عاجل
الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الفيروس التاجى

الفيروس التاجى

كنا نسير بخطى سريعة قبل أن تغلق المحال التجارية وفى ذهنى ما نود شراءه لاحتياجات البيت قبيل ساعات الحظر حين قال لى بغتة: «عارفة إيه أصعب حاجة؟ إنك تكونى بتحاربى عدو مش شايفاه».



 

 

الفيروس التاجى أو فيروس كورونا أعاد لأمخاخنا دروسًا إنسانية بسيطة كنا قد نسيناها.. أولها أن طبيعتنا الإنسانية ضعيفة جدًا.. قد يتحدانا فيروس لا نراه ليشعرنا بضعفنا.. وهنا تتهدم النظريات الرأسمالية العظيمة التى تترجمها السوشيال ميديا لعبارات رنانة عن قوة الإنسان، وعظمة الفرد، و«yes we can».. ونعود لنضع أنفسنا فى مكاننا الطبيعى وحجمنا الحقيقى.. مجرد بخار يظهر قليلًا ثم يضمحل.. قد يضمحل بفيروس لا تراه عيناه.

 

 

ويأتى فيروس كورونا أيضًا ليعلمنا درس المساواة فى الإنسانية.. فجأة صار الجميع متساوين.. الجميع حول العالم أغنياء وفقراء، كبارًا وصغارًا، دول قارات العالم أجمع.. وفجأة اختفت مبادئ التميز.. والاجتهاد الذى يصنع إنسانًا مختلفًا.. والطموح الذى يجعل الفرد متقدمًا على أقرانه.. وتوحدت المقامات والبسط فى مواجهة الفيروس التاجى الذى لا يصلح معه اجتهاد. ولا ينفع معه تميز.. وقد أثبت التاجى مساواة البشر، فأصاب الرؤساء والأمراء وأيضًا الصينيين الفقراء ولم يترك أهل أوروبا الأغنياء.

 

 

أكبر ما يصيب الإنسان بالاكتئاب هو أن يفقد سيطرته على مجريات أموره.. فجأة وجدنا أنفسنا جميعًا فى موقع المفعول به، لا موقع الفاعل.. لا يستطيع أحد أن يتحكم فى أى شىء.. لا نعلم ماذا سيحدث غدًا- صحيح أننا أبدًا لا نعلم ما يحمله لنا الغد، لكننا فى الظروف العادية نخطط وتسير بعض خططنا كالمعتاد.. نعلم أن غدًا وبعد غد عمل ثم إجازة نهاية الأسبوع ثم العودة للعمل ثم إجازة هذا العيد أو غيره.. أما الآن فنحن لا نعلم شيئًا ولا نخطط لشىء.. ونظل نتساءل: متى ستنتهى سطوة الفيروس؟ ومتى سنعود للعمل؟ (سؤال لم يكن يخطر على بالنا أن نسأله من قبل) وهل ستعود الحياة لطبيعتها يومًا ما؟ وسنعود فاعلين كما كنا؟

 

 

وإذا كان الفيروس التاجى قد أصاب بعض البشر بأعراضه المرضية القاسية وبأذية الرئتين وفقدان القدرة على التنفس، فقد أصاب كل البشر على وجه الكرة الأرضية كلها بالانعزالية وفقدان القدرة على التواصل الإنسانى الحقيقى فى العالم الحقيقى لا فى العالم الافتراضى.. صرنا فى سجون العزلة وصرنا نتمنى أيام المواصلات والشوارع المزدحمة وأماكن العمل المكتظة والتعامل مع البشر أيًا ما كانت أنواعهم.. باختصار صرنا نقدر قيمة التواصل اليومى مع البشر حتى هؤلاء الذين لا نعرفهم.. يكفى مجرد وجودهم حولك وإحساسك بالانتماء لهذا العالم لا بالانعزال عنه..

 

 

أحد الدروس العميقة التى قد لا يتعلمها كل البشر هى أن الفيروس التاجى وما جلبه لنا من إجازة إجبارية سمح لنا بفرصة مواجهة أنفسنا والحديث معها وسبر أغوارها واكتشاف أخطائها.. فنحن فى الظروف العادية لا نجد وقتًا كافيًا لمثل هذه العملية الطويلة المتعبة.. أما الآن فمن السهل أن تكتشف مثلًا سخافة كثير من الأعمال التى أرهقت بها نفسك دون داع.. وكثير من الشخصيات التى أهملت علاقتك بهم بالرغم من أنهم جديرون بصداقتك.. إنه وقت اكتشاف عثراتك وإعادة تقييم حياتك..

 

 

أما الدرس الأهم وهو مرتبط بفحص الذات أيضًا هو فحص إيمانك.. بمَ تؤمن بالضبط؟ كيف ترى الوباء؟ وما هو رد فعلك؟ هل أنت خائف؟ إلى أى درجة؟ هل أنت مؤمن؟ إلى أى درجة؟ كيف ترى بإيمانك ما يفرضه العلم من احتياطات فى هذه الأوضاع الراهنة؟ هل أنت متحير؟ هل يرتبط إيمانك بمكان عبادتك، أم بموضوع إيمانك؟ هل تعتقد أن إغلاق أماكن العبادة بسبب كورونا من شأنه أن يقلل إيمانك أم يزيده، يقلل من عبادتك أم يزيدها؟ هل كانت عبادتك مجرد شكل اجتماعى بعيد عن إيمانك؟ وهل كان إيمانك وما زال حقيقى وفعال؟

 

 

نعم نحارب عدوًا أصغر بكثير من أن نراه، وأكبر بكثير من أن نعرفه.. هزمنا قليلًا، وعزلنا، وجعلنا متساوين، واختبر إيماننا، وكشفنا لذواتنا.. ولكنه أظهر حولنا شخصيات تمتلك سلامًا داخليًا عجيبًا.. وشخصيات تمتلك طاقة إيجابية جبارة.. وشخصيات تستطيع إضحاكنا لا بالوجه فقط بل تضحك حتى قلوبنا.. كما قلل الفيروس من ثقب الأوزون، ومن نسبة التلوث، ومن الحروب، والإرهاب.. وما زلنا فى انتظار نتائج ما لا نستطيع رؤيته ولكنه غير حياتنا 180 درجة.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز