الدقهلية تستعيد 2800 كتاب نادر
مع غروب شمس الثامن والعشرين من يناير عام 2011، كانت مدينة المنصورة تضج بتظاهرات حاشدة، رافضة نظام الرئيس الأسبق مبارك، وتتجه الأنظار نحو ميدان الثورة المجاور لمبنى ديوان عام المحافظة، الذي كان يعتبر أيقونة الثورة.
هدوء حذر يسيطر على المكان، وأصوات تتعالى تنادي بسقوط النظام، لكن سرعان ما تحول لساحة كرّ وفرّ، والجميع يهرول نحو مرسى "الملكة نازلي" أو مقر الحزب الوطني، فبعض الغاضبين قد أضرموا النيران فيه، ليتحول لكتلة رماد لا تتضح معالمها الأثرية، ويمتد الحريق لدار الكتب بالمنصورة أو "المكتبة الفاروقية" الملاصقة للحزب، لتأكل النيران بعض الكتب والمجلدات التاريخية، وتكتب نهاية مكان كان ملاذًا للمثقفين.

وبينما انشغل الجميع بما يحدث، كانت أسرة المهندس "حسن البدويهي" صاحب مكتب مقاولات، تمارس دورًا بطوليًا، حيث هموا لإنقاذ ما تبقى من أمهات الكتب والمجلدات، وكان شغلهم الشاغل حماية تراث مصر التاريخي، والحفاظ على الأمانة الفكرية التي جرفها تيار الغضب.
استعان البدويهي بأبنائه الأربعة "نهال، ويمنى، ومحمد، وأشرقت"، ومجموعة من أهالي منطقة المختلط؛ لإخراج الكتب من وسط النيران، واحتفظ بها لمدة ٩ سنوات داخل غرفة خاصة بمنزله، يعاملهم كفرد من أسرته، منتظرًا الوقت الذي سيسلم فيه الأمانة لمستحقيها، ويستفاد منها الشباب ويغذي عقله بمعلومات ثرية.

يقول "البدويهي"، إنه في يوم جمعة الغضب ٢٨ يناير ٢٠١١، فوجئ بأصوات صراخ وهرج ومرج قادم من ناحية الحزب، فتوجه مع مجموعة من جيرانه لمعرفة السبب، وشاهدوا ألسنة النيران تلتهم المبنى والمكتبة، في مشهد أبكى كل من يعرف القيمة الأثرية والتاريخية للمرسى.
وبينما كان الجميع منشغلًا إما بإطفاء الحريق أو مشاهدته، كوّن "البدويهي" وأبناؤه ومجموعة من أهالي المختلط، منهم عزة فهمي وأحمد عزو؛ سلسلة بشرية لإخراج الكتب ونقلها لمنزله، في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وما إن هدأت الأوضاع، حاول البدويهي إعادة الكتب للمحافظة، لكن باءت محاولاته بالفشل، حتى استجاب الدكتور أيمن مختار، محافظ الدقهلية، وشكّل لجنة برئاسة منال الغندور، السكرتير المساعد، لاستلام الكتب ونقلها لمكتبة مصر العامة، الأسبوع الماضي، وتم تكريمهم وتسليمهم شهادات تقدير لأمانتهم.

وحسب الدكتورة رباب عبد العليم، مدير المكتب، فإن الكتب بلغ عددها 2800 كتاب ومرجع علمي في مختلف العلوم، أبرزهم كتاب "البهجة التوفيقية في تاريخ مؤسس العائلة الخديوية"، و"انتقاد كتاب الكنز في اللغة العبرية"، و"مصر الثائرة"، و"تاريخ إفريقيا بعد الحرب العالمية الثانية"، بجانب كمية من الأوراق مطموسة المعالم.
وتوضح أنه تم الانتهاء من فهرسة جميع الكتب، ومخاطبة الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية، لإرسال لجنة لبحث حالة الكتب وتحديد التكلفة اللازمة لترميمها، تمهيدًا لعرضها للجمهور.
وعبر البدويهي عن سعادته بتسليم الكتب للمكتبة، وإعادة "فيتامين ثقافي" كبير للشباب ليستفيد منه، مؤكدًا أن ما فعله هو واجب كل مواطن نحو الحفاظ على التراث والوطن.




