ربما لا تنتهي الدروس المستفادة من مواجهة الأهلي للعملاق الألماني بايرن ميونخ، في نصف نهائي كأس العالم للأندية، التي خسرها بطل إفريقيا بهدفين نظيفين، في حدث فريد من نوعه، لكن يظل أبرز تلك الدروس المستفادة، هو إصرارنا كجماهير وإعلام على حالة العناد والمكايدة بين الأهلاوية والزملكاوية، والدخول في فواصل متنوعة فيما يعرف باسم «التحفيل»، في حين أن المباراة العالمية الكبيرة، كشفت لنا جميعا بما لا يدع مجالا للشك الفارق في المستوى «الفكري» بين ما نقدمه وبين ما يقدمه هؤلاء، نعم، أشدد على الفارق «الفكري»، ولها تفسير مطول لاحقا، فلم ولن نستفيد من تهميش بعضنا لبعض، ولن نتقدم ونحن نكسر عظام بعضنا.
انشغلنا كثيرا بالمعايرة والتشمت في الخسائر، كلا بطريقته ومستواه، سواء كان أمام غزل المحلة بالنسبة للزمالك في الدوري، أو أمام العملاق البافاري بالنسبة للأهلي في مونديال الأندية، ليمر الوقت، بل يسرق عمدا، ونفاجأ جميعا بأن هذا الوقت المهدر لسنوات، استفاد منه الأوروبيون وحولوا فيه كرة القدم إلى علم حقيقي يدرس في الكليات والجامعات، فظهر الفارق الفكري الشاسع بين ما نقدمه وما هم يقدمونه، خاسرين جهودًا كان يفترض أن تتبوأ مكانة أفضل، فالكرة المصرية لا تقل أهمية عن نظيرتها الأوروبية، هكذا يبرهن محمد صلاح نجم ليفربول بجيناته المصرية الأصيلة بشكل عملي، على صعيد اللاعبين.
فمحمد صلاح أحد الكوادر العالمية، ومن فصيلة من واجههم الأهلي في المونديال، لكن الفارق أن صلاح اختار لنفسه التركيز، وعدم الانشغال بأمور فرعية تافهة، فكان صلاح نموذجا رائعا، ليؤكد أن الجينات المصرية قادرة على تقديم المزيد، شرط أن نخرج مما نحن فيه، وإذا صدر لنا متشائم وجهة نظره، بأن صلاح استثناء ولن يتكرر، فكيف نجح المدرب حسن شحاتة في الفوز على إيطاليا، وهي في قمة مجدها بمونديال القارات، ومن بعدها إحراج البرازيل، وغيرها وغيرها من الجولات المشرفة، ألم يأت الوقت كي نثق في قدراتنا وإمكانياتنا بأننا قادرين على مقارعة الكبار، هكذا يقول الماضي والحاضر والمستقبل، شرط أن يتوافر لدى الكرة المصرية مسؤولون حقيقيون قادرون على إفراز أفكار بدلا من قرارات الهدم.
من بين تلك النماذج الهدامة، خطوة اتحاد الكرة برئاسة أحمد مجاهد، الذي قرر فجأة إعادة استيراد حراس المرمى الأجانب، في خطوة فاشلة ستضر بهذا المركز، فكيف نثق بمثل هذه النوعية من الإداريين الذين يأخذون بأيدنا إلى الوراء، وليس إلى الأمام، بالضبط كما فعل الجنوب إفريقي بيتسو موسيماني المدير الفني للأهلي، الذي عاد بجماهير ناديه إلى سنوات مظلمة قديمة، فلم ينجح حتى في مقارعة نظيره البرتغالي مانويل جوزيه الذي ترك الفريق منذ سنوات تاركا له المركز الثالث عالميًا، ومن المفترض أن يأتي من يأتي بعد جوزيه سواء كان موسيماني أو غيره بالجديد، وما هو أفضل من ثالث العالم، خصوصا أن فريقين إفريقيين سبق ووصلا إلى نهائي مونديال الأندية، مازيمبي الكونغولي وصيف 2010، والرجاء المغربي وصيف 2013، فمتى يتقدم الأهلي لما هو أفضل من ثالث العالم؟
سؤال عجز موسيماني عن تقديم إجابة له، بسبب خوفه الشديد أمام بايرن ميونيخ، فمواجهات الأهلي أمام الفرق الأوروبية العالمية تجاوزت الـ30 مواجهة ما بين ودية ورسمية، ومؤخرا كان الأهلي ولا يزال عنوان الكرة في القارة السمراء على صعيد الأندية، وخاض مواجهات لا تنسى أمام ريال مدريد وبرشلونة وبايرن ميونخ ذاته، وخسرها جميعا تقريبا، لكن مع الخسارة كانت هناك ندية وقوة شخصية وإثارة، ثلاثة عناصر فشل موسمياني «الضعيف فنيا» في تقديمها، كنت أتصور لو كان الزمام في يد جوزيه، لكان الوضع تغير كثيرا، ليس على الصعيد الفني والبدني، فهي مسيرة إعداد لسنوات، كما أنه ليس عملا بين يوم وليلة، لكن أضعف الإيمان أن يتحلى المدرب بمساحة من اللباقة وفصاحة اللسان المقنع يغلفها قدر كبير من الثقافة لإعداد لاعبيه لهذا المواجهة، دون أن يخلو الأمر من وضع بعض السيناريوهات الفنية على أمل خطف تعادل، والوصول إلى ضربات الحظ الترجيحية مثلا.
سيناريو مشروع جدا، لكن موسيماني عجز عن تقديمه، وأظهر الأهلي في أسوأ شكل ممكن في العام 2021، في حين أن الأهلي مع جوزيه قبل عشر سنوات مثلا، كان يقدم أفضل من هذا بكثير، فبدلا من أن نتقدم نتراجع إلى كرة قدم عقيمة عفى عليها الزمن، جوزيه لو كان ساحرا كما كان يلقبه جمهوره، فكان مكمن سحره في لسانه وفكره وثقافته، هكذا يكشف نجومه بعد اعتزالهم، عندما يستطردون في الحديث عنه، فيشرحون كيف كان يفكر ويعد لاعبيه نفسيا وذهنيا، لذا كان هناك دائما مفاجآت مذهلة في وجوده، وبالمناسبة هي مدرسة ليست قاصرة فقط على الأجانب، بل كانت مدرسة حسن شحاتة أيضا التي كان ينتهجها طوال مسيرته الناجحة مع المنتخب، لتكمن القضية في الثقافة، وفن طريقة تقديمها.



