التعاون المصري الأفريقي.. نموذج ناجح لتعاون دول الجنوب
يمثل التعاون المصري الإفريقي نموذجا ناجحا للتعاون بين دول الجنوب فيما بينها والذي خصصت الأمم المتحدة الثاني عشر من سبتمبر من كل عام يوما عالميا للاحتفال به لتسليط الضوء على أهمية التعاون بين دول جنوب الكرة الأرضية وجميعها دول نامية.
فقد تم إنشاء الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية في الأول من يوليو 2014 بعد دمج "الصندوق المصري للتعاون الفني مع إفريقيا" مع "الصندوق المصري للتعاون الفني مع دول الكومنولوث والدول الإسلامية والمستقلة حديثًا" في هيئة جديدة.
وأطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية في الخطاب الذي ألقاه خلال القمة الثالثة والعشرين للاتحاد الإفريقي بمدينة مالابو لتبدأ الوكالة عملها رسمياً اعتباراً من 1 يوليو 2014 وتكون الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية هي المنسق الرئيسي للتعاون بين مصر ودول الجنوب النامي وفي مقدتها دول إفريقيا.
الوكالة المصرية للشراكة من أجل للتنمية
وتعمل الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية وفقاً لأحدث قواعد العمل في وكالات التنمية في الدول المتقدمة كذراع تنموي للسياسة الخارجية المصرية، وتركز الوكالة بشكل أساسي على دعم المشروعات التنموية الكبرى في إفريقيا وغيرها من الدول الصديقة النامية بالتركيز على مجالات التنمية، مثل مجالات الاتصالات والنقل وتكنولوجيا المعلومات، الخدمات الصحية، والزراعة، والطاقة، ونقل الخبرات المصرية وتأهيل الكوادر في مختلف المجالات، وذلك بالتنسيق مع الوزارات المعنية في الدولة المصرية نحو إقامة شراكة حقيقية مع القطاع الخاص ومؤسسات التمويل الإقليمية والدولية إلى جانب تطوير آليات التعاون الثلاثي مع وكالات ودول أخرى في مجال توفير الخبرات وإقامة دورات تدريبية وغيرها من برامج التعاون.
وبحسب تقارير الأمم المتحدة.. كانت مصر في تعاونها مع إفريقيا ودول الجنوب سباقة حتى على تأسيس أول كيان أممي للتعاون بين دول الجنوب والجنوب، فقد تم إنشاء مكتب الأمم المتحدة للتعاون فيما بين بلدان الجنوب في عام 1974 لتعزيز وتنسيق ودعم التعاون فيما بين بلدان الجنوب والتعاون الثلاثي على الصعيد العالمي وعلى نطاق منظومة الأمم المتحدة، وكانت القاهرة داعمة لتأسيس تلك الآلية الأممية ودعم جهودها لإدارة وتصميم وتنفيذ سياسات ومبادرات التعاون فيما بين بلدان الجنوب من خلال تحديد وتبادل ونقل الحلول الإنمائية الناجحة التي ابتكرتها بلدان الجنوب.
وعلى الصعيد الإفريقي يعد الصندوق المصري للتعاون الفني مع إفريقيا (EFTCA) هو ذراع الدولة المختص بتنسيق المساعدات الحكومية المصرية للتنمية وبرامج التعاون التنموي مع الدول الإفريقية، حيث تأسس الصندوق عام 1980 بهدف مساعدة الدول الإفريقية ودعم الدور المصري بإفريقيا في مرحلة ما بعد تصفية الاستعمار بعد أن لعبت مصر دوراً تاريخياً كبيراً في دعم حركات التحرر الوطني الإفريقية لتصفية الاستعمار والتمييز العنصري بالقارة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.
وخلال تولي مصر رئاسة الاتحاد الإفريقي في العام 2019 / 2020 واصلت مصر مسيرتها الإنمائية المشتركة مع أشقائها وبلغت أنشطة الصندوق ذروتها وتم عبره نقل و تبادل الخبرة الإنمائية مع كافة الدول الإفريقية ومساعدتها في مواجهة الكوارث الطبيعية التي شهدتها القارة مؤخرا وإيصال الدعم الطبي والإنساني لتمكين الدول الإفريقية الشقيقة من الصمود أمام جائحة كوفيد –19.
آلية عمل الصندوق
وبشكل عام يعمل الصندوق على أساس صيغة تعاون جنوب-جنوب ويهدف إلى مساعدة الدول الإفريقية على تحقيق التنمية المستدامة عبر برامج التعاون الفني والبرامج التدريبية لبناء قدرات الكوادر الإفريقية التي يقدمها لدول القارة في مختلف المجالات وعلى رأسها الزراعة والصحة والتعليم والأمن والدبلوماسية والقضاء والإعلام وكذلك المنح المالية خاصة في مجالي الصحة والزراعة.
وأوفد الصندوق منذ نشأته ما يزيد عن 8.500 خبيرا ومدربا مصريا للدول الإفريقية في المجالات المختلفة كما قام بتدريب نحو 10.000 من الكوادر الإفريقية استقبلتهم مصر، و ذلك إلى جانب نشاطه في تقديم المنح المالية والمساعدات الإنسانية خاصة في مواجهة الكوارث الطبيعية، فضلاً عن إيفاده العديد من القوافل الطبية للدول الإفريقية.
ويتم عبر الصندوق إيفاد أفضل الخبراء والاستشاريين المصريين في المجالات المختلفة وفقًا لاحتياجات الدولة المٌستفيدة، وتنظيم العديد من الدورات التدريبية سنويا، والمشاركة في الجهود الإفريقية الهادفة إلى دفع التنمية في القارة بالتعاون مع المنظمات المحلية والإقليمية والدولية.
التعاون المصري مع إفريقيا
ويعبر التعاون المصري مع إفريقيا ودول الجنوب عن إيمان مصر أن الزراعة، والصحة، والتعليم، وتكنولوجيا المعلومات دعائم أساسية لبناء النهضة الإفريقية، واعتبرت مصر المقار التدريبية في مصر بمثابة مراكز تميز تستخدم أحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا تنظيم الدورات المطلوبة بما يضمن نقل المعرفة.
كما تتنوع البرامج التدريبية التي توفرها الوكالة، وتَعكس احتياجات الدول المستفيدة في المجالات التي تتميز مصر بخبرة كبيرة فيها وهي الدبلوماسية، والنقل، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والرعاية الصحية، والزراعة، والشرطة ومكافحة الجرائم والإرهاب وإدارة المياه والري، بالإضافة إلى تبادل الخبرة ونقلها في قطاعات السياحة، والتصنيع، المساعدة الطارئة والإنسانية، والكهرباء ومصادر الطاقة، والدفاع والأمن، والإصلاح الاقتصادي والإدارة الصناعية والبيئة.
وتعد مجالات إنشاء المزارع التجريبية ودراسات الجدوى للمشروعات الصغيرة، من بين أشكال التعاون المصري مع دول القارة الإفريقية، وتعتبر تنزانيا من أكثر الدول الإفريقية استفادة من التجربة المصرية في إنشاء المزارع المتطورة التي تعتمد نظم الري الحديث.
وعلى صعيد التمويل يتم توقيع اتفاقيات تعاون ثلاثي مع الدول المانحة والمنظمات الدولية والوكالات التنموية بهدف توسيع مجال عمل الوكالة فضلاً عن تعبئة التمويل الإضافي اللازم، وكجزء من التزامها الطويل بإفريقيا، تخصص الحكومة المصرية ميزانية سنوية مستقلة للوكالة، كما يتم تعبئة موارد إضافية من الوكالات المانحة والمنظمات الدولية بناءً على اتفاقيات مع الوكالة.
وتستخدم الوكالة المصرية للتنمية الدولية بنجاح آلية تقاسم التكلفة من خلال التعاون الثنائي مع الدولة الإفريقية المستفيدة، وكذا عَبر التعاون الثلاثي مع دولة مانحة (أو مع جهاز تابع للأمم المتحدة أو مع منظمة دولية) وتسعى الوكالة حاليًا لتوسيع تعاون الثلاثي مع الحكومات المُهتَمة ومع المنظمات الدولية والإقليمية، وتعد اليابان والإمارات العربية المتحدة الشقيقة والبرازيل والصين وإيطاليا وسنغافورة والبنك الإفريقي للتنمية في مقدمة شركاء التعاون الثلاثي المصري الإفريقي، فضلا عن مؤسسات تمويلية من أهمها البنك الإفريقي للتنمية والبنك العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا والبنك الإسلامي للتنمية والصندوق العربي للمعونة الفنية للدول الإفريقية.
وتشمل فعاليات يوم التعاون فيما بين بلدان الجنوب الذي يوافق الثاني عشر من الشهر الجاري فعالية افتراضية رفيعة المستوى عبر الأونلاين تبدأ اعتبارا من -اليوم الأربعاء- وقبل يومين من الاحتفال نفسه، وقبل الاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لإنشاء الأمم المتحدة، وتتيح هذه الفعالية الفرصة للتأمل في الدور الحيوي للتضامن الدولي، فضلا عن الاستجابة بفعالية لأزمة كوفيد - 19.
وخلال الفعالية، ستتم دعوى المشاركين لإبراز دور التعاون فيما بين بلدان الجنوب والتعاون الثلاثي بوصفهما عنصرين مهمين في استراتيجيتها، كما تتضمن الفعالية كذلك تدشين منشور "الممارسات الجيدة في التعاون في ما بين بلدان الجنوب والتعاون الثلاثي من أجل التنمية المستدامة - المجلد الثالث" الذي يعرض أكثر من 200 ممارسة من الممارسات الجيدة التي قدمتها 35 دولة عضو و23 كيانًا أمميا فضلا عن عديد شركاء التنمية الآخرين بما في ذلك منظمات العمل الأهلي الإنمائية والإنسانية ومنظمات القطاع الخاص.
جائحة كورونا ويوم التعاون بين الجنوب والجنوب
وتلقى جائحة كورونا هذا العام بظلالها على احتفالات العالم بيوم التعاون بين الجنوب والجنوب على صعيد التعاون في المجالات الصحية، فقد أصبح هذا النوع من التعاون أكثر أهمية من السابق بعدما أظهر العديد من بلدان الجنوب وفي مقدمتها مصر إدارة قوية لأزمة كورونا والتخفيف من آثارها بما دفع البلدان الأقل نموا في الجنوب وفي إفريقيا إلى إبداء رغبتها في التعلم وتبادل الخبرات مع البلدان التي أظهرت كفاءة في نظمها الصحية وآليات الحوكمة الفعالة والقيادة والتنسيق والتواصل والتماسك المجتمعي أثناء الأزمة.
وتشارك مصر بفاعلية كبيرة في اجتماعات الأمم المتحدة للتعاون بين الجنوب والجنوب، ففي مارس الماضي استضافت بوينس ايرس عاصمة الأرجنتين مؤتمر الأمم المتحدة الرفيع المستوى الثاني المعني بالتعاون فيما بين دول الجنوب الذي طرحت مصر فيه رؤيتها للتعاون بين دول الجنوب والجنوب والتي تمحورت حول ضرورة تمكين دول الجنوب من وضع أولويات أجندة التنمية فيها بناءَ على احتياجاتها وعلى ضوء وبرامجها الوطنية وعلى أسس المساواة والمنفعة المشتركة.
كما تضمنت رؤية مصر، أهمية وضع مؤسسات الأمم المتحدة مبادرات دعم التنمية بين دول الجنوب كهدف رئيسي على أجنداتها من خلال تبادل الخبرات مع دول الشمال ومؤسسات التنمية التقليدية، وتعزيز دور القطاع الخاص في خلق فرص العمل والعمل على تشجيع الاستثمارات من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتعزيز الابتكار والتكنولوجيا الحديثة لزيادة الإنتاجية والتنافسية بين دول الجنوب والاقتصاديات الناشئة والنامية، والاستثمار في رأس المال البشري مع التركيز على التعليم والصحة وكذلك تنمية المهارات لما لها من أثر فعال على مجالات التنمية المختلفة.
وأكدت مصر في رؤيتها على ضرورة تمكين وتنمية المرأة اقتصاديا واجتماعيا والتأكيد على دورها المحوري على طاولة المفاوضات ووضع السياسات، والتحول الرقمي والتنمية من خلال التجارة الإلكترونية والتكنولوجيا، ودعم آليات الحوكمة والشفافية ومكافحة الفساد والعنف والتطرف عن طريق تطوير وسائل المتابعة وجمع وتحليل المعلومات، والاستثمار في البنية الأساسية وبالأخص في شبكات النقل والطاقة الجديدة والمتجددة لتعزيز التجارة والتعاون الاقتصادي بين دول الجنوب، وتطوير أطر عمل التعاون بين دول الجنوب لتحقيق أكبر عائد تنموي بين الدول المعنية .



