
محمود همام الصعيدي يكتب: دراما الصعيد وتأجيج العرقية

كان الفن يجسد صورة حقيقية أو على الأقل قريبة لمحاكاة الواقع الذي نعيشه، وقد تعالج الصورة شيئا من الألم والمعاناة التي يعيشها المجتمع وقد يعرض تأريخا للحقب الحياتية وقد نجد حلولا لإنهاء أو معالجة تلك المعاناة مثلما عرضت الدراما في السنوات الثلاثين الماضية من صورة حقيقية للعشوائيات وما يكمن فيها من جماعات متطرفة وإرهاب مندس وسط التكتلات السكنية بها وعرضت الدراما ما فيها من عربدة ومخدرات وجهل وانحراف أخلاقي، وهو ما آلت إليه النتيجة بأن سعت الدولة جاهدة للقضاء على العشوائيات من أجل حياة كريمة وتغيير الواقع المرير الذي عرضت جزءًا منه الدراما في الماضي.
اليوم نجد ألمًا وحسرة مندمجين لما نراه كل عام في موسم السباق الرمضاني، كما يطلقون عليه، من إجحاف وظلم وتبلٍّ على الصعيد الذي عرف بالنسبة للأجيال الحالية منذ الفتح الإسلامي بأبنائه مثل العقاد وطه حسين ورفاعه الطهطاوي من المقامات الأدبية والطيب والإدريسي ومحمد سيد طنطاوي من المقامات الدينية ويعقوب في الطب وغيرهما في كل المجالات.
ولذا من المؤسف أن تحول الدراما الواقع البسيط الحالم إلى تزييف لا يمت له ببنت شفه مما يعرض لا قولا ولا فعلا ولا لهجة بل إن الحبكة الدرامية بها التباس وتزييف للحقائق التي نعلمها كصعيد مصر وأن هذا الطرح بهذا التضليل حتما ستكون نتيجته قلبا للواقع وتحويلا إلى مسار غير محمود سيدفع ثمنه الجيل القادم الذي يجسد له صعيد النار والثأر والدماء والقتل والمخدرات والجهل الذي لا سبيل له.
قصور وفيلات وسيارات فارهة لأعلى الماركات هل هذا صعيدنا؟ بالطبع لا وألف لا، إن صعيد مصر هو روح حقيقية للأرض السمراء والزرع الأخضر والنيل الأزرق وبيوت مليئة بالدفء كان معظمها مبنيًا من الطين حتى العقدين السابقين وهو ما انعكس على القلوب التي عاشت فيها. إن الصعيد تنور وتقدم ولكن ليس بالفيلات والسيارات بل بالعلم، تنور بهذه المرأة التي سهرت الليالي على وليدها حتى صار طبيبا بارعا في مصر وأوروبا، والتي سهرت على ابنها بعد وفاة الزوج حتى صار مهندسا كبيرا يبني ويعمر في مصر والخليج العربي، هن من أنجبن ضباطا بالجيش والشرطة، محامين وصحفيين ومعلمين ومن كل المهن الشريفة جاءوا من صعيد مصر طلبا للعلم أو العمل الشريف سعيا وراء الأخلاق ونبذ العرقية التي تبرزها الدراما الآن ونبذا الجهل حتى من عانوا من جيل قديم من الثأر ودفعوا ثمنا لم يكونوا ذنبا فيه من الخوف والهلع نجحوا في النهاية أن صنعوا جيلا جديدا يحتفي بأنه من صعيد مصر الأسمر الطيب وليس من صعيد المخدرات والجرائم، وهنا وقفتنا مع من يحاولون تدمير الصعيد رمزا وناسا وارضا واحدا يلو الآخر إن ما يقدمه كل من السقا وكرارة ورمضان ومحمد سامي وغيرهم من الفنانين يجسد اجحافا وظلما على الصعيد وأهله بل يجسد الرجعية الحقيقية والمهاترات الزائفة لقصص وهمية لا ترقى لمخاطبة الخيال العلمي عن الصعيد لأنهم لا يقدمون الصعيد الذي عاش على الأصول والقيم الأخلاقية التي عشناها ولمسناها من تراث أجدادنا لا يجسدون إلا العار والرجعية وعرقية جديدة ستجعل العالم ينبذنا كمصريين لأننا في حقيقه الأمر كلنا صعيد مصر حتى الوجه البحري من مصرنا هو جزء في ناسه من صعيد مصر طافت به الأيام وانتقل حتى صار المنوفية والشرقية والإسماعيلية وغيره من المحافظات المصرية الجميلة.
رفقا يا سادة إن تمثيلكم للصعيد بأنه تاجر مخدرات وتاجر آثار وتاجر سلاح وقاتل فيه تدمير لكل مصر أوقفوا هذا السيل من الافتراءات وكفوا عن الدونية التي تعاملون بها الصعيد أنه الأرض التي لا يزال تشتم بها رائحة الطيبة والأصالة والولاية الحقيقيه لكل شىء جميل أنه الدفء الحقيقى إنه شمس الأصيل إنه النيل إنه لنا الأحلام إنه نور وبحور وليس كرا وفرا وقتلا وذبحا ودمارا.