بصيص من أمل
قصة: د.إسلام محمد أبوفرحة
همسة رقيقة داعبت أذنَىْ كانت كفيلة بإدخال الحبور على قلبى. إنها لحظات مرّت وأذعنت لها، بَيْدَ أنَّها قليلة، ولكنها كافية لتضىء ما بقى لى من وقت.
أرقد على سرير المرض أتلوّى من الألم وتجىء "هدى" لتزف لى الخبر السعيد فتذهب كل ذَرّة وجَع داخلى، لقد أتمت اختبار التأهيل ونجحت بامتياز وأصبحت رائدة فى مجال العلوم الكيميائية.
إنها فتاتى الصغيرة ونور بصرى وفلذة كبدى. دونها لا أشعر بطعم للحياة. سعادتها التي واكبت زيارتها تلك بعثت فىَّ الشعور بالتحدّى.
تحدّى هذا المرض الخبيث الذي ينخر فى أحشائى. أنا طريحة الفراش منذ عدة سنوات، ورُغم ذلك؛ فإننى ما زلت صامدة. أجمع الأطباءُ على اقتراب الموعد ولكن كل مرّة تبوءُ توقعاتهم بالفشل.
مما جعلهم يبحثون أكثر عن السّر. عن الشىء الذي يبقينى على قيد الحياة طوال هذه الفترة.
إنهم لم يقتنعوا بما أخبرتهم به. إنه الأمل! الرجاء فى وجْه الله أن يقيل هذه الغُمة. فلم يدر بخلدى لوهلة أن أفقد الأمل؛ بل دأبت على الصبر والاحتساب وطرْق كل الأبواب، غير عابئة بكل الأفكار السلبية التي يلقيها من حولى علىَّ دون قصد، بنظراتهم التي تشع أسًى وحسرةً، وكأنى مِتُّ بالفعل، لا يدرون أنهم يخاطبون قلبًا قد برىء من الضعف والاستكانة، قلب كله إرادة.
- تبدين بخير يا "سعاد"، فحوصاتك مبشرة للغاية.
هذه هى الطبيبة "ألفت" تنظر إلى نتيجة التحاليل. فتردف:
- المرض يستجيب للعلاج بشكل ملفت. سنقوم بمزيد من الفحوصات السريرية ومن هناك سنحدد الآلية التي نتبعها.
قلت بهدوء:
- الحمد لله، يرجع ذلك لجهودك الحثيثة معى.
- بل الفضل كله لله، ما نحن إلا أسباب، والله هو من يشفى ويرفع السّقم عن العباد.
- ونِعْمَ باللهِ.
تقول "هدى" بكل حبور:
- شفاك الله وعافاك يا أمّى. إنه خبر سعيد
. ثم تنظر إلى "ألفت" وتسألها:
- هل يمكننا أن نصطحبها إلى المنزل لتتلقى الرعاية هناك؟
- هذا سيكون رهن ما تسفر عنه الفحوصات الجديدة.
تعيد الطبيبة الملف إلى مكانه وتغادر. فتقول "هدى":
- يا له من خبر سعيد يُعيد للنفس رونقها ويُحيى الأمل فى القلوب، أليس كذلك يا أمّى؟
- بلى يا عزيزتى، لا تفقدى الأمل مَهما كانت الصورة قاتمة. فهناك ثمة نور دائمًا يسطع وسط الظلام الدامس. - أجل يا أمّى، سأفعل.
وفى قاعة المحاضرات فى المستشفى نفسه تلقى "ألفت" على مسامع الحضور آخر ما توصّلوا إليه فى مجال علاج مرض السرطان، فتقول وهى تعرض صورة زهرة نمت فى أرض قفر:
- زهرة نرجس الصحراء الأبيض تنمو فى هذه البيئة القاحلة. وتزهر فى الأماكن التي يندر فيها الماء. وجدنا فعالية أكيدة لمستخلصها على العديد من الأورام الخبيثة.
تعرض صورة "لسعاد" وهى طريحة الفراش. وتستطرد قائلة:
- أغلبكم على علم بحالة "سعاد" وكم كانت تعانى فى غضون السنوات الماضية. تعاطت العديد من العقاقير ولم ينجح أحدُها فى القضاء على الأورام فى جسدها بالكلية. ولكن هذه الزهرة النادرة قامت بما لم تنجح به تلك العقاقير، لقد عالجتها وقضت على تلك الأورام.
وعلى صورة تظهر نتائج التحاليل فتكمل:
- وهذه هى نتيجة تحاليلها الأخيرة. كما ترون، تحسُّن كبير فى أرقام مؤشرات المناعة. وهذه الأشعة المقطعية تشير إلى اختفاء تلك الأورام.
تصطحب "ألفت" "سعاد" إلى الخارج، وفى رفقتها لفيف من الأطباء وطاقم التمريض، والسعادة هى ما ترتسم على وجوههم جميعًا، فالكل يشعر بالفخر والفرَح بشفائها وتعافيها من هذا المرض العنيد.
- عنادك وإصرارك كانا مفتاح نجاحك يا "سعاد" وتحليك بالصبر والأمل. لقد ألقيت علينا جميعًا درسًا عمليًا بأن الأمل موجود مَهما كانت الصعوبات، وأننا جميعًا سنحظى بالنجاح ما دام عندنا بصيص من أمل.
جوجل نيوز
