أ.د. عمرو عبد السلام شعت يكتب: جامعات جديدة - فرصة للنهوض بالبحث العلمي
في حفل افتتاح جامعة الملك سلمان بمحافظة جنوب سيناء كشف الدكتور خالد عبد الغفار وزير التعليم العالي والبحث العلمي عن خطة الحكومة لإقامة المزيد من الجامعات الجديدة لتضاف إلى حوالي 67 جامعة مصرية ما بين جامعات حكومية أو خاصة أو أهلية طبقا لرؤية مصر 2030. تمثل سياسة التوسع في إنشاء جامعات جديدة أبعادا مهمة من النواحي التعليمية والاجتماعية والاقتصادية.
فمن الناحية التعليمية ستسمح هذه الزيادة في أعداد الجامعات بتقديم خدمات تعليمية أكثر جودة نتيجة إنخفاض الكثافات الطلابية في المدرجات والمعامل، وكذلك إستيعاب الزيادات السكانية المستقبلية، كما أنها تخلق مناخا تنافسيا محمودا بين الجامعات المصرية مصحوبا بإرتفاع لمستواها الأكاديمي.
كما تساهم الجامعات الجديدة في الحد من تنامي ظاهرة سفر الأبناء للدراسة خارج البلاد بما له من مردود اجتماعي واقتصادي على مستوى الأسرة المصرية. ومما لاشك فيه أن هذه الجامعات ستساهم في إجتذاب العقول المصرية النابغة الممثلة في أعضاء هيئات التدريس التي تبحث عن فرص عمل في الجامعات الخارجية.
كما شرح وزير التعليم العالي والبحث العلمي في حفل الافتتاح إستراتيجية الوزارة في تصميم البرامج الدراسية بالجامعات الجديدة بما يتناسب أولا مع متطلبات سوق العمل وثانيا مع موقع الجامعة الجغرافي لتحقيق خدمات تنموية بالإقليم المحيط بالجامعة.
في هذا الصدد أجد أنه من الضروري أن تنتهز وزارة التعليم العالي والبحث العلمي هذه الفرصة الذهبية التي تتوسع فيها الدولة في إنشاء الجامعات وتشرع في وضع رؤية شاملة للجامعات الجديدة من خلال تبنيها سياسات أكثر وضوحا لمنظومة البحث العلمي تكون بمثابة انطلاقة مصرية للتحول إلى عصر المعرفة والحداثة وتنمية القدرات التنافسية لمؤسسات الدولة بما لها من مردود واضح للإسراع من وتيرة النمو الاقتصادي ودعم جهود التنمية المستدامة.
في السطور القليلة القادمة سأحاول إستعراض بعض المؤشرات التي يمكن أن ترسم بعضا من ملامح الوضع الحالي لمنظومة البحث العلمي بمصر في إطارها الدولي والإقليمي لتقدير حجم الفجوة التي تفصلنا عن المجتمعات المتقدمة في البحث العلمي والتي نأمل لمصر أن تعبرها سريعا حتى تتبوأ مكانتها الطبيعية وتستعيد ريادتها التاريخية.
تضطلع مؤسسة Scimago لتصنيف الدوريات العلمية وترتيب الدول في مجال الأبحاث العلمية بإصدار تقارير إحصائية منذ عام 1996 عن الإنتاج العلمي للدول والمنشور بالدوريات العالمية. في تقريرها الأخير الصادر في شهر إبريل الماضي إحتلت مصر المرتبة رقم 37 على العالم في الإنتاج العلمي من حيث الكم، حيث رصد التقرير قيام العلماء والمؤسسات المصرية بالمساهمة في إعداد حوالي 230 ألف بحثا علميا منشورا في حين إحتلت الولايات المتحدة الأمريكية قمة القائمة بـ 12.8 مليون بحث.
