مؤتمر في "جوتة" يناقش مستقبل الصحافة العلمية بالعالم العربى
كتبت - علياء أبوشهبة وابتهال مخلوف
الكاتب محمد المخزنجي يقدم روشتة لصحافة تربط الجمهور بالعلوم
"تحت عنوان لقاء العلم بالصحافة" نظم معهد جوتة في القاهرة على مدار يومين حول الرؤى المتعددة للصحافة العلمية ضم عشرات الخبراء من مصر وألمانيا وهو جزء من مشروع "العلم حكاية" الذي ينظمه جوتة بالتعاون مع الهيئة الألمانية للتبادل العلمي؛ وهو مشروع معني بتعزيز العلاقة بين البحث العلمي والصحافة.
الدهشة وثقافة العلم المبهجة
وفي الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، أوصى الدكتور محمد المخزنجي، الروائي والكاتب العلمي، في حديثه للصحفيين بالسرد الأدبي للموضوعات العلمية، مشيرًا إلى أنه لا يوجد موضوع علمي لا يمكن سرده، وعبر عن رؤيته أن سرد الكتب العلمية بشكل مبسط قد يكون أفضل من الروايات، حيث إن مجال الأدب به الكثير من الفوضى في المرحلة الحالية، وأضاف إنه عندما تابع فيلمًا جذابًا عبر إحدى الفضائيات العربية عن الاحترار وارتفاع درجة حرارة الأرض، وتمنى أن تقدم الشاشات المصرية مثل هذه الأعمال المهمة.
وشدد المخزنجي على أهمية تقديم الصحفي العلمي لجمهوره ما أسماه "ثقافة العلم المبهجة" و"الدهشة" التي يعده مفتاح توليفة العلم والصحافة وحذر من أن يكون الصحفي العلمي بوقًا للأخبار الزائفة لأنه يمنح الجمهور "آمالًا" زائفة.
وقال أشرف أمين، مسؤول القسم العلمي في الأهرام: إن المؤتمر هدف إلى مناقشة كيفية إنقاذ صناعة الصحافة، وكيفية تجاوز الإشكاليات التي تواجه الإعلام المتخصص بهدف تسهيل الوصول للجمهور المستهدف.
الخلط بين الصحافة والإعلان عنصر هام يؤثر بالسلب على الصحافة العلمية، وذلك وفق ما قاله دكتور إيهاب الرفاعي، أستاذ مساعد جراحة الأعصاب في جامعة القاهرة، والذي أشار إلى عدم وعي بعض الباحثين بأهمية الدور الذي يلعبونه في نشر الوعي المعرفة، واعتقادهم أن تواصل الصحفي معهم يكون بهدف إعداد موضوع إعلاني.
هل العالم هو أفضل من يكتب موضوع صحفي لتبسيط المادة العلمية، أم أن هذه هي مهمة الصحفي؟ سؤال مهم طرح نفسه بقوة خلال جلسات المؤتمر، وقال دكتور لارس جونتر، الباحث في التغير المناخي في جامعة هامبورج: إنها بدون شك مهمة الصحفي لأن الباحث مشغول في أبحاثه وإذا حاول القيام بمهمة الصحفي لن يمتلك الأسلوب الجذاب للكتابة والتبسيط؛ وهو ما يعتبر من أهم مهارات الصحفي العلمي.
العلاقة الشائكة بين الباحثين والصحفيين وفقدان الثقة كانت محل عدة مناقشات شملها المؤتمر وهو ما أوضح دكتور لارس جونتر أنه مماثلًا لما يحدث في ألمانيا، حيث يتهرب بعض الباحثين من الصحفيين ويرفضون التعامل معهم، كما أن بعضهم يفشل في تبسيط المادة العلمية وجعلها صالحة للنشر.
دبلومة للصحفي العلمي
طالب عدد من الحضور، والذي تنوع بين الباحثين والصحفيين وأساتذة الإعلام بضرورة وجود دبلومة دراسية في مجال الصحافة العلمية، وهو ما رد عليه دكتور محمود علم الدين، الأستاذ في كلية الإعلام بأنه يوجد مادة بالفعل لتدريس الصحافة العلمية تفاجأ بإقبال الطلاب على دراستها، ورحب بفكرة الدبلومة المتخصصة، مضيفًا أن الباحثين أيضًا في حاجة للتدريب على كيفية التواصل مع الصحفيين؛ من أجل تبسيط المادة العلمية، وهو أمر يفرض على الصحفيين تطوير مهاراتهم بشكل مستمر حتى يتمكنوا من تأدية مهمتهم.
