الذكرى 47 لانتصارات أكتوبر.. نروي قصص البطولة من أرض الفيروز
في الذكرى السابعة والأربعين لانتصارات السادس من أكتوبر 1973.. نستعيد ونروي قصص البطولة والفداء لأبناء سيناء خلال مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، ومساندتهم القوات المسلحة، من أجل تحرير هذه الأرض المباركة، ما أدى إلى تحقيق النصر الذي تحدثت عنه الأجيال، ولا تزال أصداؤه ترن في الآذان لتذكير الجميع به.
وهنا.. من أرض سيناء.. استطاع أحد أبنائها تسجيل نماذج من البطولات التي قام بها أبناء سيناء دعما لقواتنا المسلحة.. حيث أمكنه تسجيل بعضها على سبيل المثال.. في سلسلة باسم: رجال من ذهب.
لقد سطر المؤرخ عبد العزيز هندي الغالي، عضو اتحاد الكتاب- وهو أحد أبناء مدينة العريش، ومن شهود العيان على ما قام به أبناء سيناء، ومن المشاركين فيه، باعتباره كان عضوًا في منظمة سيناء العربية- نماذج منها في سجله: "رجال من ذهب"، الذي تناول فيه بعض الأعمال البطولية التي قام بها عدد من أبناء سيناء دعما لقواتنا المسلحة.
ويؤكد أن الحركة الوطنية والمقاومة الشعبية بشبه جزيرة سيناء بدأت فور الاحتلال الإسرائيلي، فقد انتهت المعركة تقريبا مساء الأربعاء 7 يونيو، وببزوغ فجر الخميس أصبحت المدينة تحت كامل سيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي، وقام أبناء سيناء على أثر ذلك بإخفاء الأسلحة والذخائر التي تركها الجيش المصري عند انسحابه وقام بتشوينها.
كما قام فريق من أبناء سيناء بتوصيل الجنود والضباط التائهين في الصحراء إلى الضفة الغربية لقناة السويس، وتشكلت فرق للبحث عنهم وتقديم العون لهم، وأن الكل يشهد على معونتهم الصادقة لهم، فقد كان البدوي البسيط يقاسم الجندي أو الضابط المأكل والمشرب ويعطيه الملابس التي يحتاجها والكفيلة بتنكره حتى لا يقع أسيرًا في قبضة الجيش الإسرائيلي، ثم يوصله بناقته إلى البر الغربي من قناة السويس.
وتولت منظمة سيناء العربية إعداد وتنظيم عمليات المقاومة وتشكيل المجموعات الفدائية ضد قوات الاحتلال.. إلى جانب متابعة عمليات تهريب الجنود والضباط وتأمين وصولهم إلى القاهرة عن طريق مجموعات فدائية منظمة على طول الطريق حتى قناة السويس بالتنسيق مع أهالي القرى والتجمعات من قبائل وعائلات مركزي بئر العبد والقنطرة.
وبالإعلان عن قيام منظمة سيناء العربية.. تقرر أن يكون مقر قيادتها داخل الأراضي المحتلة حتى تكون أقدر على التوجيه والتحرك، وكذلك تقرر أن يكون لها ركن خاص في اذاعة القاهرة من خلال راديو صوت العرب لإذاعة النداءات والبيانات الخاصة بها، وكان يقدمه ويشرف عليه ابن سيناء الإذاعي الراحل حلمي البلك.
وأعلن أنه من خلال منظمة سيناء العربية، شهدت مدينة العريش الباسلة ميلاد المقاومة، التي بدأ فيها أول إضراب ضد الاحتلال، يوم 19 أغسطس 1967 خلت شوارع العريش من المارة وتم إغلاق المحلات التجارية استجابة لإضراب عام ضد الاحتلال، ردًا على مزاعم إسرائيلية أن سيناء قد باتت في قبضة الإسرائيليين، وأن أبناءها أصبحوا يدينون بالولاء للعدو الصهيوني، فكان الإضراب ضد وجود هذا العدو بقيادة أعضاء منظمة سيناء العربية.
واستجاب أهالي العريش للمنشورات التي وزعتها المنظمة وتدعو إلى إضراب شامل ضد الاحتلال الصهيوني الذي يزعم أن الشعب في سيناء قد استكان لبطشه وإرهابه، وطالب الأهالي من موظفين وتجار وعمال وفلاحين وغيرهم بعدم التعاون مع المحتل وعدم التجوال في شوارع المدينة أو ميادينها تعبيرًا عن الاحتجاج والاستنكار بوجود المحتل.
كما استجاب الأهالي وأصبحت مدينة العريش مدينة أشباح، وجاء هذا الاضراب متزامنا مع وصول وسائل الاعلام العالمية لتصوير مدينة العريش العاصمة كمدينة هادئة، وأن أهلها يدينون بالولاء لإسرائيل فكانت اللطمة الكبرى للإسرائيليين، وبعدها أمر الحاكم العسكري لقطاع غزة وسيناء وقتها بتعقب رموز الاضراب أو اعتقالهم والكشف عن ماكينات الطباعة التي تطبع المنشورات.. وبعد ذلك خرجت المظاهرات في مدينة العريش تندد بالاحتلال وأطلقت أول قنبلة في ميدان البلدية بمدينة العريش لتعلن عن بداية المقاومة ضد المحتل.
وأضاف أنه خلال فترة الاحتلال، حاول الاحتلال الصهيوني فرض هيمنته على الأرض والإنسان معا، وحتى يقوم بعزل سيناء عن مصر وأمتها العربية بدأ في مخططه الشيطاني بتدويل سيناء في عام 1968، وبدأ في ترويج هذه الفكرة
قام بطرح مخططه في مؤتمر الحسنة بوسط سيناء الذي تم اعداده خصيصا لذلك، ودعا إليه المحتل جميع وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية ومتابعة فورية من راديو جيش العدو ونخبة من أبرز المهتمين بشؤون سيناء في العالم، وتم تجهيز وتدشين كل امكانيات العدو في ذلك الوقت من أجل انجاح هذا المخطط.. حيث تم الاتفاق مع مشايخ سيناء على عقد المؤتمر، وأن يقوم المشايخ بالإعلان عن إقامة دولة في سيناء تحت رعاية إسرائيلية ومظلة أمريكية، ولكن المشايخ فاجأوا العدو والعالم كله برفضهم لهذا المخطط جملة وتفصيلا وكانت كلمتهم التي هزت عرش هذا الكيان الصهيوني واضحة ومجلجلة وقالها نيابة عنهم: الشيخ سالم الهرش، وهي: "سيناء مصرية وستظل مصرية تحت قيادة الرئيس جمال عبد الناصر وأن باطن الأرض أكرم لنا من ظهرها اذا ما وافقنا على هذه المخطط الإسرائيلي"، وتمسك أبناء سيناء بانتمائهم المصري ورفضهم التعاون مع العدو الصهيوني بأي شكل من الأشكال لينجح أبناء سيناء في أول اختبار للوطنية بدرجة امتياز.
وتحطمت فكرة التدويل الصهيونية على صخرة وعي البدوي بوطنيته وقوميته، وبسبب هذا الرفض تعرض أبناء سيناء من مشايخ وشباب ونساء إلى أبشع أنواع التعذيب وكبت الحريات، وفتحت المعتقلات لأبناء سيناء وحرموا من المواد الغذائية وأبسط حقوق البشر ليبدأ أبناء سيناء مرحلة المقاومة الحقيقية والتي أزعجت الصهيانة طوال فترة الاحتلال الإسرائيلي لسيناء، وكان لمنظمة سيناء العربية السبق في هذه المقاومة.
كما كان لأعضاء منظمة سيناء العربية دورا بارزا في نقل الأخبار الدقيقة للقيادة العسكرية في القاهرة بالإضافة إلى الكفاح المسلح، حيث قام عدد من المجاهدين من أعضاء المنظمة بتنفيذ عدة عمليات فدائية، فتم ضرب احدى القواعد البحرية للعدو بصواريخ موقوتة، وكذا ضرب مقر الحاكم العسكري في العريش بصواريخ الكاتيوشا وعدد من المواقع العسكرية في مصفق ورمانة والقنطرة والعريش، ومن خلال أعضاء منظمة سيناء العربية أصبحت سيناء كتابا مفتوحا للقيادة المصرية بفضل خبرة أبناء سيناء.. حتى إن وزير الدفاع الإسرائيلي موشي دايان اعترف بقدرة المخابرات المصرية على اختراق إسرائيل، وأن المصريين كانت عندهم رادارات بشرية تسبح بالليل وتنام بالنهار ولم نفلح في التقاط هذه الرادارات البشرية.
وأضاف أنه مثلما كان الوضع في العريش العاصمة كان في باقي مراكز ومدن المحافظة.. ففي مركز بئر العبد المتاخم لقناة السويس وحتى مدينة العريش شرقا كانت المقاومة على أشدها.. حيث تم تجنيد المئات من المجاهدين في رصد المعدات المتوجهة إلى الجبهة عبر طريق الساحل الشمالي من العريش إلى القنطرة، وكان لأبناء مركز بئر العبد الدور البارز في نقل المجاهدين من بورسعيد حتى سيناء.. كما كان للمرأة دورا كبيرا في منطقة بئر العبد، وكان للمجاهدين دورا كبيرا في قصف معسكر العدو الإسرائيلي في منطقة مصفق.. حيث تعرض هذا المعسكر لأكثر من عملية قصف صاروخي طوال فترة الاحتلال على يد البطلين الشهيدين: مبارك أبو صلاح وعبدالكريم أبو لافي، وكان هذا المعسكر من أكبر المعسكرات الإسرائيلية في سيناء، وهكذا.. كان الوضع في مختلف مناطق سيناء شمالًا وجنوبًا.. حيث كانت كلها محافظة واحدة وعاصمتها العريش.
وقبل أن تبدأ حرب أكتوبر كان لدى القيادة المصرية كل المعلومات الدقيقة عن العدو وعدد المعدات العسكرية الإسرائيلية على الجبهة بفضل أعضاء منظمة سيناء العربية وكل أبناء سيناء، وقد قالها أحد القيادات العسكرية بأن كل بيت في سيناء كان له دور في تحرير سيناء.
وأضاف: لقد واصل أهالي العريش كفاحهم بإيواء الجنود والضباط ومساعدتهم في السفر إلى القاهرة من جهة ومساعدة الفدائيين المتسللين عبر القناة من جهة أخرى للعمل خلف خطوط العدو، علاوة على قيامهم بعمليات استخباراتية وامداد القيادة المصرية بكافة المعلومات عن القوات الإسرائيلية وتحركاتها وأسلحتها وتمركزها وغير ذلك.. كما قامت مجموعات المقاومة السرية بعدة عمليات فدائية ضد قوات الاحتلال وتمكنوا من تكبيدها خسائر كبيرة كان لها فضل رفع الروح المعنوية لدى الشعب المصري الذي كان في أمس الحاجة اليها.
وتولت منظمة سيناء العربية اعداد وتنظيم عمليات المقاومة وتشكيل المجموعات الفدائية ضد قوات الاحتلال.. إلى جانب متابعة عمليات تهريب الجنود والضباط وتأمين وصولهم إلى القاهرة عن طريق مجموعات فدائية منظمة على طول الطريق حتى قناة السويس بالتنسيق مع أهالي القرى والتجمعات من قبائل وعائلات مركزي بئر العبد والقنطرة.
ويسجل التاريخ لأبناء سيناء قيامهم بعدة عمليات مهمة، منها على سبيل المثال: نقل كميات من الأسلحة الخفيفة ومدافع الهاون وبعض أجهزة اللاسلكي والتي استخدمت لاحقًا في تسهيل عمليات الاتصال بالقاهرة ونقل المعلومات المخابراتية عن العدو وفي تنظيم الاضرابات ضد العدو، متمثلا في إضراب العريش الشهير في ١٨ أغسطس ٦٧ في أكبر تحدى للسلطات المحتلة، والذي نظمه الراحل المهندس الكاشف محمد الكاشف عضو مجلس الشعب السابق مع مجموعة كبيرة من شباب العريش الذين تولوا صياغة وكتابة أول منشور يدعو الأهالي والسكان للإضراب احتجاجًا على الاحتلال الإسرائيلي وعدم مشروعيه تواجده على أرض سيناء.
كما تطوع أكثر من 850 فردًا من أبناء سيناء كفدائيين للعمل مع الجيش، حيث قاموا بثلاث مهام رئيسية وأساسية، وهي: جمع المعلومات عن جيش العدو، تصوير مراكز وقواعد وارتكازات جيش العدو، والقيام بالعمليات الفدائية والاعتراضية خلف الخطوط والمواقع المتأخرة لجيش العدو.
كما حصل أكثر من 750 فردًا من أبناء سيناء على أنواط وأوسمة من الرئيس الراحل محمد أنور السادات تقديرًا لاشتراكهم وبطولاتهم ومساهماتهم في احراز النصر.
واستعرض نماذج من البطولات التي قام بها أبناء سيناء دعما لقواتنا المسلحة، حيث أمكنه تسجيل البعض منها على سبيل المثال في سلسلة باسم: "رجال من ذهب" تناول فيها بعض الأعمال البطولية التي قام بها عدد من أبناء سيناء دعما لقواتنا المسلحة، حيث قاموا بعمليات إتلاف للمعدات والأسلحة التي تركتها القوات المصرية بعد انسحابها من سيناء حتى لا يستفيد منها العدو.
وتحكي سلسلة "رجال من ذهب" 12 قصة من القصص الواقعية للأبطال “منهم من استشهد ومن توفاه الله بعد ذلك، ومنهم من بقى على قيد الحياة حتى الآن” منها قصة بطل مصري من جنودنا البواسل الذين رفضوا الانسحاب ولجأ بسلاحه إلى منزل الحاج اسماعيل أغا جبريل بالقرب من جسر وادي العريش بعد أن دق على أول منزل صادفه ففرح به صاحب المنزل وأواه مع أولاده ومنحه اسمه ليتخفى عن ملاحقة العدو له، وكان معه سلاحه الآلي وخمس قنابل يدوية وجبل من الارادة والتحدي والتصميم على مواصلة القتال برغم أوامر الانسحاب، وما أن شاهد دورية إسرائيلية شاهدته وهو يدخل المنزل حاملا سلاحه فأطلقت النيران تجاهه غير عابئة بالأهالي داخل المنزل.. فما كان من الجندي واسمه فتحي إلا أن بادلهم إطلاق النار وأسفر ذلك عن قتل 12 جنديًا إسرائيليًا وأصيب البطل المصري إصابة بالغة في صدره.
وقامت ربة المنزل بتطبيبه بالطب العربي، لكنه استشهد ودفن بفناء المنزل في نفس الخندق الذي كان متحصنًا فيه، واشتهر منزل إسماعيل أغا بمنزل الشهيد.
كما تناول في مؤلفه "سلسلة رجال من ذهب" أكبر عملية إصدار بطاقات هوية مدنية للضباط والجنود الذين استضافتهم بيوت المدينة بعد أن حصل أفراد المقاومة الشعبية على كامل معدات وأختام الأحوال المدنية من قسم العريش الشمالي، قبل أن تدكه الطائرات الإسرائيلية، وقاموا بعمل هويات جديدة بوظائف مدنية مثل: مدرس وطبيب ومهندس وعامل وتاجر ومقاول وصياد إلخ، حتى لا يقعوا أسرى في قبضة الاحتلال.
كما تولى المرحوم المصور سليم سليلة الشهير بسليم كوداك وبعض من مساعديه ومعاونيه المرور وطرق أبواب المنازل في سرية تامة للسؤال عمن يوجد لديهم من الجنود والضباط لتصويرهم فوتوغرافيًا لعمل بطاقات هوية جديدة لهم للتمويه على قوات الاحتلال في حال لقائهم، وتم نقلهم في مجموعات لتهريبهم عبر الصحراء وصولًا إلى مدينة بئر العبد، حيث تنتظرهم قوارب ومراكب صيادي بحيرة البردويل لتوصيلهم في جنح الظلام إلى مدينة بورفؤاد ببورسعيد لمواصلة طريقهم إلى القاهرة.
وكذلك قصة الشباب من أبناء سيناء الذين كونوا مجموعة اللاسلكي للتواصل مع القوات المصرية وتوصيل كافة المعلومات الخاصة بقوات الاحتلال، إلى أن تم القاء القبض عليهم ومحاكمتهم، وغيرهم الكثير الذين ضربوا أروع الأمثلة في مقاومة الاحتلال والتصدي لكل مؤامراته خلال فترة الاحتلال حتى تم تحرير سيناء كنتيجة مباشرة لانتصارات السادس من أكتوبر 1973 التي نحتفل بذكراها الآن.
وأكد أنه بالرغم من مرور أكثر من 53 عامًا على احتلال سيناء عام 1967 مرورا بحرب الاستنزاف ونصر أكتوبر 1973 وعودة سيناء عام 1982 وحتى الآن.. فلا يزال أبناء سيناء هم القاسم المشترك الأعظم لما لهم من دور كبير في دعم ومساندة قواتنا المسلحة حتى تحقق النصر، وكما كان لأبناء سيناء من دور كبير في تحرير سيناء.. فإن لهم نفس الدور في تنميتها والذود عنها ضد أي مخاطر في الوقت الحالي.



