عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
لصوص الجامع! الحلقة السابعة

وثائق فقه الكراهية.. وتأصيل العنف فى مناهج تنظيم الإرهاب الدولى

لصوص الجامع! الحلقة السابعة

يُمثل ما دشنه «سيد قطب» فكريًّا، نقطة ارتكاز [لا غنى عنها] فى رسم التصورات الحركية والفكرية لأغلب القيادات الحالية للجماعة الإرهابية.. لذلك فإن المناهج المُعتمدة أخيرًا، تعمل - بشكل دائم - على إعادة تسويق «سيد قطب» أمام أفراد الصف، فى مواجهة الانتقادات الموجهة [مُجتمعيًّا] إلى أفكاره المؤسِّسة للعنف.. ومن ثمَّ، يتم تقديمه بوصفه مُجددًا للدعوة (أى: دعوة الإخوان).



 

.. وفى هذا السياق.. يُمرر التنظيم لأعضائه (وسط مجموعة من الأوراق الخاصة بالشخصيات الإسلامية) مُلخصًّا – فى نحو 4 ورقات – عن حياة «سيد قطب» بوصفه مُجددًا مُعاصرًا (!)



1 أكاذيب التجديد:

ما يعنينا عند تلك النقطة، على وجه التحديد، هو: كيف تحاول الجماعة «جمع ما لا يُجمع» بوضع المنتج (التكفيرى) لسيد قطب بين زمرة الأفكار التجديدية؛ إذ تُبين الوثائق [والأوراق المقررة تربويًّا] لأفراد الصف العاملين أنه يتعين عليهم الترويج لخطاب مفاده أن هناك جوانب تجديدية عند «سيد قطب».. ونحن هنا نثبتها كما جاءت بالوثائق والأوراق التنظيمية للجماعة الإرهابية (مع اختصارات تقتضيها الضرورة).. إذ تدور تلك التوجيهات – إجمالاً – حول «كيف للإخوان أن يقدموا هذا الأسلوب إلى الناس؟».

 

.. وتحت العنوان السابق، تقول الأوراق التنظيمية: 

 

يحلو لبعض الناس القول: إن سيدًا رحمه الله كان تلميذًا لمن سبقه من الدعاة فى هذا الميدان.. ومن يدقق النظر بمؤلفات أستاذنا وسيرة حياته يتبين له خطأ هذا القول ومجانبته للصواب.

 

ومن الأمثلة على ذلك أن معظم كبار الدعاة الكتاب كانوا يدافعون عن الإسلام بأسلوب فيه كثير من الضعف؛ فإذا راجت بضاعة الديمقراطية بين الناس راحوا يتحدثون عن ديمقراطية الإسلام.. وإذا فتنت شعوبنا بالاشتراكية، صنعوا للإسلام اشتراكية، وإذا أطنب المفكرون فى الحديث عن الحضارة كتبوا المقالات بل والمؤلفات فى التعريف بحضارة الإسلام... لقد كان الإسلام عند هؤلاء الكتاب اشتراكيًا.. قوميًا.. ديمقراطيًا.. تقدميًا.

 

أما الأستاذ سيد فقد رفض هذه الأساليب، وحذر منها. انظر إلى قوله:

 

«وحين ندرك حقيقة الإسلام على هذا النحو، فإن هذا الإدراك بطبيعته سيجعلنا نخاطب الناس ونحن نقدم لهم الإسلام، فى ثقة وقوة، وفى عطف كذلك ورحمة.. ثقة الذي يستيقن أن ما معه هو الحق وأن ما عليه الناس هو الباطل، وعطف الذي يرى شقوة البشر، وهو يعرف كيف يسعدهم، ورحمة الذي يرى ضلال الناس وهو يعرف أين الهدى الذي ليس بعده هدى !

 

لن نتدسس إليهم بالإسلام تدسسًا، ولن نربت على شهواتهم وتصوراتهم المنحرفة... سنكون صرحاء معهم غاية الصراحة.. هذه الجاهلية التي أنتم فيها نجس، والله يريد أن يطهركم... هذه الأوضاع التي أنتم فيها خبث، والله يريد أن يطيّبكم.. هذه الحياة التي تحيونها دون، والله يريد أن يرفعكم... هذا الذي أنتم فيه شقوة وبؤس ونكد، والله يريد أن يخفف عنكم ويرحمكم ويسعدكم.. والإسلام سيغير تصوراتكم وأوضاعكم وقيمكم، وسيرفعكم إلى حياة أخرى تنكرون معها هذه الحياة التي تعيشونها...».

