إيمان القصاص تكتب: في ذكرى وفاته.. محمد عبد الوهاب فنان هزم الزمن
فنان عبقري.. لو أن الله خلقه فى أى عصر أو أى مكان لكان مخلوقا فذا، يؤمن تماما بأن مكانه الطبيعى بين صفوف الزعماء، درس الرأي العام دراسة عملية صحيحة، فعرف رغباته وميوله، وساعدته هذه الدراسة على أن يقدم رسالته فى التجديد الموسيقى فى "برشامة" هضمها الشعب بسهولة، واستطاع أن يتزعم الجيل الجديد، وأن يكتب اسمه بحروف كبيرة فى التاريخ الفني.
استطاع أن يخلق لنفسه مكانة ممتازة فى المجتمع، وهو فى خطوات حياته الأولى، وأن يرتفع بهذه المكانة بفضل فنه لا بفضل شهادة علمية أو ثروة مالية أو حسب أو نسب!!.
يحب العزلة.. ويرجع هذا إلى تجارب الدنيا التي علمته أن العزلة خير طريق لتجنب الشرور فيه كثير من الفضائل المحمودة، ولكن أعداءه وهم أعداء التجديد الفنى يفسرون هذه الفضائل على أنها رذائل مذمومة.
لا يوجد بداية لمقالى أفضل من الذي كتبه عن نفسه بناء على طلب مجلة الكواكب اغسطس عام ١٩٥٠، فهذه المقدمة تلخص شخصية هذا الفنان الواثق من نفسه المتفرد المختلف الاستثنائي فهو يعرف قيمة نفسه جيدا لذلك احترم موهبتة منذ صغره إلى ان توفاه الله، وشيعت له جنازه عسكرية بقرار من رئيس الجمهورية الاسبق محمد حسنى مبارك كتقدير غير مسبوق لأى فنان.
فالأسبوع القادم وبالتحديد فى الرابع من مايو يمر على ذكرى رحيله ٢٩ عاما، فسيرته تحتاج الآلاف من المقالات فحياته ثرية سواء الشخصية أو الفنية سألقى الضوء على اهم محطات مشواره.
نشأته:
اختلف الناس على مولد محمد عبدالوهاب ولكن الأقرب هو فى ١٣ مارس عام ١٨٩، نشأ فى بيئة متدينة لأب فلاحا من قرية بنى عياض مركز ابو كبير محافظة الشرقية نزح الى القاهرة التحق بالأزهر وعمل مؤذنا وقارئا فى جامع سيدى الشعراني فى حى باب الشعرية، ووالدته السيدة فاطمة حجازي له اثنان من الأخوة هما الشيخ حسن واحمد وبنتين ماتتا صغيرتين هما عائشة وزينب، كانت أسرته فقيرة تعيش اليوم بيومه، كان نحيلا للغاية، صدرت له شهادة وفاة وهو فى الثانية من عمره وأفاق وهما يغسلونه استعدادا للدفن وربما تكون هذه الوقعة القاسية السبب فى وسوسته وخوفه الشديد على صحته "كتاب محمد عبد الوهاب حياته وفنه للدكتورة رتيبة الخفنى"، بدأ تجويد القرآن الكريم وهو فى الرابعة من عمره، حفظه وكاد أن يشق الطريق كمقرءا لكن شغفه بالغناء كان كبيرا ومستحوذا على تفكيره فكان ينتهز الفرص لحضور ليالى الطرب التي كان يحيها المطرب صالح عبد الحى والمولد التي ينشد فيها الشيخ محمد رفعت أهم مقرىء فى ذاك الوقت.
ظهوره الأول فى عالم الفن لأول مره مع فرقة فوزى الجزايلرى عام ١٩١٧ تحت اسما مستعارا بسبب خوفه من والده الرافض تماما اهتمامه بالفن ومن الفضيحة لأهله، "محمد البغدادى" وأنشد بعض أغانى الشيخ سلامة حجازي وكان يتقاضى مبلغ خمسة قروش فى اليوم، ولكن سرعان ما اتفضح الأمر وحصل على علقة سخنة من أخيه الأكبر الشيخ حسن، ولكنه رفض التنازل عن حلمه وأكمل مشواره.
التحق عبد الوهاب بالدراسة فى نادى الموسيقى الشرقى "معهد الموسيقى العربية فيما بعد" وفيه تعلم الموشحات على يد درويش الحريري ومحمود رحمى أما العود على يد الموسيقار محمد القصبجى الذي كان يدرس تلاميذ النادى كما واصل محمد عبد الوهاب تعلم اللغة العربية عند على عز الدين فى سيدى الشعراني.
عبد الوهاب ملحنا
عبد الوهاب استطاع ان يغير شكل الموسيقى كان من أول من اتجهوا الى التأليف الموسيقى الآلى واستطاع أن يجعل للموسيقى البحتة أو الخالصة مكانة فى الموسيقى العربية وقد بلغ عدد المقطوعات الموسيقية التي ألفها أكثر من خمسين معزوفة أستخدم فى بعضها الأصوات البشرية، وعندما بدأ فى تلحين أغانيه أقبلت الناس عليه تشجعه وهى متقبلة كل ما يقدم إكراما لصوت الكروان الذي غنى فى العشرينات "خايف أقول اللى فى قلبى" وكلنا نحب القمر وياجارة الوادى، استحدث عبد الوهاب أسلوبا متميزا فى فى الغناء فى الغناء كان دائما يبحث عن الجديد فكان متأثرا بالموسيقى الغربية الكلاسيكية والشعبية الراقصة.
محطة السينما
وقد قسمها فى مذكراته الى مرحلتين المرحلة الاولى الوردة البيضاء ودموع الحب ويحيا الحب، اما المرحلة الثانية يوم سعيد ممنوع الحب رصاصة فى القلب ولست ملاكا، وفى مرحلة السينما انتقل عبد الوهاب بالأغنية السينمائية الى لون جديد يعتمد على البساطة واختصار عرض الصوت وتبسيط الأغنية الدارجة بحيث يستطيع اى مستمع عادى أداءها بسهولة. وقد ادخل عبد الوهاب لأول مره الإيقاعات فى الاغانى مثل إيقاع الروما والتانجو والسامبا الى جانب اقتباسه لبعض ألوان الغناء الغربى وان كان تأثر عبد الوهاب بالموسيقى والغناء الغربى كن قد بدأ قبل مرحلة الأفلام عندما غنى مونولوج الشهير أهون عليك الذي اقتبس فيه جزءا من بالية اوبرا عايدة.
أم كلثوم وَ مرحلة الأعداء
بعد سنوات من الخلافات وتدخل العديد من الشخصيات ولكنهم فشلوا فى جمعهم فى عمل واحد مثل طلعت حرب باشا الذي جمعهم فى منزله والشاعر احمد رامى على الغذاء وصارحمها بالغرض من هذه الدعوة وهو جمعهما معا فى فيلم واحد يتولى استديو مصر إنتاجه وترك لكل منهما تحديد الأجر الذي يطلبه وبعد عدة جلسات اختلفا الثنائى وتأجل المشروع.
ففى مرحلة الثلاثينات حتى نهاية الأربيعينات كانت الصحافة تلقب ام كلثوم وَعَبَد الوهاب بالعدوين وقد استطاع الرئيس السابق جمال عبد الناصر فى تحقيق هذه الرغبة وجمعهما فى لحن واحد وهو انت عمرى بمناسبة أعياد الثورة.
وقد استطاع عبد الوهاب نقل ام كلثوم لأسلوب مختلف حيث اقنعها بإدخال آلات الأكورديون والجيتار والأورج الكهربائي الى أغانيها وظهرت انت عمرى وبعدها انت الحب وهذه ليلتى و فكروني وغيرها من الأعمال الناجحة.
المرأة فى حياته
لها مساحة كبيرة فى حياته بداية من المساحة التي حصلت عليها والدته فى قلبه ومشاعره إلى ان أحب زوجتة الأولى السيدة زبيدة الحكيم وكانت تكبره بسنوات عديدة ويقال انها شاركت فى انتاج فيلم الوردة البيضاء وتم الطلاق بعد عشر سنوات، ثم تزوج زوجته الثانية إقبال وانجبت له خمسة ابناء احمد ومحمد وعصمت وعفت وعائشة واستمر الزواج سبعة عشر عاما، وكان الزواج الثالث والأخير من السيدة نهلة القدسى الذي غنى لها "هان الود" بعد خلاف حدث بينهما وتركت البيت وسافرت وعندما سمعت هذه الاغنية تأثرت بها وعادت له مره أخرى.
أهم النياشين والأوسمة والجوائز
وسام الاستقلال الليبى عام ١٩٣٧
قلادة الجمهورية من الرئيس جمال عبد الناصر ١٩٦٥
وسام الاستحقاق السورى من الدرجة الأولى عام ١٩٦٧
جائزة الدولة التقديرية فى الفنون من الرئيس جمال عبد الناصر ١٩٦٩
وسام الكوكب الأردنى من الدرجة الأولى من الحسين بن طلال ملك الأردن عام ١٩٧٠
وسام الأرز الوطني رتبة ضابط أكبر من رئيس لبنان ١٩٧٤
حصل على رتبة اللواء العسكرية حينما قاد فرقة الموسيقى العسكرية عام ١٩٧٩
تكريم من التليفزيون العربى الأمريكى عدة مرات عام ١٩٨٧ لوس انجلوس
وشاح النيل من الرئيس محمد حسنى مبارك عام ١٩٩١ بعد وفاته
محمد عبد الوهاب فنان استحق الألقاب التي أطلقت عليه فهو موسيقار الأجيال ومطرب الملوك والأمراء
وموسيقار النهر الخالد وهو فنان الشعب الذي أسعدنا فى حياته وبعد رحيله أيضا.



