الولايات المتحدة تعلن الحرب الصناعية والتكنولوجية على الصين بتشريع تاريخي أمام الكونجرس
في ظل الحرب الاقتصادية والتكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين التي بلغت ذروتها خلال الأعوام الأخيرة، واستكمالا للخطة الأمريكية الشاملة لمواجهة التهديد التنافسي الملح من الصين، يستعد مجلس الشيوخ الأمريكي لتمرير أكثر تشريعات السياسة الصناعية توسعا في تاريخ الولايات المتحدة.
ويناقش مجلس الشيوخ، غدًا الثلاثاء، تخصيص ما قيمته ربع تريليون دولار لتمويل المصانع والشركات الكبرى لضمان التفوق التكنولوجي والصناعي لأمريكا، عبر خطة كبرى تشمل تدخلات حكومية في الاقتصاد، وتوجه الإنفاق الحكومي الضخم إلى التقنيات، وضخ استثمارات هائلة في تصنيع أشباه الموصلات، وأبحاث الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والحوسبة الكمومية، ومجموعة من التقنيات الأخرى.
ومن المتوقع تمرير التشريع، الذي قد يتم التصويت عليه يوم الثلاثاء، بأغلبية تصويتية، ما يؤكد أن المنافسة التجارية والعسكرية مع بكين أصبحت واحدة من القضايا القليلة التي يمكن أن توحد الجمهوريين والديمقراطيين، الحزبين السياسيين الأكبر في الولايات المتحدة.
وقالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية إن القانون الجديد بمثابة تحول لافت بالنسبة للجمهوريين، الذين كانوا يتبعون خطى الرئيس السابق دونالد ترامب، في معارضة هذا النوع من القوانين، الذي يسمح بالتدخل الحكومي في الاقتصاد.
وبرر نواب الحزبين سبب ترحيبهم اللافت بهذا القانون بأن التأخر في إصداره قد يؤدي إلى الفشل في التصرف مستقبلا، وسيجعل الولايات المتحدة تضطر للاعتماد على الصين مرة أخرى، وهي أكبر خصم جيوسياسي لها.
رغم ذلك، أعرب بعض النواب بالكونجرس عن مخاوفهم من إصدار قانون كهذا قد يساهم في هيمنة الحكومة على الصناعة ويهدد القطاع الخاص. خاصة أن مشروع القانون الذي اكتسب الدعم مؤخرا جاء بعد سنوات اعترضت فيها الولايات المتحدة على الإعانات الحكومية للصناعة الخاصة في دول أخرى - مثل إيرباص في فرنسا أو هواوي في الصين.
وقال سيج تشاندلر، نائب رئيس التجارة الدولية في جمعية تكنولوجيا المستهلك، وأحد المعارضين للقانون: "إننا نحاول معاقبة الصين وسياساتها الصناعية السيئة". "لكن من المفارقات أننا بعد أن نعاقبهم سنبدأ في نسخ ما يفعلونه بالضبط."
لكن النواب الذين تبنوا القانون ردوا على هذه الاعتراضات، مؤكدين أن قانون "السياسة الصناعية" الجديد، لا علاقة له بالمخاوف التي دامت طوال 30 عامًا منذ إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ريجان، حول خطورة تدخل الحكومة في الصناعة، وما إذا كانت الحكومة ستحدد الرابحين والخاسرين، أو تدافع عن صناعات معينة دون غيرها. فأثناء إدارة ريجان، عندما بدا أن أكبر تهديد لصناعات أشباه الموصلات والسيارات في أمريكا هو اليابان، بدأت الحكومة الفيدرالية بعض المبادرات الصغيرة، بما في ذلك مبادرة تسمى "سيماتك"، لتنشيط صناعة أشباه الموصلات، لكن مع الضغط المعارض لهذا النوع من المبادرات، توقفت "سيماتك" فيما بعد.
وحذر السناتور تشاك شومر، الديمقراطي عن نيويورك وزعيم الأغلبية، في خطاب ألقاه مؤخرًا في مجلس الشيوخ من التباطؤ في اعتماد هذا القانون قائلا: "الحكومات الاستبدادية تعتقد أن الديمقراطيات المتنازعة مثل ديمقراطيتنا لا يمكنها أن تتوحد وتستثمر في الأولويات الوطنية كما تفعل الحكومات المركزية والسلطوية، إنهم يجذبوننا للفشل حتى يتمكنوا من الاستيلاء على عباءة القيادة الاقتصادية العالمية وامتلاك الابتكارات".
ورفض شومر فكرة أن الولايات المتحدة تسعى لدعم الشركات الصناعية الكبرى بلا خطة أو هدف، كما تفعل الصين، وقال: "السياسة الصناعية الجديدة لا تعني أننا سنختار شركة مثل فورد ونمنحهم المال"، وقال شومر موضحا: "هي تعني أننا سنستثمر في الحوسبة الكمية أو الذكاء الاصطناعي أو الأبحاث الطبية الحيوية، أو التخزين، ثم ندع القطاع الخاص يأخذ تلك المعرفة ويخلق الوظائف"، مضيفًا لاحقًا: "هذه هي مجالات الهيمنة، وهذه هي مجالات النمو الصناعي المحتمل؛ مع نمو كبير في الوظائف".
وقال السيناتور الجمهوري تود يونغ من ولاية إنديانا: إن المعتقدات الأيديولوجية السابقة لحزبه فيما يخص خطورة تدخل الحكومة في الصناعة، قد جرفتها الحقائق المتعلقة بتمويل الصين شركاتها الكبرى مثل هواوي، عملاق الاتصالات السلكية واللاسلكية الذي يربط الدول حول العالم مع شبكات 5G قادرة على توجيه حركة المرور إلى بكين.
وقال يونغ في مقابلة: "لا يمكننا أن نتشبث بالعقائد والشعارات القديمة"، "لقد تغير العالم، لقد تغير اقتصادنا، لقد تغيرت احتياجات بلدنا".
وقال السناتور كريس كونز، وهو ديمقراطي من ولاية ديلاوير شارك في رعاية العديد من مشاريع القوانين التي تم تضمينها في التشريع: "لقد تآكل التمييز التجاري والعسكري في حالة الصين"، "في الصين، جميع الشركات الكبرى تقريبًا هي عناصر لسلطة الدولة وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالحكومة المركزية، التي مولت إلى حد كبير صعودها الدراماتيكي".
فيما أكد السناتور مارك وارنر، الديموقراطي عن ولاية فرجينيا، ورئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، أن السكوت عن تحركات الصين للسيطرة على شبكات الاتصالات العالمية، بدون صناعة محلية قوية، يهدد الولايات المتحدة، ويجردها من أي وسيلة لإغراء الحلفاء بعيدًا عن الصين.
وحول الصياغة النهائية للتشريع الجديد قال السناتور روجر ويكر من ولاية ميسيسيبي، وأكبر جمهوري في لجنة التجارة، إن "الصياغة ليست مثالية، هناك عناصر بالقانون يمكننا الاستغناء عنها"، "وهناك أجزاء أتمنى أن يتم تضمينها، ولكن بشكل عام، هذه خطوة ضرورية للحفاظ على قدرة دولتنا على المنافسة".
وفي سياق متصل، أكد العديد من الخبراء أن مشروع القانون قد يسرع من فصل أكبر اقتصاد في العالم وهو الولايات المتحدة عن ثاني أكبر اقتصاد في العالم وهي الصين، في مرحلة يقلق كل منهما بشأن مدى اعتماده على الآخر. تخشى بكين من أنها ستعتمد لسنوات على مصادر أجنبية للحصول على الرقائق الأكثر تقدمًا والبرامج المتطورة؛ بينما تشعر واشنطن بالقلق من هيمنة الصين على تكنولوجيا 5G التي ستمنح بكين القدرة على قطع الاتصالات الأمريكية.
قد يتم تسريع التحول للحد من تشابك الاقتصادين الأكبر في العالم بخطوات مثل التشريع الجديد، بجانب القرارات التي اتخذها بايدن يوم الخميس، عندما أصدر أمرًا تنفيذيًا يمنع الأمريكيين من الاستثمار في الشركات الصينية التي تدعم الجيش الصيني، أو التي تصنع تكنولوجيا المراقبة المستخدمة في قمع عرقي أو ديني.
ووفق واشنطن بوست، سيذهب جزء من التمويل في مشروع القانون الجديد نحو إقناع الشركات الأجنبية المصنعة لأشباه الموصلات بفتح منشآت في الولايات المتحدة - وهو نهج مشابه للنهج الذي اتبعته الصين.
وقالت الصحيفة الأمريكية إن تخصيص الأموال لشركات معينة لن تقرره الإدارة إلا بعد موافقة الكونجرس على مشروع القانون، لكن من المرجح أن تكون شركتي ميكرون تكنولوجي، وتكساس انسترومننتس، في مقدمة الشركات الكبرى التي سوف تحصل على الدعم، وهما أحد اللاعبين المؤسسين في صناعة الرقائق الأمريكية.



