إيبارشية قديمة وكنيسة عتيقة.. أسرار تعامد الشمس على مذابح "مارجرجس" بالدقهلية
الدقهلية - مي الكناني
احتفلت كنيسة مارجرجس بمركز ميت غمر، رسميًا ولأول مرة بتعامد الشمس على مذبح رئيس الملائكة الشهيد ميخائيل القبلي، أمس الأربعاء 19 يونيو في ذكرى ميلاده، وذلك بحضور الدكتور كمال شاروبيم، محافظ الدقهلية، وعدد من مسؤولي الآثار، وأستذة كلية السياحة والفنادق جامعة المنصورة.
وتضم الكنيسة 3 مذابح، وتبين أن أشعة الشمس تتعامد عليهم 3 مرات سنويًا خلال أشهر يونيو ويوليو وأغسطس، ما اعتبره مسؤولي الكنيسة والآثار والسياحة حدثًا جليًا يجب أن يحظى باهتمام كبير، يضاهي الاحتفاء بظاهرة التعامد على معبد أبو سمبل.
وحسب الأنبا صليب، أسقف ميت غمر ودقادوس وبلاد الشرقية، فإن تلك الظاهرة موجودة منذ بناء الكنيسة، لكنها اكتشفت منذ 5 سنوات بعد إزالة غطاء القبة أثناء الترميم الذي جرى تحت إشراف الدكتور شارل شكري، ومساعده الدكتور سعد مكرم، استاذين بكلية الهندسة جامعة المنصورة، ولاحظا حينها طاقة نور تنبعث من فوق قبة كل مذبح، على الرغم من اختلاف اتجاه الفتحات، ما يعني أن سقوط الأشعة على هذا المكان ليس بمحض الصدفة أو عشوائيًا، وطالبا مسؤولي الكنيسة بمتابعة سقوط الأشعة على مدار العام.
.jpg)
ويوضح الأنبا صليب أنه بتتبعها تبين أن الشمس تتعامد لمرة واحدة على مذبح رئيس الملائكة الشهيد ميخائيل القبلي في ذكرى ميلاده في 19 يونيو من كل عام، وعلى مذبح الشهيد مارجرجس في ذكرى وصول جسده لمصر في 23 يوليو، وعلى مذبح القديسة العذراء مريم البحري في 22 أغسطس، ويوافق ذكرى صعود جسدها.
وتقع كنيسة مارجرجس في قرية صهرجت الكبرى التابعة لمركز ميت غمر، وسميت بهذا الإسم نسبة إلى القديس مارجرجس الروماني الذي ولد في كبادوكيا بأسيا الصغرى في النصف الأول من القرن الثالث لعائلة غنية، وكان والده حاكمًا لولاية ملطية وأمه ابنة حاكم فلسطين، واستشهد في 23 برمودة، وذلك حسب الدكتور أيمن سعد، مفتش بآثار الدقهلية وحاصل على ماجستير في العمارة المسيحية.
يقول سعد إن الكنيسة تقام على مساحة 295 متر مربع، وترجع إلى الكنائس التي أنشأت بعد الفتح الإسلامي، وجمعت بين الطراز البازيليكي الذي ظهر في مصر القديمة في الفترة من القرن الثاني حتى السادس الهجري، ويستخدم أسلوب التغطية المبنية من القباب.
.jpg)
لم يذكر أي مرجع تاريخ محدد لإنشاء الكنيسة، ولكن هناك عدة روايات، منها ما جاء في كتاب "تاريخ الكنيسة القبطية" أن عدد الإبروشيات في مصر كان 168 إيبارشية في القرن الثامن، ثم تناقصت إلى 52 في القرن الحادي والثاني عشر، وجاءت صهرجت في المركز 15 في جدول الترتيب، ما يعني أنها ربما قد بنيت في القرن الثامن الميلادي أو قبله، حسبما أكد الأنبا صليب.
وهناك رواية أخرى ترتبط بمجاورة الكنيسة لمسجد عمرو بن العاص القديم، يتناقلها ابناء صهرجت عن أجدادهم، وهي أن عمرو بن العاص حضر للقرية في القرن السادس وكانت الكنيسة موجودة، فبنى بجوارها المسجد.
أما الدكتور أيمن سعد فيوضح أن هناك نصان كتابيان منقوشان على الحجاب الخشبي للهياكل، الأول على باب "هيكل مارجرجس" مؤرخ بعام 1544، والثاني أعلى فتحة مدخل الهيكل الجنوبي للملاك ميخائيل، ومكتوب عليه "عمل برسم الشهيد العظيم مارجرجس بسهرجت سنة 1293".
.jpg)
كما يوجد تاريخ على علبة البشارة الموجودة في الكنيسة، ومنقوش عليه "بعمل المحترم حضرت المهتم يوسف أفندي سنة 1294"، وأيضًا ذكرها أبو المكارم سعد الله بن جرجس بن مسعود، وهو كاتب ومؤرخ مصري قبطي، ضمن الكنائس الموجودة في القرن الثاني عشر الميلادي، وقال عنها مرقس باشا سميكة، مؤسس المتحف القبطي، أن صهرجت بها أسقفية تحمل رقم 94 من جملة الأسقفيات البالغ عددها 161 في أوائل القرن الثالث عشر، ثم عاد وأوردها ضمن كنائس أبروشية الدقهلية بإسم "مارجرجس"، البالغ عددها 7 كنائس سنة 1930، في المنصورة، وسلامون القماش، وميت دمسيس، وميت غمر، وصهرجت الكبرى، وكفر الشهيد.
وتتميز الكنيسة بباها الخارجي المطعم بمسامير حدادي كبيرة الحجم، وله ضبة خشبية للغلق ومفتاح خشبي، وكان يستخدم كدرع واقِ لصد أي هجوم قديمًا، حيث أن تكسيره يستلزم وقت كثير يُمكن الكاهن من الهروب للحصن، كما تضم منارة يصل ارتفاعها لـ 28 مترًا، وبنيت عام 1979 بعد إزالة المنارة الخشبية القديمة.
.jpg)
ويوضح سعد أن مدخل المذابح أو الهياكل يسمى "حجاب"، ويمتد بعرض 11 مترًا، وينقسم لـ 3 حجب لكل مذبح، منهم اثنان أثريان هما حجابي هيكلي القديس مارجرجس والملاك ميخائيل، أما الهيكل الثالث بني حديثًا.
ويشير إلى أن الحجاب مصنوع من الخشب المطعم بالعاج بطريقة العاشق والمعشوق دون أي مسامير، وعليه زخارف نباتية وهندسية وحيوانية، وأخرى لأشجار السرو التي ترمز إلى الموت، وزهرة الرومان، وكتابات قبطية وعربية.
وحسب الباحث، فإن الكنيسة الأثرية والإيبارشية القديمة تحتفظ بمجموعة من أدوات المذبح المصنوعة من المعدن، وتعد من أهم الكنائس التي بها قدر كبير من الأدوات الكنيسية، من بينها الصلبان الخاصة بالتبريك، وصلبان الاحتفالات، وبعض القناديل الخاصة بالإنارة توضع داخل الهيكل، وشمعدانات توضع بجوار أو على المذبح، والشورية "المبخرة والمجمرة"، ومجموعة من الكؤوس الفضية ذات قاعدة مستديرة وعنق طويل، وصواني يوضع عليها القربان، وتيجان أو أكاليل من الذهب تستخدم في مناسبات الزواج، ومفتاح خشبي قديم وعليه بشارة من الفضة، وبعض الدفوف، وشموع كانت تأتي مضاءة من القدس يوم سبت الفرح.
.jpg)
كما تحتفظ بمجموعة من الأيقونات الأثرية المعلقة على حامل من الخشب المطعم بالعاج، وتم تركيبه بطريقة العاشق والمعشوق دون استخدام أي مسامير، للقديسة دميانة والأربعين عذراء، والملاك غبريال، والسيدة العذراء وهي تحمل السيد المسيح، وأيقونة القيامة، بالإضافة إلى أيقونتين للشهيد ماجرجس الروماني، والملاك ميخائيل وبها أيضًا أيقونة الصلب أو الأيقونة الثلاثية، وهي عبارة عن لوح من الخشب له باب ذي مصرعين ويشبه المحراب، ورسم عليه السيد المسيح من الداخل وهو مصلوب على صليب خشبي، منحي الرأس نحو اليسار، وعلى اليمين السيدة العذراء وهي في حالة من الحزن وعلى رأسها هالة مستديرة، وعلى اليسار الملاك ميخائيل مرتديًا الملابس العسكرية الرومانية.
ويلفت الباحث الأثري إلى أن ما يميز الكنيسة أيضًا "الحصن"، وهو عبارة عن سلم صغير داخل هيكل العذراء، وكان يستخدمه الكاهن للهروب بالذبيحة أثناء أي هجوم على الكنيسة خلال العصور القديمة.
و"الخورس أو صحن" الكنيسة، ويوجد 3 خوارس "أقسام" يفصل بينهما فواصل خشبية، الأول للشمامسة، والثاني للمؤمنين، والثالث للموعظين والذي يضم "الطافوس" أو المدفن الذي كان يدفن به الأساقفة ورهبان وكهنة الأيبارشية في القدم وحتى وقت قريب، فيما يحتوى خورس المؤمنين على "اللقان"، وهو تجويف من الحجر في باطن الأرض يستخدم في غسل قدم الكاهن.
وخلال الساعات القليلة الماضية، أصبحت الكنيسة العتيقة محط أنظار الكثيرين داخل مصر وخارجها، وأثبتت تلك الظاهرة المعمارية التي تتفرد بها براعة القبطي القديم وتأثره بالفن المعماري الفرعوني الفريد.



