الجمعة 19 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

اختلف المراقبون والمسؤولون حول تأثيرات بناء ما يسمي بسد النهضة أو "النكبة" الإثيوبي علـى مصر مائيا، لكن مما لا شك فيه أن لدينا مخاوف عدة بل جمة من هذا المشروع.

فمصـر تخشـى من عدم توافر المياه مؤقتا خلال فترة ملء الخـزان، ودائما بسـبب تبخر المياه العذبة من خزان المياه خلف السد، خاصة أن حجم الخزان مقدر له أن يبلغ 74 مليار متر مكعـب، وإذا افترضـنا أن فترة ملء الخزان ستكون ٥ سنوات فهذا يعنـى أن ١٥ مليـار متـر مكعب مـن المـاء سـنويًا سوف تخصـم مـن مصـر والسـودان، لتصـل نسبة مصر من المياه إلـى حوالي 42 أو ٤٣ مليـار متـر مكعـب سـنويا، بعد أن كانت حاليا 55 مليار،  وهـو مـا يمثـل كارثة لمصر، حيث ستصبح حصة الفرد أقل مـن ٦٥٠ متـرًا مكعـبًا مـن المـاء سنويًا، أي أقل من ثلثي المعدل العالمي ”١٠٠٠ متر مكعب للفرد“، وهو ما يستتبعه بالطبع خسارة ٢٠٠ ألف فدان زراعي.. كما أننا إذا صادفتنا خلال سنوات ملء السد سنوات فيضان عالية أو متوسطة فسوف تكون الآثار إيجابية، أما إذا صادفتنا سنوات جفاف فسوف تكون الآثار وخيمة، بل كارثية قد تصل للجفاف.

 

ثاني هذه المخاوف هو أن هذا السد سيؤثر على إمدادات الكهرباء لدينا بنسـبة لا تقل عن ٢٥ %، ولكن تلك النقطة مصر تمكنت من حلها جذريا، ولكن طبعًا كانت الفاتورة عالية.

 

 ثالث المخاوف - من وجهة نظري المتواضعة يعتبر الخطر الأكبر- هو الانقلاب الخطير في الموقف الإثيوبي الذي كان سابقا "يستجدي" الرضا المصري، ولكن الآن رأينا الجانب الإثيوبي "يستأسد" علينا، حيث ظل يراوغ بلين الماكرين حتى 2015، وهي السنة التي تم فيها توقيع اتفاق الخرطوم، ثم بدأ في العمل على إفشال المفاوضات بكل الطرق، ثم تحول إلى صيغة التهديد للجميع، معلنا أن السد سيكتمل شاء من شاء وأبى من أبى، ثم بلغ به ما بلغ، حيث نفى الحقوق المصرية في مياه النيل.

 

المشكلة هنا تكمن في أنه إذا كان هذا هو موقفهم، حيث التعنت والغرور قبل تشغيل السد.. فكيف سيكون الحال عندما يصبح السد أمرا واقعا وتم ملء الخزان؟! 

 

في رأيي أن إثيوبيا حال اكتمال البحيرة - إن لم تقف عند حدها في هذا الملف الشائك والذي يمس الأمن القومي لكل مواطن - ستنسحب من أي اتفاقات سابقة لا تراها في مصلحتها هي فقط، وليموت من يموت، وساعتها لن يكون أمامنا إلا الرضوخ، لأن اكتمال ملء الخزان سيجعلنا حريصين أكثر منهم على سلامته.

 

نقطة أخيرة أود ذكرها وهي أن اتفاق الخرطوم الثلاثي بين مصر والسودان الشقيق وإثيوبيا في 2015 نص على ضرورة اتفاق الدول الثلاث حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، ويلزم أثيوبيا بعدم إحداث ضرر جسيم لدولتي المصب، كما نظم أسلوب الملء الأول للخزان والتشــغيل بالتشــاور والتنســيق مــع تشــغيل السدود الأخرى في السودان ومصر، مع إشراك مصر والسودان في وضع قواعد تشغيل السد وملء بحيرته، ولكنه في ذات الوقت ضمن لإثيوبيا موافقـة مصرية-سـودانية على بناء السـد مـع انتظـار التقرير النهائي للجنة الخبراء الدولية حول آثاره المحتملة على تدفق المياه.

 

كما ينص - للأسف-  فى حالة عدم التزام إثيوبيا بنتائج الدراسات يمكن لمصر اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، ليس للتحكيم وإنما للشكوى فقط بغض النظر عن نتيجتها لكنها ستضاف إلى الملف دولياً، أما التحكيم فلابد أن يتم بموافقة إثيوبيا!

 

كما يمكن أن تلجأ مصر للوساطة الإقليمية والدولية وإقناع المجتمع الدولي بالأخطار التي تهدد شعوب دول النيل والدول المجاورة نتيجة إنشاء السد.

 

وتمتلك مصر تقريرًا صادرًا من لجنة خبراء دوليين في مايو 2014 يؤكد أن إقامة سد النهضة على النيل الأزرق بارتفاع 145 مترًا وسعة تخزينية 74 مليار م3 وتشغيله بشكل منفرد لا يراعى مصالح دول المصب، وهو ما سيمكن إثيوبيا من التحكم الكامل في إيراد النيل الأزرق.

 

وحسنا فعلت مصر عندما أحالت الملف بالكامل لمجلس الأمن، باعتبار أن قراراته ملزمة للجميع، حيث يملك مجلس الأمن صلاحيات تمكنه من توجيه أطراف النزاع باتباع أي وسيلة يراها لتسوية النزاع سلميًا، فيستطيع مثلا أن يأمر أثيوبيا بوقف ملء السد لحين الاتفاق النهائي مع مصر والسودان على القواعد الفنية بالملء والتشغيل، وإلا تكون أثيوبيا مخترقة للقانون الدولي.

 

وحسنا فعل وزير الخارجية سامح شكري عندما قال: “كل الخيارات متاحة أمام مصر لدرء الخطر عن أبنائها”.

 

 ويمكن للمجلس إحالة النزاع لمحكمة العدل الدولية؛ لأنه نزاع قانوني، ووفق عدد من الخبراء والقانونيين، فإن مصر تمتلك حجة قانونية أقوى، وستميل الكفة إلى صالحها إذا ما وصل الأمر إلى المحكمة الدولية.

 

 ولكن أقولها: المعركة ليست سهلة بالمرة، ولكني أثق في القيادة السياسية وما ستتخذه من قرارات في هذا الشأن المصيري.

 

تم نسخ الرابط