السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

بدايات الظهور السياسي لقبائل الماندنجو

بوابة روز اليوسف

يرجع الظهور السياسي الأول لقبائل الماندنجو على مسرح التاريخ الإفريقي إلى زمن بعيد، لكن قلة المعلومات بسبب ندرة المصادر واختلاط الروايات الشفوية المتواترة بالأساطير تحول دون تحديد تاريخ ظهورهم بدقة، كما أن السجلات والوثائق لم تدون إلا بعد مرور نحو سبعة أو ثمانية قرون، ولم تهتم الأخبار القليلة التي وصلتنا سوى بأحوال الأسر الحاكمة. 

 

وهناك رواية تقول إن ظهور هذه القبائل يرجع للفترة التي تكونت خلالها مملكة غانة قبل البعثة النبوية بزمن طويل، في فترة يقدر مداها الزمني بعهود نحو 22 ملكًا في غانة، إلا أن مملكة الماندنجو ظلت تنمو وتتسع تدريجيًا في إقليم كانجابا بأعالي نهر النيجر، ويرجع ظهورها السياسي إلى حوالي القرن الأول الهجري/ السابع الميلادي، أو قبل هذا القرن، وقد حكمها منذ فجر ظهورها ما لا يقل عن ثماني أسر، ورغم أن الأسر الأولى غير معروفة إلا أن بعض الكُتاب أورد عدة أسماء لها دون أن يكون هناك معلومات عنها، منها أسرة كوروما (Kuruma)، وديارا (Diara)، ومركو Mareko))، وكامارا Kamara))، وباكايوكو Bakayoko)).

 

 

ويبدأ دور قبائل الماندنجو السياسي بظهور الأسر الحاكمة التي تولت مقاليد الحكم، وقد تلت الأسر الأولى غير معلومة التاريخ، أسرة التراوريين (Traore) التي ظهرت في منطقة كيري (Kiri)، وكانت عاصمتها مدينة نياجاسولا ((Niagassola عند أعالي نهر باخوي، أحد فروع نهر السنغال، وتمتع حكام هذه الأسرة باستقلال تام.

 

 

وتذكر الرواية الشفوية أن مؤسس هذه الأسرة هو "منسا نوفن تراورا" (Mamsa Nofin Traoura) وأنه اعتنق الإسلام، بينما يؤكد البكري أن سبب دخول ملك مالي في الإسلام يرجع إلى الجفاف الذي عرفته بلاده، والذي استمر سنوات متتالية أهلك خلالها السكان الكثير من الحيوانات تقربًا إلى أصنامهم لوضع حد لهذا الجفاف، مما شجع أحد الدعاة المسلمين المستقرين في حاضرة السلطان إلى التدخل بعد أن شكى إليه الملك حال بلاده، فربط هذا الداعية نهاية الجفاف باعتناق الملك للإسلام، وكان معظم أهل مملكته مشركين، فسمو ملوكهم منذ ذلك الوقت بالمسلماني، وتلقب بلقب "منسا" التي تعني ملك عند الماندنجو، ولا يزال بقايا هذه الأسرة إلى اليوم، ويلقب أفرادها بالتراوريين أو النوفيين نسبة إلى هذا الجد البعيد.

 

 

وعملت أسرة تراوري في حرفة الصيد، ولذا تُعد من أقدم الصيادين في المنطقة، وهم أول من استوطن مناطق "سيري" و"غاغار" و"دو"، وتشكل هذه المناطق قلب بلاد الماندنجو، كما تعد من أقدم المواقع المسكونة في النيجر الأعلى، ومقرها داكجالان(Dakadjalan) . 

 

 

وبعد نهاية حكم أسرة التراوريين ظهرت أسرة الكوناتيين (Conate) في إقليم دودوجو (Dodougu) شمال منطقة كيري، ويعرف باسم "دو"، وقد أشار إليه البكري باسم "مملكة دو"، واتخذت هذه الأسرة مدينة طابو (Tabou) عاصمة لها، ويُعد "جمبا كوناتي" من حكامها الأوائل، ولم تشر المصادر إلى كيفية انتقال السلطة بين قبائل الماندنجو من أسرة التراوريين إلى أسر الكوناتيين، إلا أنه من المرجح أنها كانت بطريقة سلمية عن طريق المصاهرة بين الأسرتين من خلال توريث ابن البنت، وذلك نظرًا للدور الذي كان يتمتع به صيادو آل تراوري في ظل حكم أسرة كيتا فيما بعد، وليس أدل على ذلك من الدور الذي قام به القائد "تيرا ماغان تراوري" وجيشه من الصيادين في حروب سندياتا التوسعية، بالإضافة إلى المكانة التي كان يحظى بها عند سندياتا نفسه. 

 

 

ولم يكن حكام هذه الأسرة الأوائل يتمتعون بأي سلطات، وإنما كانوا مجرد تابعين لمملكة غانة، ينصبهم ملكها ويعزلهم كما يشاء، وهو ما أعطى الغلبة والتفوق لمملكة كيري على جارتها "دو"، بحيث قام حكام كيري بتوحيد المملكتين في مملكة واحدة وهي كيري، والتي تحول اسمها فيما بعد إلى مندي أو ملل، بينما اختفى اسم "دو"، وقد كان من عادة بلاد السودان وجود ممثل لسلطة الإمبراطور في كل مملكة تابعة، وظيفته الرئيسة إبلاغ الإمبراطور عن الوضع السياسي، وكان يشغل هذه الوظيفة عادة عبد سبق تحريره، ويرجح أن أبناء الكوناتيين قد أصبحوا حكامًا مستقلين عندما انهارت مملكة غانة.

 

 

ومن المرجح أن ملك أسرة الكوناتيين قد أسلم في القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، وهو الملك "جورماندا كوناتي"، وحُرف في المصادر العربية إلى اسم برمندانه، ولم تشر المصادر عن خلفاء "جورماندا كوناتي" سوى اسم "منسا ألو" Alo.

 

 

وتذكر الروايات الشفوية أن منسا جورماندا كوناتي أو برمندانه قد اعتمد في حكمه على طبقة البولا (Boula)، وهي طبقة من العبيد المحررين كما تداولتها لغة الماندنجو، واتخذ ملوك الماندنجو قادة جيوشهم وحكام الولايات وجباه الضرائب، وأغلب معاونيهم ومستشاريهم من هذه الطبقة، ونظرًا لأهميتها عند الماندنجو كان رئيسها شخصية قوية يتمتع بنفوذ كبير، وجرت العادة أن ينتخب هذا الرئيس بواسطة البولا أنفسهم، وبمرور الوقت تكونت من هذه الطبقة أسر قوية ذات نفوذ واسع وثراء كبير مثل أسرة السوخيين، والكاماريين وغيرهما. 

 

 

وظلت الأسرتين من التراوريين والكوناتيين يحكمون ما اصطلح على تسميته باسم مملكة مالي الأولى المكونة من إقليمي كيري ودودجو، ويطلق أحيانًا على هذين الإقليمين اسم واحد هو "دو ني كيري" (Do- Ni- Kiri) لكن عهد الشهرة والظهور في تاريخ قبائل الماندنجو أتى مع ظهور أسرة كيتا، والتي تعد من الأسرة المهمة في تاريخ قبائل المانجو السياسي في بلاد السودان الغربي.

 

مدرس التاريخ والحضارة الإسلامية – جامعة الأزهر  

تم نسخ الرابط