 

.. وقال أيضًا: «هكذا ينبغى أن نخاطب الناس ونحن نقدم لهم الإسلام؛ لأن هذه هى الحقيقة، ولأن هذه هى الصورة التي خاطب الإسلام الناس بها أول مرة. سواء فى الجزيرة العربية أم فى فارس أم فى الروم أم فى أى مكان خاطب الناس فيه.. نظر إليهم من علٍ؛ لأن هذه هى الحقيقة، وخاطبهم بلغة الحب والعطف لأنها حقيقة كذلك فى طبيعته. وفاصلهم مفاصلة كاملة لا غموض فيها ولا تردد لأن هذه هى طريقته، ولم يقل لهم أبدًا: إنه لن يمس حياتهم وأوضاعهم وتصوراتهم وقيمهم إلا بتعديلات طفيفة ! أو إنه يشبه نظمهم وأوضاعهم التي ألفوها.. كما يقول بعضنا اليوم للناس وهو يقدم إليهم الإسلام.. مرة تحت عنوان: (ديمقراطية الإسلام) ! ومرة تحت عنوان: (اشتراكية الإسلام) ! ومرة بأن الأوضاع الاقتصادية والسياسية والقانونية القائمة فى عالمهم لا تحتاج من الإسلام إلا لتعديلات طفيفة !!! إلى آخر هذا التدسس الناعم والتربيت على الشهوات».

 

وقبل أن نتابع سرد ملاحظاتنا الخاصة على ما ذكرته الأوراق الإخوانية، نتوقف بالإثبات أمام عبارة مهمة تم وضعها فى نهاية الاقتباس السابق؛ وهى عبارة تقول: «... وتأثر شباب هذا الجيل بأسلوب سيد فأعرضوا عن الأساليب السابقة الضعيفة، لا سيما أن سيدًا رحمه الله أشبع هذا الموضوع بحثا فى مؤلفاته بتفسيره القيم (فى ظلال القرآن)، والذين عاشوا تلك المرحلة يدركون ما هو الجديد الذي جاء به صاحب الظلال.. وكان الحق مع الدعاة الشباب الذين تأثروا بطريقة سيد فى عرض الإسلام».

 

.. أى أننا أمام إقرار [واضح ومباشر] من القيادات التنظيمية بالجماعة الإرهابية حول أن الأجيال الجديدة من التنظيم نهلت من المصدر التكفيرى ذاته، وباتت من أكثر الأجيال تأثرًا بطريقة وأداء «سيد قطب» .. وربما يفسر هذا الاعتراف – إلى حد بعيد – لماذا لم يتردد كثيرٌ من شباب التنظيم الإرهابى فى حمل السلاح ضد الدولة المصرية فى أعقاب سقوط حكم الجماعة بالعام 2013م.. إذ إنَّ سيد قطب، وفقًا لتحليل مضمون أفكاره الواردة بالاقتباسات السابقة:

 

• ينطلق من أرضية تصادمية [مباشرة] ترفض قبول الآخر جملة وتفصيلاً.

 

• يُرسخ فكرة الاستعلاء الإيمانى أمام كل من هم خارج الإطار التنظيمى.

 

• يتحرك من أرضية أن الإسلام لم يعد موجودًا وأن المجتمع المعاصر فى جاهلية حديثة (وهى الأفكار التي تقاطع فى فهمها مع المنتج الفكرى الأول الذي أرساه الباكستانى «أبوالأعلى المودودى»، ورسخ لها - كذلك - عددٌ من رسائل المرشد المؤسس للتنظيم «حسن البنا»).

 

• يؤسس – يقينًا – تصوراته الحركية لمسار دعوته؛ اعتمادًا على إعادة إنتاج ظروف النشأة الأولى للدين، وإسقاطها على واقع دعوة الإخوان، بما يسمح – وفقًا لهذا الفهم - للجماعة بتتبع النهج نفسه؛ لتقديم الإسلام للناس مرة أخرى، بعد أن أصبح غير موجود فى الوقت الراهن. (راجع فى هذا السياق الحلقة السابقة من الدراسة: الحلقة السادسة).

 

2 الحاكمية والشهادة:

 

تحت عنوان: «شرح معانى لا إله إلا الله وربطها بالحاكمية» تقول، أيضًا، الوثائق (الأوراق التنظيمية) عن سيد قطب: 

 

[... وأهم مسألة استحوذت على الأستاذ سيد فى بداية السجن وحتى لقى وجه ربه تفسير معانى ومدلولات لا إله إلا الله، محمد رسول الله.. لقد كان يرى أن جهل المسلمين بمعانى الشهادتين هو سبب هذا الضياع والفساد الذي يلف العالم الإسلامي، كما كان يرى أن مهمة أنبياء الله الذين اختارهم الله وأرسلهم للعباد شرح معانى لا إله إلا الله، وذكر فى الظلال أدلة كثيرة على ذلك من كتاب الله وسنة رسوله.. وكان يرى أن «المجتمع يقوم على قاعدة العبودية لله وحده فى أمره كله.. هذه العبودية التي تمثلها وتكيفها شهادة أن لا إله إلا اله، وأن محمدًا رسول الله.. وتتمثل هذه العبودية فى التصور الاعتقادى، كما تتمثل فى الشعائر التعبدية، كما تتمثل فى الشرائع القانونية سواء»].

 

.. وتتابع الأوراق: [... ومن الأدلة على شدة اهتمامه بالركن الأول من أركان الإسلام قوله فى (المعالم) «طبيعة المنهج القرآني»، وفى مقدمة سورة الأنعام: «ظل القرآن المكى ينزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ثلاثة عشر عامًا كاملة، يحدثه فيها عن قضية واحدة، قضية واحدة لا تتغير، ولكن طريقة عرضها لا تكاد تتكرر. ذلك الأسلوب القرآنى يدعها فى كل عرض جديد، حتى لكأنما يطرقها للمرة الأولى.. لقد كان يعالج القضية الأولى، والقضية الكبرى، والقضية الأساسية، فى هذا الدين الجديد... قضية العقيدة... ممثلة فى قاعدتها الرئيسية.. الألوهية والعبودية، وما بينهما من علاقة»... وقال بعد استطراد مهم: «ومتى استقرت عقيدة (لا إله إلا الله) فى أعماقها الغائرة البعيدة، استقر معها فى نفس الوقت النظام الذي تتمثل فيه (لا إله إلا الله)].

 

أى أن تنظيم الإخوان (الإرهابى) عبر كتابات قطب، لا يزال يسعى – إلى اللحظة – نحو ترسيخ قيم ومفاهيم مغلوطة حول حقيقة فهم المسلمين للإسلام ذاته.. إذ يُمكننا فى هذا السياق، التأكيد على الآتى:

 

• يعتبر التنظيم – تأسيسًا على أفكار سيد قطب - أن ثمة جهلاً بمعانى الشهادتين بين المسلمين.. وأن هذا الجهل هو سبب الضياع والفساد الذي يلف العالم الإسلامي، بحسب الاعتقاد الإخوانى.

 

• يرتبط مفهوم «قضية العقيدة» (فى قاعدتها الرئيسية: الألوهية والعبودية)، بمفهوم حاكمية الله.. إذ متى استقر فهم العقيدة، استقر معها النظام الذي تتمثل فيه «لا إله إلا الله»، وفقًا لتعبير سيد قطب فى الظلال.

 

• عند تلك النقطة – على وجه التحديد – تسعى المقررات الإخوانية لغرس حالة عدائية بين نظام الحكم القائم (كان النظام القائم وقت تدشين قطب لتلك المفاهيم هو نظام ثورة يوليو)، ومتلقى الخطاب الإخوانى فى الوقت الحاضر (بما يسهل من عملية إسقاط العبارات الشارحة على أى نظام تالٍ).. إذ تقول – هنا – الأوراق التنظيمية: 

 

«كان رحمه الله يعلم أن هذه المسألة سوف تفجر قلوب الانقلابيين (يقصدون هنا: تنظيم الضباط الأحرار) غيظًا وحقدًا عليه.. ولكنه مجددٌ مجاهدٌ يواجه الناس بمشكلاتهم، ويضع الحلول لها، ولا يخشى إلا الله سبحانه وتعالى. وراجع نهاية كتابه: (معالم فى الطريق)، فصل «هذا هو الطريق» لتراه كأنه يتحدث عن إعدامه على أيدى العسكريين من خلال حديثه عن أصحاب الأخدود». [انتهى الاقتباس] (!)

 

• ضمنيًّا.. يُمكننا أن نفهم أن توجيه تلك العبارات فى سياق المقررات الإخوانية الحالية، من شأنه مواصلة العمل على تغذية الصدام بين «التنظيم» من جانب ومؤسسات الدولة المختلفة (خصوصًا أصحاب المهام العسكرية) من جانب آخر، بوصفهم أصحاب الأخدود؛ جريًّا على ما قال به منظر الإرهاب فى كتابه «معالم فى الطريق».. بل يمكننا – جزمًا – أن نقول إن هذا الفهم، كان هو المسؤول عن الدفع بعديدٍ من أعضاء التنظيم نحو سيناء (فى المقام الأول)، ثم إلى ليبيا وسوريا، وبعض البلدان الإفريقية الأخرى؛ لإعلان ما أسموه بـ«الجهاد» فى مواجهة الأنظمة الكفرية القائمة، وذلك فى أعقاب سقوط حكم الجماعة بمصر.

 

3 تقاطعات تكفيرية:

 

تسرد «الوثيقة الإخوانية» كذلك، تحت عنوان: «الوعى السياسى ونضوج الخبرة»، ما نصه: «كان للأستاذ سيد اهتمامات سياسية وهو لايزال طالبًا فى المرحلة الابتدائية [...] وازدادت اهتماماته السياسية بعد انتقاله للقاهرة [...] ومن تجاربه الغنية فى هذا الميدان رحلة أميركا وما شاهده فيها من تناقضات ومن مواقف حاقدة ضد الإسلام والمسلمين.. والمرحلة التي سبقت دخوله السجن؛ أى من عام 1950م - وهو تاريخ عودته من الولايات المتحدة - وحتى عام 1954م، وهذه الفترة وحدها كافية لتكوين نضوج سياسى عنده».

 

.. وتتابع الوثائق: «يقول الأستاذ سيد فى (معالم فى الطريق) فصل «التصور الإسلامى والثقافة»: «إن الذي يكتب هذا الكلام إنسان عاش يقرأ أربعين سنة كاملة. كان عمله الأول فيها هو القراءة والاطلاع فى معظم حقول المعرفة الإنسانية.. ما هو من تخصصه، وما هو من هواياته.. ثم عاد إلى مصادر عقيدته وتصوره. فإذا هو يجد كل ما قرأه ضئيلاً؛ ضئيلاً إلى جانب ذلك الرصيد الضخم - وما كان يمكن أن يكون إلا كذلك - وما هو بنادم على ما قضى فيه أربعين سنة من عمره. فإنما عرف الجاهلية على حقيقتها، وعلى انحرافها، وعلى ضآلتها، وعلى قزامتها.. وعلى جعجعتها وانتفاشها، وعلى غرورها وادعائها كذلك!! وعلم علم اليقين أنه لا يمكن أن يجمع المسلم بين هذين المصدرين فى التلقى!!».

 

.. وتضيف عبارة شارحة: «إذًا عاش أستاذنا أربعين سنة يقرأ ما هو من تخصصه وما هو من هواياته، ولم تكن حياته قاصرة على القراءة، بل كانت الخبرة لا تقل أهمية عن القراءة.. ولهذا فقد كتب لنا رحمه الله كتابات ناضجة عن الموضوعات التالية: (الصهيونية/ الصليبية/ الشيوعية/ الرأسمالية/ الاستبداد، والعبودية، والذل/ الاستعمار وأساليبه/ فضائح الحضارة الغربية).. وهذه فيما نعلم أمور انفرد فيها أستاذ هذا الجيل عن غيره من المجددين المعاصرين الذين حُرِموا هذه الخبرة وهذا النضوج السياسى [...]، وقلَّ أن تجد داعية وليس فى مكتبته كتاب من كتب سيد قطب» (!)

 



 

وفى الحقيقة.. فإن ما تسرده الوثيقة هنا ما هو إلا نوعٌ من أنواع كتابة التاريخ بطريقة «غسل السمعة» (إذ تجاهلت حالات الاضطراب الفكرى العديدة التي مر بها «سيد قطب» خلال هذه المرحلة من حياته)، وهى طريقة تمتد لعديد من الروايات التي نسجها التنظيم حول سيد قطب، ووجوده فى أمريكا (كما سنبين لاحقًا).

