مدير "الأزهر العالمي للفتوى" يتحدث عن عقلية المتطرف وآليات مواجهته
قال الدكتور أسامة الحديدى، المدير التنفيذي للمركز العالمي للفتوى الإلكترونية، إن الفتوى تعتبر من أهم الوسائل الموصلة إلى الحكم الشرعي الصحيح بالنسبة لعوام المكلفين بعد وفاة النبي – ﷺ -، ويسعى مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، منذ أن بدأ عمله إلى التواجد العالمي باستخدام أحدث وسائل التواصل الاجتماعي والإعلامي لحصر وتفنيد الفتاوى الشاذة بإصدار فتاوى منضبطة بعيدة عن التشدد أو الغلو في الدين.
وطالب مدير مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، في تصريحات خاصة لـ"بوابة روزاليوسف"، بتوحيد جهة الفتوى على مستوى العالم العربي كله، مؤكدًا أن أصل التطرف وجذوره يرجع إلى فكر فرقة الخوارج القائم على التشدد، وتضليل الناس وتكفيرهم، واستحلال دمائهم وأموالهم، ويرى أتباع هؤلاء أنهم وحدهم هم المسلمون.
وعن شرح عقلية المتطرف، علق الحديدى قائلاً: عقلية المتطرف إن كان له عقلية يغيب عنها أولا المنهجية في التعامل مع النصوص، فكل آية أو حديث يمثل لبنة في منظومة العلم والفقه، والاعتماد على لبنة واحدة دون سائر البنيان للحكم عليه خطل عظيم، والقرآن يعلمنا أن نتعامل مع الحقائق لا الأوهام .
وعقلية المتطرف يغيب عنها الوعي بفقه مقاصد الشريعة بشكل عام، وهذا يؤدي به إلى الوقوع في التشدد والغلو، وكذلك يغيب عنها الوعي بمقاصد الجهاد وحقيقة معناه، فالجهاد لم يشرع لإشباع الرغبات والتشفي وتحقيق الأهواء الشخصية وسفك الدماء بالباطل، وإنما لا بد أن يكون مرتبطًا بما أمر الله وفي حدود حفظ الكليات الخمس الدين والنفس والعرض والعقل والمال، والسلام هو أساس العلاقة الدولية عند المسلمين، فالجهاد مشروع للدفاع وليس للمبادأة، وهذه نتيجة ضرورية لفلسفة القرآن في حقيقة تعدد الأديان والألوان واللغات والأجناس بين البشر، وإذن فلا مكان في الإسلام لأي احتمال من احتمال فرض عقيدته على أي إنسان سواء بالإكراه الأدبي أو الإكراه المادي، بل لا مكان في فلسفة الإسلام لابتذال العقائد والإيمان في سوق المصالح، ففريضة الجهاد في الإسلام حقيقتها ليست إلا حق الدفاع عن النفس وعن العقيدة وعن الوطن.
وتابع: عقلية المتطرف يغيب عنها الفهم الصحيح لكتاب الله وسنة رسوله الكريم، يغيب عنها إعمال فقه الواقع، وكيفية تنزيل النص الشرعي على الواقع المعاش، يغيب عنها فقه الأولويات وأن الأعمال الصالحة تتفاوت في المنازل والدرجات، فحديث شعب الإيمان تحدث عن أعلاها وأدناها، وهناك أحاديث شتى عن أحب الأعمال وأفضل الأعمال.
وأشار الحديدى إلى أن عقلية المتطرف يغيب عنها أنه لا إنكار في المختلف فيه، بل ربما ليس عنده ما هو مختلف فيه فليس ثمة إلا الرأي الواحد والمذهب الواحد، فعقلية المتطرف تحتكر الحق لأنفسهم وشيوخهم مع فرض ذواتهم على الناس وتقديم أنفسهم كزعماء وأمراء، وهؤلاء المتطرفون خلطوا الأوراق وعكسوا الأولويات وغالطوا في تطبيق مفهوم الجهاد، فأراقوا الدماء البريئة، واستباحوا المعصومين وكل هذا باسم الدين، والدين منهم براء.
وعن آليات وعلاج التطرف، قال الحديدى، إن العلاج متعدد الأطراف متشعب النواحي، ولكنه يبدأ بوقفة من الجميع تصحح فيها المفاهيم المغلوطة التي يرتكز عليها التطرف وأهله، ونشر المفاهيم الوسطية الصحيحة والتصدي الدائم لكل ما يروجه هؤلاء ومناقشته بموضوعية وحياد كما فعل سيدنا علي بنفسه وبواسطة حبر الأمة ابن عمه مع الخوارج.
وأخيرًا بالرجوع إلى ما كان عليه النبي ﷺ وسلف الأمة الذين تلقوا عنه وأحسنوا فهم سنته وروح شريعته، فدانت لهم الدنيا لحسن أخلاقهم ورفعة سلوكهم .
وحول آليات تحصين الشباب من الوقوع فريسةً تحت براثن التطرف، قال : التطرف غلوٌّ، والغُلو منهيٌّ عنه بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ففي القرآن الكريم: {يا أهل الكتاب لا تَغلوا في دينِكُم غَيرَ الحَقِّ وَلا تَتَّبِعوا أَهواءَ قَومٍ قَد ضَلّوا مِن قَبلُ وَأَضَلّوا كَثيرًا وَضَلّوا عَن سَواءِ السَّبيلِ}
ونصح الحديدى الشباب إلى تحكيم العقل السليم، ويبتعد عن تحكيم شهواته والانسياقِ وراء الدعوات المفرِّقة للجماعات، المعتدية على فكر البشر وأعراضِ ودماءِ الأبرياء، فهذا رجوعٌ إلى صوت الفطرة النقية الصافية.



