الجمعة 19 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

اكتمل القمر

وانتصف الشهر

فوصلنا إلى «الإسراء».

منتصف أجزاء المصحف لمن يقرأ يوميا جزءا خلال صلاة التراويح أو يقرأ جزءا يوميا خارج الصلاة.

في منتصف القرآن سورة «الإسراء» التي تبدأ بذكر المسجد الأقصى في «القدس»، وتربطه بالمسجد الحرام في «مكة».

وإذا كانت سورة «الإسراء» في منتصف القرآن، فإن أرض الإسراء أو المسجد الأقصى هو منتصف العالم. فالقدس في منتصف العالم و«مكة» هي مركز اليابسة.

 

وسبحان الله الذي أسره بعبده ورسولنا وحبيبنا محمد من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى. إلى الأرض المباركة بنص القرآن الكريم، والواقعة الآن تحت الاحتلال الصهيوني بقوة الأمر الواقع.

 

وهذا الربط بين المسجد الحرام الذي تهوي إليه القلوب وخاصة حاليا مع إخلائه بسبب الوباء، وبين المسجد الأقصى الأسير تحت قبضة الاحتلال يثير المواجع، وإن كانت بقية سورة الإسراء تبعث بالطمأنينة، وبأننا في يوم ما، وبأمر الله سنعود إلى المسجد الأقصى محررين، مستبشرين، ومنصورين بإذن الله.

 

وإذا كان الواقع ينكز المواجع فإن سورة «الإسراء» في منتصف المصحف هي بداية لأربع سور تذيب المرارة وتوقظ الأمل، فيحلق معها قلبي وترفرف روحي وينتعش وجداني.

 

فبعد سورة «الإسراء» تتوالى السور (الكهف– مريم– طه(.

 

الطمأنينة السارية بين ثنايا الآيات منذ إسعاد سيدنا محمد وتشريفه برحلة الإسراء المعراج، مرورا بسورة «الكهف» حيث مفهوم الوصول إلى أعلى الدرجات على الرغم من المشقة التي يجهل فيها صاحبها أن نتيجتها ستكون توفيقا عظيما من المولى سبحانه، وكذلك عبر حكايات سيدنا «موسى» في أواخر السورة وما كشفه له «الخضر» فيها من أن ما يمر بنا مما نراه أمورا سيئة هي نعمة من الله تظهر قيمتها بعد حين، حتى لو لم نفهم مغزى ما نمر به أحيانا من مصاعب، وكأنها كلمات تربت على مخاوفنا من الابتلاء الحالي بالوباء، وتوقظ بداخلنا التأكد من أن الله له حكمة في كل أمر، وأن ما نراه موجعا حاليا هو محنة ستكشف لنا الأيام بإذن الله عما يختفي وراءها من منحة بأمر الله سبحانه، فالله رحيم بعباده، والحمد لله على كل حال. وما أغلى أن نتذكر رحمة الله، وما أجمل أن، نحمده.

 

إنه الحمد الواضح في تشابه الأطراف خلال انتقالنا من «الإسراء» إلى «الكهف»، حيث تتضمن خاتمة سورة «الإسراء» الحمد «وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا»، ثم حين ننتقل منها إلى سورة «الكهف» نجد افتتاحها كذلك هو الحمد، «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا».

 

اللهم اجعلنا من الحامدين الشاكرين الموقنين في رحمتك ولطفك.

 

ونصل إلى سورة «مريم» التي يتضمن مطلعها الرحمة، «ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا»، والتي يتكرر فيها الرحمة من الله سبحانه «وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا».

 

وفيها رحمة الله الواسعة أيضا مع سيدنا موسى: «وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا».

 

كما تتضمن عن سيدنا عيسى: «وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا».

 

إنها السورة التي تفيض بالأمل، لأن ما نراه بمقاييسنا بعيد المنال هو عند الله «هين». سورة الدعاء والاستجابة فالله قادر على كل شيء، فمنذ بدايتها مع سيدنا «زكريا»: «إِذْ نادى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا».

 

ثم سيدنا إبراهيم: «وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا. فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلا جَعَلْنَا نَبِيًّا».

 

إنها قدرة الله سبحانه فحين بشر زكريا بيحيى، وظهرت دهشة سيدنا زكريا: «قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا» قال سبحانه: «هُوَ عليّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا».

 

ثم من جديد يتكرر التعبير مع ستنا مريم: «قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ على هَيِّنٌ».

 

وهو القائل سبحانه في السورة نفسها: «إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ».

 

فلا يجب أن يظن أحد أن هناك أمر كبير على الله سبحانه، فما نظنه صعب هو على الله هيّن. ما علينا إلا أن نرفع أيدينا بالدعاء. فيا رب أصلح أحوالنا ويسر أمورنا، وهون علينا الصعب إلى أن تزيحه بكرمك ولطفك يا رحمن يا رحيم.

 

وبعد سورة «مريم» التي تفيض بالرحمة، نصل إلى سورة «طه»، و«مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى». بل لنتذكر ونتدبر، فنتذكر ما سبق في سورة «الإسراء» من بشرى للمؤمنين بأجر الانتصار إن عملنا بكتابه «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ»، ثم تضع أمامنا سورة «طه» التحذير لمن يهجر القرآن بأن لهم معيشة ضنكا.

 

 

سورة «طه» التي ذاب لها قلب الفاروق عمر فأسلم. من قبلها في سورة "الإسراء" رأينا أن موسى لم يسكت لفرعون عندما قال «إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا»، بل رد عليه بـ«وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا» أي «هالكا». موسى الشامخ في مواجهة الطاغية عبر سورة «الإسراء» هو نفسه موسى الذي نجده متواضعا في سورة «الكهف» ساعيا للعلم الذي من لدن الله سبحانه سائلا "الخضر" أن يأذن له بأن يتبعه معلنا أنه لن يعصي له أمرا، "فانطلقا" وما أجمله من تعبير فيه همة وعزم وتحليق وإقبال وانعتاق كحال المقبلين على تدبر كتاب الله، المهرولين إلى الصلاة في الأسحار، المستمتعين بحلاوة ليالي السجود في رمضان، قبل أن يفِر.

فلقد إنتصف الشهر، واكتمل القمر. ).

 

فلقد انتصف الشهر، واكتمل القمر.

 

تم نسخ الرابط