"ليس كل ما ينشر أو يذاع صحيح يجب أن يخضع المحتوى المنشور للتدقيق وكثرة الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي" هذا هو ما قاله دكتور محمود علم الدين مشيرًا إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي، فرضت السرعة في نشر المعلومة ولكن بعد فترة برزت الحاجة إلى التدقيق؛ نظرًا لنشر بعض الأخبار الزائفة، واقترح علم الدين قيام المراكز البحثية المتخصصة بإنشاء مراكز تتولى جمع المحتوى وتدقيقه ونشر بيانات عنه بشكل دوري.
وفي جلسة عن "تبسيط العلوم لنطاق أوسع من الجماهير" كان من ضمن المتحدثين فيها دكتورة إيمان الإمام، معدة ومقدمة المحتوى العلمي لبرنامج "الاسبتالية" الذي يبث عبر موقع يوتيوب، والتي قالت: إنها ببساطة فكرت في كيفية توصيل ما درسته للناس، وبدأت ذلك عبر صفحتها الشخصية عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وتفاجأت بردود الأفعال المرحبة؛ ما دفعها للاستمرار، وأضافت أنها لم تدرس الإعلام وتقوم بالأمر بشكل مبسط تعتز به، وأكثر ما يسعدها هو نسب المشاهدات المرتفعة لمحتوى علمي قد يبدو صعبًا وغير جاذب قدمته وكان رد فعل الجمهور مخالفًا لتوقعاتها.
ناقشت الجلسة الرابعة محورًا هامًا وهو "الطب في الأفلام والدراما" ودور صناعة السينما والدراما التليفزيونية في زيادة الوعي بالقضايا الصحية وكيف يمكن لصناع الدراما وضع الحقائق العلمية في قالب درامي دون إثارة مشاعر الخوف لدى الجماهير وودعت د. منال حمدي السيد – استاذة طب الأطفال بجامعة عين شمس – لضرورة اضطلاع القائمين بالاتصال العلمي بدور تنقية الأفكار والممارسات الخاطئة السائدة تجاه امراض مثل "فيروس سي" ونقص المناعة المكتسبة "الإيدز".
الذكاء الاصطناعي في وجه الأخبار الزائفة
وتناولت الجلسة الخامسة من المؤتمر دور الصحفيين العلميين في مجابهة الأخبار العلمية الزائفة، وأشار د. هاني الحسيني الأستاذ بكلية علوم جامعة القاهرة إلى أن الأبحاث تثبت أن الأخبار الزائفة تنتشر بنسبة عشر مرات أسرع من الأخبار الحقيقة، وكشف أن الذكاء الاصطناعي يمكنا من التعرف على "الأخبار الزائفة" في وسائل الإعلام عبر تحليل تكرار كلمات معينة، وألمح أن الأخبار الزائفة غالبًا ما تتضمن كلمات تتعلق بالجنس او الدين والقومية وآينشتاين وداروين.
وقدم د. الحسيني تصوره لكيفية مواجهة الأخبار الزائفة في الصحافة العلمية من خلال بناء مصادر إخبارية موثوق فيها وإصدار تشريعات إعلامية تحمى حرية تداول المعلومات ومصادرها والإعداد الجيد للصحفيين العلميين وأيضًا أن يكون للعلماء دور في كشف وتفنيد الزيف في الإعلام.
وأضافت "كريستين هوبنهاوس"- صحفية علمية ومنتجة أفلام من ألمانيا أن الصحفي هو حجر الأساس في التصدي لزيف الأخبار ويسعى للتأكد من دقة معلوماته وصدق مصادره.
ألمانيا والعالم العربي
واستعرضت جلسة عن الصحافة العلمية عبر الثقافات الممارسة الصحفية في العالم العربي وألمانيا شارك فيها "هينرك فيلدفيش- درينتروب" الصحفي العلمي الألماني ومؤسس موقع "ميدووتش"، روى فيه تجربة الموقع في الوصول للجمهور الذى يحتاج إلى موضوعات عن الطب وتحدى التأثير عليهم علاوة على جمع التمويل اللازم للموقع عبر اشتراكات القراء.
وذكرت د. حنان بدر الباحثة في الصحافة والإعلام بجامعة برلين الحرة، أن العمل الصحفي يواجه تحديات متشابهة، نوعًا ما، في البلدين خاصة في المجال العلمي؛ إذ يواجه الصحفي تحدى الترجمة وتبسيط المصطلحات العلمية للجمهور العادي. واستدركت أن الفارق الجوهري، أن المجلات العلمية الصادرة في العالم العربي تعتمد على الموضوعات المترجمة من المجلات العالمية "الأم" مثل "نيتشر" بينما في ألمانيا والدول الغربية بوجه عام تنشر المجلات العلمية محتوى نابع من هذه الدول.
ويجمل أشرف أمين- رئيس قسم العلوم بصحيفة الأهرام – الدوائر الثلاث المؤثرة في النظام الصحفي العلمي بالعالم العربي، وهى إيجاد صحفي لديه مهارات الترجمة والوصول للأوراق العلمية ونقلها لجمهوره وكذلك دائرة "منتج" العلوم، وكيف يصل الصحفي له وأخيرًا تأثير المجتمع.
وركزت الجلسة السابعة على مستقبل الصحافة العلمية الإلكترونية، وهل سوف تحمل النهاية للصحف والمجلات المطبوعة؟ بوجه عام قدم المتحدثون نظرة متشائمة تجاه واقع الصحف الورقية وصفحات العلوم في الجرائد مالم تكن هناك وحدات للتنمية الاقتصادية في المؤسسات الصحفية، وقدم الصحفي الألماني "يورج رومر"، المختص بالعلوم في صحيفة "دير شبيجل" الشهيرة، تجربة المجلة في الانتقال للعصر الرقمي من خلال طرح موضوعات حصرية على الإنترنت لنحو 100 ألف مشترك.
وحول القالب المستخدم في تقديم الموضوع العلمي، أكد نصري عصمت، مدير تحرير سابق لموقع "ياهو" الشرق الأوسط، أهمية اختيار قالب جذاب للمحتوى واستخدام الطرق الإبداعية من فيديو وإنفوجرافيك وفيديو جرافيك، مضيفًا أن العلوم ليست مملة لكن ربما يكون الصحفي هو الممل.
روشتة لصحافة علمية ناجحة
وجاءت جلسة ختامية تتويج لمجهود عام في ورشة "العلم حكاية" التي عقدت دورتها الثالثة هذا العام، بدأت بورشة للصحافة المطبوعة وأخرى لصحافة الوسائط المتعددة في أبريل الماضي وتم تنظيم رحلة في أواخر شهر أغسطس لعشرة صحفيين من مصر والعراق والأردن للاطلاع على التجربة الألمانية في الصحافة العلمية، وكان الختام المؤتمر الذي امتد على مدى يومين.
وقدم د. محمد يحيى رئيس تحرير التنفيذي لمجموعة "نيتشر" في الشرق الأوسط معايير الموضوعات العلمية الناجحة، ومنها أن تعتمد على مصادر موثوقة وأن تشد اهتمام القارئ، وتحدث تأثيرًا فيه وتقدم له معرفة جديدة وتتناول جوانب تلمس حياة الناس اليومية وتناقش تأثير الحقائق العلمية على المجتمع.
وتم في الختام تكريم الصحفيين المشاركين في الورشة من مصر والعراق الذين فازت موضوعاتهم بالمراكز الأولى، وهم سميرة حمزة الصحفية في مجلة ناشيونال جيوجرافيك للناشئين، وسلمى الديب الصحفية الحرة، وعمر مريواني رئيس تحرير موقع "العلوم الحقيقية" في فئة الصحافة المطبوعة، وفى فئة صحافة الوسائط المتعددة فاز كل من أحلام المنسي صحفية حرة، ورحمة ضياء صحفية حرة ومروي ياسين الصحفية بجريدة الوطن.



