عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

حكايات وأسرار مملكة سنغاي

إبراهيم مرجونة
إبراهيم مرجونة

عرفت "غرب إفريقيا" عدة ممالك وإمبراطوريات إسلامية كان لها دور كبير في التعريف بتراثها، والمضي بها قدمًا نحو التطور الحضاري، وخروجها من نير الوثنية والجهل إلى اعتناق ديانة سماوية وطدت دعائم التواصل بينها وبين مختلف أقطار العالم الإسلامي، بما في ذلك بلدان المغرب الكبير.



ومن بين أهم الممالك التي شهدتها المنطقة، إمبراطورية "سنغاي الإسلامية" التي كان لها شأن عظيم، واستطاعت مد نفوذها والسيطرة على المنطقة طوال القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلادي، ما وضعها في مصاف الإمبراطوريات الكبرى المنظمة سياسيًا وعسكريًا.

 

 

ويتميز المجتمع في سنغاي- سواء في المدينة أو القرية- بالروابط الأسرية الوطيدة، فكانت الأسرة هي العنصر الأساسي لمجتمع ورث الكثير من العادات الاجتماعية التي كانت سائدة في مملكة مالي الإسلامية، وتشبه العرب المغاربة في زيها وفنها المعماري، وينقسم مجتمع سنغاي إلى 3 طبقات: 

 

 

العائلة المالكة الأرستقراطية: وهم النبلاء والقادة وولاة الأقاليم وحاشية الملك، واختصت هذه الطبقة بالوظائف الكبرى، ورغم قلة عددها إلا أنها كانت تملك وتتحكم في الثروة وتعيش في ترف.

 

 

الطبقة الوسطى: تضم القضاة والأئمة والمدرسين، وهؤلاء موظفون ويتقاضون رواتبهم من خزينة السلطان، وهم لا يملكون ملكيات واسعة، بالإضافة إلى التجار وكان أغلبهم من الأجانب، وكانت التقاليد الملكية تقتضي احترامهم ومعاملتهم كأفراد البلاد، كونهم مسلمين، أما وضعهم القانوني فهم ضمن الطبقة المتوسطة.

 

 

طبقة العامة: وهم العبيد والخدم، ويقومون بالأعمال في الأسواق والمنازل والحقول، وعددهم يفوق نصف عدد السكان نتيجة الفتح والتوسع الذي شهدته المملكة، خاصة في عهد السني علي، وأسكيا محمد، وكان دورهم السياسي والعسكري ثانويًا جدًا.

 

 

وكان من عاداتهم أن يتزينوا ويدقوا الطبول ويعزفون الموسيقى مع الغناء في الأعياد والمناسبات، مثل يوم تتويج الملك، أما الملك والحاشية وكبار الموظفين فكانوا يتزينون بأساور وسلاسل ذهبية. 

 

 

وفي حالات الوفاة فإنهم يسيرون خلف الجنازة في خشوع كبير، ويدفن الميت في الغالب يوم وفاته، على عكس الملوك والولاة وطبقة الأرستقراط فكانوا يدفنون بعد أيام من وفاتهم، وللأسرة الحاكمة مقبرة خاصة في "جاو".

 

 

وكان القاضي هو الذي يفصل في معظم الخلافات التي تحدث بين الناس، ويعهد إليه بأموال اليتامى والغائبين.

 

 

أما الفلاحون فكانوا يعيشون في مساكن مستديرة في تجمع واحد، عبارة عن أكواخ.

 

 

وإجمالًا كان المجتمع في "سنغاي" مجتمعًا بسيطًا، عنصره الأساسي الروابط الأسرية التي شكلت بنيته الاجتماعية.

 

 

وقد أخذ تيار الثقافة العربية الإسلامية طريقه إلى "سنغاي" متسربًا إليها من المراكز الثقافية والفكرية في المغرب الأقصى والأندلس، ولم تقف الصحراء حاجزًا دون هذا النشاط، فمع بداية القرن الحادي عشر الميلادي أخذ الإسلام في الانتشار حسب المناطق التي وجد بها وترك بصماته على العقائد والحياة الاجتماعية والثقافية. 

 

 

والواقع أن اتصال "سنغاي" بالمغرب كان له أثره الواضح في التأثير في حضارتها ومذهبها، فقد اتبعوا المذهب المالكي وكتبوا على الطريقة المغربية، وقد عمت هذه الثقافة غانا ومالي، وتأثرت جميعها بالثقافة العربية الإسلامية الوافدة من الشمال الإفريقي، والتي اتبعت رقعتها في تلك الجهات، وكان أثر الإسلام واضحا في تقليله من المفاهيم الخاطئة التي كانت سائدة وتسيطر على عقول الناس، مثل السحر، خاصة في عهد المملكة الأسكية، حيث اجتهدوا في القضاء عليه واعتبروه أوهاما لا تليق بدولة مسلمة منفتحة على العالم، وكان أهل "سنغاي" يعبدون ما يسمى "هولي" أو القرائن، ويعبدون الجن ويعملون على كسب رضاهم، أي أن معبدهم كان يضم عددًا كبيرًا من الآلهة، منها: إله النهر وإله الصواعق. 

 

 

وكانت أسرة "السني" و"الأسيكا" يحظون باحترام الناس، وكانوا في نظرهم حماة المجتمع من الأرواح الشريرة، وقد ساعد في القضاء على هذه البدع وجود العلماء والفقهاء مثل "السيوطي"، وتمت محاربة الأوثان وفرض نظام القضاء على المذهب المالكي، والدعوة إلى الجهاد ضد قبائل الموسى والوثنية. 

 

 

وقد عرفت "سنغاي" أيام الأسكين كل المعارف التي توصل إليها العالم الإسلامي، سواء عن طريق الكتب التي تأتي إليها بكميات كبيرة، أو عن طريق التجارة والفقهاء، وتحقق هذا الازدهار الثقافي بفضل ما تميزت به سنغاي من اجتذاب عدد من العلماء المسلمين، وتكريم الملوك لهم أعظم تكريم، وعملهم في مجال التدريس والقضاء، وبدأ الإنتاج والتبادل الثقافي فألفت العديد من الكتب في فروع الفقه والمنطق والعروض والنحو والتاريخ، عن طريق علماء سودانيون ومغاربة، وكانت جميع أنواع المعارف تدرس باللغة العربية، التي هي لغة الكتابة الرسمية. 

 

 

وكان المعلمون في جميع جهات المملكة على اختلاف طبقاتهم يحظون باحترام كبير، سواء من الأهالي أو السلطة، وتلقى أبناء "سنغاي" علومهم في جامعتي القرويين بفاس والأزهر بالقاهرة، وهم الذين اجتهدوا حتى بلغت علومهم القمة، وصارت مدنهم مراكز لهذه الحركة الفكرية.

 

أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز