضية أرجنكون لمحكمة عدد من العسكريين بعد شهرٍ من هذا الاجتماع تأجلت تلك العمليات بالضرورة إلى وقت لاحق وهذا ما أيده “بلجين بالانلي”، أحد الجنرالات المحكوم عليهم في قضية أرجنكون.
ويكشف المدون التركي المشهور على تويتر “فؤاد عوني” أن أردوغان كان واثقًا من نفسه عندما ذهب إلى قصر “دولما باهتشة” للاجتماع مع رئيس الأركان، إذ كان بحوزته ملفات كفيلة بالقضاء على "بويوك آنيط"، لكنه أكد أن الأخير كان قد توصل إلى معلومات ووثائق صادمة في الغرفة السرية لرئاسة الأركان العامة حول الشجرة العائلية لأردوغان، وعلاقاته بالتنظيمات الراديكالية في أيام شبابه، وشبكة الرشوة والفساد التي أسسها عندما كان رئيسًا لبلدية إسطنبول.
ومن المعلوم أن ملاحقة الأجهزة الأمنية والقضائية لفساد أردوغان يعود تاريخها إلى بدايات الألفية الثالثة، وقبل أن يخطر على بال أحد حتى شبح “الكيان الموازي”. فهناك كثيرٌ من القضايا المرفوعة ضد بلدية إسطنبول بتهمة الفساد في المناقصات والعطاءات الرسمية وقت رئاسة أردوغان لها. واتهمت السلطات القضائية أردوغان آنذاك باستغلال وظيفته في أثناء هذه المناقصات. لكن هذه الملفات –كما هو الحال اليوم– أغلقت بشكل مؤقت مع حصول أردوغان على الحصانة القانونية بعد أن أصبح رئيس الوزراء.
تدل اعترافات مستشار رئيس الوزراء -وهو ما أيدته الأحداث اللاحقة على أن أردوغان كان يصنف كلاًّ من "أرجنكون" وجماعته وحركة الخدمة ضمن التهديدات التي تواجهه في طريق تأسيس نظامه الشخصي تحت مسمى “النظام الرئاسي بنكهة تركية”، لكنه كان يلاحظ أن الأولى تهديدها أخطر من الثانية؛ نظرا لامتلاكها قوة تحرك بها شتى أجهزة الدولة ضد حكومته، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية التي حذرته، والقضاء الأعلى الذي حاول إغلاق حزبه عبر المحكمة الدستورية في 2008، فانتهز مبادرة أجهزة الأمن والقضاء إلى إطلاق تحقيقات "أرجنكون" بعد شهر من ذلك الاجتماع فرصة مواتية لكسر أجنحة "أرجنكون" التي ترى نفسها “الدولة العميقة”، مؤجلاً تنفيذ خطة القضاء على الثانية إلى وقت لاحق منتظرًا الفرصة السانحة ..ونوصل غداً كيف أستطاع ميكافيلى العصر الحديث في السيطرة على الدولة التركية.