 

.. وفيما أشرنا عبر ملاحظة سابقة، إلى أن الأساس الذي بنى عليه «سيد قطب» تصوراته (المتقاطعة وأفكار «أبى الأعلى المودودى») عن «جاهلية المجتمع»، لم يختلف فى جوهره عما كان يريده «حسن البنا» نفسه.. فإنّنا فى هذا السياق نؤكد أنّ «البنّا» نفسه رسّخ - ابتداءً - تلك المفاهيم بشكل تدريجى:

 

• يقول البنّا عن دعوته: أما أنها ربانية؛ فلأن الأساس الذي تدور عليه أهدافنا جميعًا، أن يتعرف الناس إلى ربهم، وأن يستمدوا من فيض هذه الصلة روحانية كريمة تسمو بأنفسهم عن جمود المادة الصماء وجحودها إلى طهر الإنسانية الفاضلة وجمالها. ونحن الإخوان المسلمين نهتف من كل قلوبنا: الله غايتنا. فأول أهداف هذه الدعوة أن يتذكر الناس من جديد هذه الصلة التي تربطهم بالله تبارك وتعالى، والتي نسوها فأنساهم الله أنفسهم.. (رسالة: دعوتنا فى طور جديد).

 

• ويقول أيضًا: هكذا أيها الإخوان أراد الله أن نرث هذه التركة المثقلة بالتبعات، وأن يشرق نور دعوتكم فى ثنايا هذا الظلام، وأن يهيئكم الله لإعلاء كلمته وإظهار شريعته وإقامة دولته من جديد: (ولينصرنّ الله من ينصره إنّ الله لقويٌ عزيز) [الحج: 40].. (رسالة: بين الأمس واليوم).

 

.. وإن كانت الدعوة «ربانية»؛ فلا بد أن يُكتب لها «العموم» [والعالمية] (!)

 

• يقول البنّا: إن الزمان سيتمخض عن كثير من الحوادث الجسام، وإن الفرص ستسنح للأعمال العظيمة، وإن العالم ينتظر دعوتكم؛ دعوة الهداية، والفوز والسلام لتخلصه مما هو فيه من آلام. وإن الدور عليكم فى قيادة الأمم وسيادة الشعوب، وتلك الأيام نداولها بين الناس، وترجون من الله ما لا يرجون، فاستعدوا واعملوا.. (رسالة المؤتمر الخامس).

 

• ويقول أيضًا: أما أنها عالمية فلأنها موجهة إلى الناس كافة لأن الناس فى حكمها إخوة: أصلهم واحد، وأبوهم واحد، ونسبهم واحد لا يتفاضلون إلا بالتقوى وبما يقدم أحدهم للمجموع.. (رسالة: دعوتنا فى طور جديد).

 

.. فإن جمعت الدعوة (فى طورها الجديد!) بين «الربانية»، و«العالمية» (على غرار رسالة الإسلام الأولى!)؛ فلا شك أنها دعوة تُنشئ أمرًا جديدًا، غير ما عهده الناس.. وتحتكر لنفسها مساحة [دينية] شديدة الخصوصية (!)

 

• يقول البنَّا: اسمحوا لى أيها السادة أن أستخدم هذا التعبير (إسلام الإخوان المسلمين)، ولست أعنى به أن للإخوان المسلمين إسلامًا جديدًا غير الإسلام الذي جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عن ربه، وإنما أعنى أن كثيرًا من المسلمين فى كثير من العصور خلعوا على الإسلام نعوتًا وأوصافًا وحدودًا ورسومًا من عند أنفسهم، واستخدموا مرونته وسعته استخدامًا ضارًا، مع أنها لم تكن إلا للحكمة السامية، فاختلفوا فى معنى الإسلام اختلافًا عظيمًا، وانطبعت للإسلام فى نفوس أبنائه صور عدة تقرب أو تبعد أو تنطبق على الإسلام الأول الذي مثله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه خير تمثيل. وهكذا اتصل الإخوان بكتاب الله واستلهموه واسترشدوه .. مادامت الأمة تريد أن تكون مسلمة إسلامًا صحيحًا.. (رسالة المؤتمر الخامس).

 

.. فإن نسى الناسُ الصلة التي تربطهم بالله تبارك وتعالى؛ فأنساهم الله أنفسهم (!).. ثم أظهر لهم - من بعد ذلك - «دعوة ربانية» جديدة.. [عالمية التوجه!].. مُهيّأة من السماء لإعلاء كلمة الله وإظهار شريعته وإقامة دولته من جديد.. فإن كل من لم يلتزم بـ«إسلام الإخوان»، بحسب تعبير مؤسس الجماعة نفسه (!)، يُعد خارجًا عن «حاكمية الله» وشريعته.. متمسكًا بـ»جاهليته» فى مواجهة «ربانية» الدعوة الجديدة (!)

 

يقول «محمد قطب» (شقيق سيد قطب) إنّ مفهوم «حاكمية الله» اتضح فى فكر «حسن البنا» فى أيامه الأخيرة، دون أن تسمح له الفرصة بترسيخ هذا المعنى فى قلوب أتباعه.. إذ كتب «البنَّا» فى أيامه الأخيرة مقالاً تحت عنوان: [معركة المصحف: أين حكم الله؟]، قال فيه: الإسلام دين ودولة ما فى ذلك شك، ومعنى هذا التعبير بالقول الواضح أنّ الإسلام [شريعة ربانية] جاءت بتعاليم إنسانية وأحكام اجتماعية، وكلت حمايتها ونشرها والإشراف على تنفيذها بين المؤمنين بها، وتبليغها للذين لم يؤمنوا بها إلى الدولة. أى إلى الحاكم الذي يرأس جماعة المسلمين ويحكم أمتهم، وإذا قصّر الحاكم فى حماية هذه الأحكام لم يعد حاكمًا إسلاميًّا. وإذا أهملت الدولة هذه المهمة لم تعد دولة إسلامية. وإذا رضيت الأمة الإسلامية بهذا الإهمال ووافقت عليه، لم تعد هى الأخرى إسلامية.. (انظر: «واقعنا المعاصر»، لمحمد قطب).

 

4 أكاذيب تاريخية:

 

فى الواقع.. إنّ حجم التقاطع الذي نبّه إليه «محمد قطب» حول إرهاصات «الحاكمية» عند البنَّا، وما انتهى إليه شقيقه «سيد»، فيما بعد، مثيرٌ [بالقدر نفسه] الذي لا يزال يثيره اقتراب «سيد» من الجماعة نفسها.. إذ دفع هذا الانضمام (بعد تولى «حسن الهُضيبى» مسؤولية التنظيم) الخيال «الخصب» لبعض مؤرخى الجماعة؛ لأن يبرروا الأمر وفقًا لمنحى أقرب إلى «التحولات الدرامية» (!).. إذ ذهب عددٌ منهم إلى ذكر رواية سينمائية [بامتياز]، قال فيها: إنّ «سيد» عندما كان فى «الولايات المتحدة» بالعام 1948م [فى بعثة لدراسة التربية وأصول المناهج]، وتم اغتيال «حسن البنا»؛ لاحظ الابتهاج الأمريكى بمقتله؛ إذ دُقّت - بحسب الرواية الإخوانية - أجراس الكنائس..(كمثال: انظر كتاب «مرشدك الأمين».. وهو من الكتب المعتمدة تنظيميًّا حول تاريخ دعوة الإخوان).

 

والملاحظ أنّ تلك الرواية خلت من «الحبكة» إلى حدٍّ بعيد [فى مقابل «تضخيم الذات»].. إذ كانت الجماعة حتى ذلك الوقت «جماعة مصرية محلية» (باستثناء بعض التأثرات الإقليمية/ فرع جيبوتى نموذجًا).. فكيف أتى الغرب، إذًا (خصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية) بكل هذا التوجس «المبكر» والريبة من البنَّا [ودعوته!]، حتى دفعهم ذلك التوجس؛ لقرع أجراس الكنائس فرحًا بمقتله (؟!).. لكن.. أيًّا كانت الأسباب الحقيقية وراء انضمام «سيد قطب» للإخوان؛ فإنه عندما أصبح بين صفوف التنظيم، كان أن أصبح هو صاحب «البصمة الفكرية» الأشهر (ربما بما يفوق - فى بعض الأحيان - تأثير مرشد الجماعة المؤسس).. وهى البصمة التي لا يزال يقتات عليها «شباب التنظيم» ممن اختاروا سبيل العنف وحمل السلاح إلى اللحظة. 

 

(.. يتبع)

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز