70 ألف نازح جرّاء العدوان التركي.. شهود عيان يروون تفاصيل المأساة.. (صور)
كتب - عادل عبدالمحسن
أعلنت السلطات التي يقودها الأكراد في شمال سوريا، اليوم الجمعة، أنه سيجري إخلاء مخيم يؤوي ما يتجاوز 7 آلاف من النازحين في شمال سوريا، بينما تجرى محادثات بشأن نقل مخيم آخر يضم 13 ألف شخص بينهم عائلات مقاتلي تنظيم داعش الإرهابى بعد تعرض المخيمين للقصف.
وأفادت الإدارة الذاتية في بيان عن تعرض مخيم المبروكة الواقع على بعد 12 كيلومتراً عن الحدود التركية، "لسقوط قذائف مدفعية، ما شكل خطراً مباشراً على حياة أكثر من 7 آلاف نازح".
وحسبما ذكر موقع "أحوال تركية"، طالت القذائف كذلك وفق البيان مخيم عين عيسى، الذي يقطنه 13000 نازح، "بينهم 785 شخصاً من عوائل مقاتلي داعش و479 لاجئاً عراقياً".
كانت القوات التركية والفصائل الإرهابية الموالية لها قد بدأت، أمس الأول الأربعاء، هجوماً واسعاً ضد الأكراد في المنطقة الحدودية. وتخوض اشتباكات عنيفة مع قوات سوريا الديموقراطية "قسد" التي تحاول منع تقدمها في المنطقة الممتدة بين بلدتي رأس العين "الحسكة" وتل أبيض "الرقة" وإضافة إلى البلدتين، طال القصف التركي قرى وبلدات حدودية عدة، بينها عين عيسى الواقعة في شمال الرقة على نحو 30 كيلومتراً من الحدود.
وقالت الإدارة الذاتية للأكراد إنها ستبدأ "على الفور بعملية إخلاء مخيم المبروكة ونقل سكانه إلى مخيم العريشة جنوب مدينة الحسكة" بينما "النقاش مستمر مع الجهات والمنظمات المعنية لإيجاد حل أو موقع بديل" عن مخيم عين عيسى.
وأوضح مسؤول مكتب شؤون اللاجئين في الإدارة الذاتية نجاة صالح لوكالة "فرانس" برس أن "ثمة خطر على حياة النازحين بسبب الاشتباكات والمعارك والقصف الجوي للمناطق القريبة" من مخيم المبروكة وغالبية المقيمين في المخيم نازحون يتحدرون من محافظة دير الزور السورية محملاً المنظمات الدولية "تقاعسها" و"انسحابها من المخيم حيث لم يعد يتوفر الطعام والمياه".
كما حمّلت الإدارة الذاتية في بيانها الأمم المتحدة والتحالف الدولي ضد تنظيم داعش الإرهابى مسؤولية أمن وسلامة النازحين.
وفى سياق متصل نبّهت 14 منظمة إغاثة دولية، بينها منظمات كبرى تنشط في شمال شرق سوريا، في بيان مشترك أمس الخميس، من أن تصاعد العنف قد يؤدي إلى تعليق تقديمها للمساعدات.
وحذرت من أن "الاستجابة الإنسانية المنقذة للحياة ستصبح مهددة إذا أجبرت حالة عدم الاستقرار وكالات الإغاثة على تعليق أو تغيير مواقع موظفيها وبرامجها، وهو ما يحصل بالفعل".
وكانت الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية دولية حذّرت من حدوث أزمة إنسانية وشيكة في شمال شرق سوريا. وأحصت الأمم المتحدة نزوح 70 ألف مدني من مناطق حدودية باتجاه مناطق أكثر أمناً في محافظتي الحسكة والرقة.
وعلى صعيد نزوح المدنيين من مدنهم وقراهم، فرّ عشرات الآلاف من المدنيين من بلداتهم إثر بدء تركيا مع فصائل سورية موالية لها ليل الأربعاء هجومها ضد الأكراد الذين يسيطرون على مساحات واسعة في شمال شرق البلاد.
وقالت جيهان، 47 عاماً، بعد نزوحها من مدينة كوباني "عين العرب"، أمس الخميس، لوكالة "فرانس برس" بغضب: "لا نعرف إلى أين نذهب.. ماذا يريد منا أردوغان؟" قبل أن تسأل: "هل يحصل ذلك كله فقط لأننا كرد؟".
وأوضحت جيهان أنها تتذوق مرارة النزوح للمرة الثانية بعد فرارها من مدينتها في محافظة حلب شمالاً العام الماضي.
وتروي، جالسة إلى جانب جدار وإلى جانبها نساء أخريات يخفضن رؤوسهنّ بأسى، "خرجنا من عفرين بعد سيطرة العدو عليها ونزحنا إلى مدينة كوباني وكان الوضع هادئاً وآمناً، لكن العدو لا يدعنا نتهنّى بالأمان".
وكانت القوات التركية مع فصائل إرهابية موالية لها قد شنت هجوماً واسعاً على منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية مطلع العام الماضي، تخلله قصف جوي كثيف، وانتهى بسيطرتها على المنطقة بعد فرار عشرات الآلاف من السكان.
ولم يتمكن هؤلاء من العودة إلى مناطقهم، حيث تنتشر فصائل سورية موالية لأنقرة، فيما وثقت منظمات حقوقية ودولية انتهاكات حقوقية جسيمة.
وبنبرة غاضبة، تقول جيهان التي تضع حجاباً أسود اللون، "في عفرين باعتنا روسيا وهنا اليوم باعتنا أميركا"، متسائلة "ماذا يريدون من الشعب الكردي يبيعونه في كل مرة؟".
وبدأت تركيا هجومها الأربعاء على الشريط الحدودي الممتد من رأس العين حتى تل أبيض، بعد يومين من سحب الولايات المتحدة قواتها من نقاط قرب الحدود بناء على قرار الرئيس دونالد ترامب، ما اعتُبر بمثابة ضوء أخضر أميركي لتركيا كي تمضي قدماً في هجوم لوحت على مدى أشهر بشنّه.
وفي عفرين، بدأت تركيا هجومها بعدما سحبت روسيا نقاط مراقبة قريبة، في خطوة برّرتها موسكو آنذاك بـ"منع استفزازات محتملة وجعل حياة العسكريين الروس بمنأى من أي تهديد".
وحمّلت وحدات حماية الشعب الكردية حينها روسيا مسؤولية الهجوم التركي.
وبحسب الأمم المتحدة، دفع الهجوم التركي على شمال شرق سوريا منذ الأربعاء 70 ألف مدني إلى النزوح من الشريط الحدودي باتجاه مناطق لا يشملها القصف، أبرزها مدينة الحسكة والبلدات المحيطة بها.
على طول الطريق المؤدي إلى المدينة، تفترش عائلات الأرض أو تنتظر على ضفتيه وصول أقاربها أو سيارات تقلها مع ما تمكنت من حمله معها من حاجيات وآوان منزلية وفرش.
وتحاول الإدارة الذاتية الكردية في الحسكة إيواء النازحين رغم إمكانياتها القليلة. وخصصت ثلاث مدارس على الأقل لإيوائهم.
وتوضح مسؤولة النازحين في الإدارة الذاتية ماجدة أمين لوكالة "فرانس برس" أن "الناس بدأت التوجّه إلى تل تمر والحسكة وقراها بعد الوضع الطارئ في رأس العين، عامودا والقامشلي" وهي مناطق طالها القصف التركي.
وتقول "النازحون في تزايد مستمر وكثيرون منهم يقصدون منازل أقاربهم"، مطالبة "المجتمع الدولي القيام بواجباته الإنسانية" ومحمّلة إياه "مسؤولية حصول كارثة إنسانية".
وحذرت منظمات إنسانية دولية من حدوث أزمة إنسانية وشيكة في شمال شرق سوريا، خصوصاً في مناطق سيطرة المقاتلين الأكراد التي تأوي أكثر من مليوني مدني. ونبّهت 14 منظمة إغاثة دولية في بيان مشترك الخميس من أن تصاعد العنف قد يؤدي إلى تعليق تقديمها للمساعدات.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، باتت مناطق تعرضت للقصف أو تدور اشتباكات في محيطها بين القوات التركية والمقاتلين الأكراد شبه خالية من سكانها، أبرزها رأس العين التي فرّ قاطنوها باتجاه بلدة تل تمر.
ويقول إبراهيم فارس "28 عاماً"، الذي فرّ مع زوجته وطفليه، بانفعال لـ"فرانس برس" "هربنا بعدما قصف الطيران رأس العين، وبتنا الآن في الشارع لا نعلم إلى أين سنذهب".
وقال ، الشاب الأسمر واقفاً بالقرب من شاحنة على متنها نساء وأطفال، "الجميع خائفون، نحن وأطفالنا نخشى الطيران".
وفي تل تمر الواقعة على بعد نحو 35 كيلومتراً عن رأس العين، يتكرر المشهد ذاته. عائلات بأكملها تجلس تحت الأشجار وفي الحدائق بينما يلهو أطفال بعبوات مياه بلاستيكية وبأقراص من البسكويت.
بعد نزوحه من رأس العين، قصد فخر الدين "55 عاماً" مع عائلته أقاربه في تل تمر التي بقيت بمأمن عن القصف التركي.
إلا أنه لا يخفي خشيته من أن "تمتد المعارك إلى كل مدننا" في المرحلة المقبلة. ويقول "تدمّر الحرب اليوم منازلنا وتقتل أبناءنا وتقضي على الأمان".
ويضيف بحسرة "لم نعد نعرف مصيرنا وما سيكون عليه، لأننا فقدنا ثقتنا بالعالم".