شملت قائمة العشر دول الأوائل على مستوى العالم دول الصين وإنجلترا وألمانيا واليابان وفرنسا وإيطاليا وكندا والهند وأستراليا على الترتيب. أما في مؤشر ال H-index وهو مؤشر يدل على مدى أهمية الأبحاث المنشورة وفائدتها للمجتمع العلمي، صنف التقرير مصر في المرتبة الـ 47 على العالم بقيمة H-index تساوي 288 في حين إحتفظت الولايات المتحدة بصدارتها للترتيب العالمي بقيمة تساوي 2386.
أما على مستوى الترتيب العالمي للجامعات فقد إحتلت الجامعة الأمريكية بالقاهرة المرتبة رقم 411 على العالم بحسب تصنيف QS لعام 2021 في حين إحتلت جامعة القاهرة المرتبة رقم 561 وجاءت جامعتي عين شمس والأسكندرية بالتساوي في المراكز من رقم 801.
أما على مستوى القارة الإفريقية فنجد أن مصر تحتل المركز الثاني بعد دولة جنوب إفريقيا التي ساهم علماؤها في إعداد ونشر 303 ألف بحث بنسبة زيادة 32% عن الإنتاج العلمي لمصر. كما يصل مؤشر H-index لجنوب إفريقيا إلى 468 بنسبة زيادة 62.5% عن قيمة المؤشر المصري.
جدير بالذكر أن تعداد السكان في جنوب إفريقيا يصل إلى 57.8 مليون نسمة بحسب إحصائيات عام 2018.
كما أن جنوب إفريقيا بها عدد 26 جامعة حكومية في مقدمتهم جامعة كيب تاون التي تحتل المرتبة رقم 220 على العالم.
أما على مستوى الدول العربية فتأتي مصر في المركز الأول في عدد الأبحاث المنشورة لكنها تأتي في المركز الثاني خلف المملكة العربية السعودية في مؤشر ال H-index حيث تصل قيمة المؤشر السعودي إلى 361 بنسبة زيادة 25.3% عن قيمة المؤشر المصري.
جدير بالذكر أن تعداد السكان في المملكة العربية السعودية يصل إلى 33.7 مليون نسمة بحسب إحصائيات عام 2018. كما أن المملكة بها عدد 30 جامعة حكومية في مقدمتهم جامعة الملك عبد العزيز التي تحتل المرتبة رقم 143 على العالم متفوقة على جامعات عريقة مثل جامعة ماكمستر بكندا (144) وجامعة آخن بألمانيا (145) وجامعة يورك بإنجلترا (150).
بالنظر إلى بعض الإحصائيات الآخرى الواردة في تقرير مؤسسة Scimago يمكن رصد بعض النقاط الإيجابية التي ينبغي البناء عليها، فعلى سبيل المثال إزداد الإنتاج العلمي لمصر منذ بداية الألفية الجديدة من 0,25% من مجمل الإنتاج العالمي سنة 2000 إلى نسبة 0,77 % في سنة 2019 بزيادة ثلاثة أضعاف وهو تقدم ملحوظ، خاصة أن التقرير يرصد نقصان في مساهمات دول المقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا وألمانيا بالنسبة للإنتاج العالمي.
كما يرصد التقرير تطورا ملحوظا في زيادة عدد الأبحاث التي شهدت تعاونا ومشاركة بين العلماء المصريين ونظرائهم في دول العالم من 28,29% عام 2000 إلى 53,01% في عام 2019، وهو مؤشر مهم جدا يدل على مواكبة الأبحاث المصرية والعلماء المصريين لأحدث الإتجاهات البحثية في العالم.
بناء على ما تقدم من شرح مختصر لوضع البحث العلمي في مصر ومقارنته ببعض المؤشرات الدولية فإننا ننظر إلى إتجاه الدولة مؤخرا للتوسع في إنشاء الجامعات الجديدة وما يصاحبها من زيادة لقدرات البحث العلمي في مصر بكثير من الأمل في غد أكثر إشراقا ومستقبل أكثر إزدهارا.
أستاذ بكلية الهندسة جامعة عين شمس



