عاجل
الأربعاء 1 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
الكتاب الذهبي
البنك الاهلي

السجينة

رسم: عصام طه
رسم: عصام طه

ثمانية عشر عامًا من العذاب وأنا بين هذه الجدران كأني سجينة، وحدها تلك المرآة المحطمة صديقتي الوحيدة، كيف لا؟ وهي تريني أجمل عيون في هذا العالم، كأن البحر بداخلها، ما أجملني! ما أجمل شعري الحريري المنسدل على جسدي ذي القوام المنحوت! ما أجمل احمرار وجنتي خديي! حمار سطا على جليد بشرتي، ما أجملني جمال ينتهي خارج هذه الغرفة، جمال في خيالي فقط، غير موجود كتلك المرآة التي حطمتها منذ زمن.



 أنا قبيحة للدرجة التي جعلت من حولي يخيفون بي الصغار، بدلًا من أمنا الغولة، بل صار هذا لقبي مع تلك الشامة السوداء التي تصدرت وسط خدي كختم للقباحة، أنام مجددًا تملأ وسادتي الدموع، استيقظ واستمر في النضال في تلك المعركة القاسية المدعوة الحياة، ارتدي ملابس المدرسة، وأمسك مجموعة مناديل، وأكتب على كلٍ منها مجموعة كلمات، أضعها في جيبي، أقبل يدي أمي وأبي، وآخذ كمية كبيرة من الطعام في حقيبتي قبل نزولي، أنزل للشارع لأجد قطط الشارع اللاهثة، أخرج بعضًا من قطع الخبز واللانشون وأضعها لها، وأعيد ملء إنائها الفارغ بالماء، وبعد خطوات أرمي ببواقي كسر الخبز عند أحد الأرصفة التي تعلو أحد بناياتها العصافير والحمام.

نقلًا من الكتاب الذهبي عدد يوليو 2021
نقلًا من الكتاب الذهبي عدد يوليو 2021

 

أثناء سيري ألاحظ الوجوه العابسة، أحاول ألا أجعلهم يشعرون بما أشعر، فأنا أكره شعوري، ولولا وجهي وخجلي لتحدثت إليهم، لكن بدلًا من هذا أقدم لهم أحد الكروت أكتب عليها ابتسم، لا تحزن، أنت تستطيع، أنت عظيم، وعودة بسمتهم تكفيني لأواصل سيري، وقبل وصولي للمدرسة أخرج نصف مصروفي، وأقدمه لرجل فقير لا يجد ما يقيه البرد، فمسكنه الشارع ينام بجانب المدرسة ويبيع المناديل، لا يبرح مكانه، أقابل بسمته لي ببسمة مني، لكن رغم فقره لديه كرامة تجعله يرفض المال دون مقابل فأشتري منه المناديل، أفعل ذلك، كما اعتدت يوميًا فسعادة الآخرين هي ما يسعدني.

سعادة تغادرني وتكتفي بهذا القدر، نظرات الاحتقار كالأسهم تخرج من عيون زميلاتي، همساتهن التي تخرق أذني تستمر مع قهقهاتهن الساخرة عليّ، التي تعتبر تسليتهن المفضلة، وبالنسبة لي هو المعتاد الذي يجرح كرامتي ومشاعري، وفي آخر حصة في اليوم الدراسي، أرتني إحدى زميلاتي صورة قرد قالت لي: يشبهك تمامًا يا رحمة، وبمجرد خروج المدرس أرته لجميع زميلاتي اللاتي أشرن إليّ وضحكن، تمنيت الموت في هذه اللحظة، غادرت زميلاتي أمامي، ووجهي احمر، وأنا أمسح دموعي بكفي، دموع تحرقني من الداخل، كان عمق الجرح في قلبي أكبر من كل مرة، تشنج جسدي وأنا أنتحب، وأنا أضع رأسي على مقعدي، فزعت عند دخول معلمتي، لممت أدواتي وهربت من صوتها الذي يناديني (ما بك يا رحمة؟).

 

مشيت مسرعة لا أرى ولا أسمع من التفكير، ومن تلك الكلمات التي تشغل بالي، حتى لم ألحظ تلك العيون التي تراقبني من حولي، أصل لمنزلي وأدخل غرفتي منهارة، ولا تمضي ساعة حتى يدق الباب، بعد أن هدأت أعصابي بمواساة أمي وأبي، يدق الباب أفتحه، لأجد الرجل العجوز أمام مدرستي ومجموعة زميلاتي ورجل خمسيني أنيق صادفته حزينًا اليوم وأعطيته منديلًا، ومعلمتي وأشخاص كثر يبتسمون لي يقولون لي لا تحزني، بعضهم يعتذر لي يقولون لي: نحن نحبك، لكن بعد دخولهم يفاجئني الرجل الأنيق بقوله: أنا طبيب تجميل وسأجري لكي عملية تجميل مجانية أعدك أن تصبحي بعدها أجمل من كل من سخر منكِ، وسط صمت الجميع ودهشتهم أرد والدموع في عيني: تستطيع أن تجملني من الخارج لكنني أتمني أن تجملهم هم من الداخل، ما يؤلمني ليس مظهري، ما يحزنني هو تصرفاتهم، أمسح دموعي وأبتسم، تقوم زميلاتي، يبتسمن وهن يبكين، ويحتضنوني.

انتهت   

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز