أقدم معصرة زيوت بالأقصر.. علاج طبيعي ومزار سياحي.. صور

الاقصر- محمد راشد

يومًا بعد يوم يفرض العلم كلمته مقدمًا لنا اختراعات حديثة تتسابق متحدةً مع تقدم الزمن في تعجيل استغنائنا عن الوسائل المعيشية اليدوية القديمة لكن ليس هو الحال برُمته عند الاصطدام بوسائل تمثل تراثا تناقله أجدادٌ وأجداد عبر مئات السنين، فالخير الوفير والبركات الموجودة فيها جعلت من ربَوا عليها متمسكين بها رغمًا عما وصلت إليه التكنولوجيا في عصرهم الحديث ليجعلوها عند صدامها بتراثهم تمر مرور الكرام.

٤٠ عامًا كان قد قضاها "العم مُحمد" بين ثنيات وسواعد معصرة الزيوت الخاصة به الكائنة بمدينة إسنا جنوبي محافظة الأقصر، لم يكل من العمل بها يوميًا من الصباح الباكر حتى نهاية النهار وكيف يمل من تراث تستنشق منه عبق الحياة البدائية الطيبة والتي لا تزال موجودة ملامحها في كل خطوة عند الاقتراب منها لتجد نفسك فجأةً وسط حياة مستحدثة عليك لكنها مستمرة منذ ٢٠٠ عام وهو عصر إنشائها.

"اتولدت عليها وعشت حياتي بيها وهموت وأنا شغال عليها"، هكذا استهل العم محمد حديثه لبوابة "روزاليوسف" راويًا قصته مع أقدم معصرة للزيوت بمدينة إسنا بالأقصر، مؤكدًا أنه على الرغم من أن مهنتها أوشكت على الاندثار لكن ما زال يوجد لها محبون مؤمنون بنقاء وبركة زيوتها التي تخرج منها عن التي تخرج من الوسائل الجديدة التي ابتكرتها التكنولوجيا في عصرنا الحديث.

ويقول العم محمد أن معصرته هي أول معصرة بنيت في الأقصر وكان ذلك منذ ٢٠٠ عام أو يزيد قليلًا لذلك ارتبطت بأواصر عائلته ما جعلها باقية صامدة حتى الآن تحارب بعبقها كل ما هو حديث على الرغم من قلة المترددين عليها لكنها حتى الآن مستمرة في نشاطاتها.

بقرة وحجرتان ومجموعة أحجار من الجرانيت تزن أطنانا تلك مكونات أقدم معصرة بالأقصر كما أشار إليها "العم" موضحًا أنها تتكون من غرفتين مبنيتين من الطوب اللبن، الغرفة الأولى بها حجر دائري كبير من الجرانيت يزن 5 أطنان، وهو الذي توضع أسفله الحبوب المراد طحنها، ثم توضع الحبوب المطحونة في المعصرة الموجودة بالغرفة الثانية؛ لعصرها، ثم تأتي بعد ذلك مرحلة تصفيتها في أحواض بعد تنقيتها من الشوائب.

ويفصل طريقة عصر الزيوت قائلًا إنها تبدأ بفرز البذور المراد عصرها وتنظيفها، ثم وضعها أسفل الحجر الذي يزن نحو 5 أطنان، وتبدأ البقرة المقيدة بذلك الحجر، بالدوران به لمدة 15 دقيقة تقريبا حتى يتم طحن البذور تماما.

ويستطرد أنه بعد عملية طحن البذور يتم تعبئتها داخل "الحصر"، وهي تشبه المكيال، حيث تصنع من خوص النخيل، ثم توضع في "المكبس" لكي يتم العصر، يبدأ ذلك المكبس بالضغط عليها بواسطة ذراع خشبي حتى يتم عصر البذور كاملا، بعدها تصفى داخل حوض أسفل المكبس.

البذور الأكثر استخدامًا وتداولًا في المعصرة هي بذور السمسم والخس والزيتون والجرجير، حيث لفت صاحب المعصرة إلى أن السبب في ذلك هو كثرة استخدامها في العلاج، مثل زيت الخس الذي يستخدم كعلاج للقولون، فضلًا على استخدامه؛ لعلاج مرض السكري، والزيتون والجرجير الذي يستخدم في علاج تلف الشعر والتهابات المفاصل.

ويردد "العم" أن المعصرة تعتبر شاهدة على العصور الحديثة التي مرت بمصر وبالأقصر بصفة خاصة وكانت مزارًا سياحيًا أكثر من كونها مكانا للعلاج الطبيعي البيئي، فالمنطقة التي تَكِنُ بها المعصرة كانت منذ أعوام وأعوام تزدحم بالسياح على اختلاف جنسياتهم ليلمسوا بقلوبهم رائحة الماضي الشبقة التي اختفت في العصر الحاضر ويزيد "والله حضرتك لو كنت جيت مثلا في ٢٠٠٨ مكنتش هتعرف تتكلم معايا".

ويشير إلى أن السبب في قلة التردد عليها بدأ بعد قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير وهو وقت انحدار معدلات السياحة تدريجيًا إلى المدينة ذلك قبل أن تنعدم تمامًا في فترة حكم جماعة الإخوان المسلمين لكن مع بدء فترة حكم الرئيس السيسي وعودة السياحة إلى معدلاتها الطبيعية مرة أخرى بدأت المعصرة تشهد إقبالًا ملحوظًا خاصة هذا العام الذي يعد أقوى موسم سياحي للمدينة منذ ٢٥ يناير.

ويختتم صاحب أقدم معصرة زيوت بالأقصر حديثه "معصرتي، هي بيتي وهي عيالي وعيلتي الحقيقيين عمرها ما هتقف مهما اخترعوا جديد غيرها، معصرتي هوصي عليها عيالي عشان يحيوا مهنتها وهحبب فيها الطلبة اللي بييجوا يزوروها وأقولهم ان دي مش مجرد معصرة دي تاريخ بلدكوا يعني انتو صحابها زيي واكتر مني كمان، يا بيه معصرتي دي زي بنتي اللي مهما شفت حلوين غيرها هي هتبقى أحلاهم في عيني".