عاجل
الأربعاء 1 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
الكتاب الذهبي
البنك الاهلي

قبلة الملائكة

رسم: سوزى شكرى
رسم: سوزى شكرى

"لم أكن أهتم، أو ربما كنت أظن ذلك.. فالأمر كان يزعجنى من الحين للآخر"..



استيقظت على نداء أمّى كالعادة فى الصباح.

- استيقظت يا أمّى وسأغسل أسنانى وألحق بكِ.

- لا تنسَى أن تسقى الزهور وإطعام أسماكك.

  - حسنًا.

نقلًا من الكتاب الذهبي عدد يوليو 2021
نقلًا من الكتاب الذهبي عدد يوليو 2021

 

أحب الزهور كثيرًا.. إنها تشعرنى بدفء الحياة؛ خصوصًا زهور الاستر لتعدد ألوانها وبهجتها، ولدَىّ العديد من الأسماك النارية لونها يبهرنى حقًا.

أوشكت الإجازة على الأنتهاء لذلك قرّر الكبار أن تجتمع العائلة.

انتهيت من ارتداء ملابسى وأخذت ما أحتاج لليوم فى حقيبة ظهرى؛ لعبة الورق وكتاب صدى النسيان لنجيب محفوظ، تقول أمّى إننى أصغر مَن أقرأ ذلك النوع من الكتب، أمّى كانت تقرأ لى منذ كنت جنينًا فى رحِمها.. أعتقد أنى لذلك أعشق الكتب.

- أمّى هل اتصلتِ بعمتى، أريد أن أأكد على مازن أن يأخذ كرة القدم معه.

- منذ متى وأنت تحب تلك الألعاب؟!

- لقد وعدنى بأن يعلمنى، حتى وإن كنت لا أميل لها كثيرًا، لكن ربما بعد تجربتها أراها بشكل أفضل.

- لكن هناك أشياء لا يمكن تجربتها. 

- معكِ حق يا أمّى مثل السجائر إنها ضارة ولا تعد تجربة.

- أحسنتَ يا صغيرى.

قاد بنا أبى لمنزل عمّى الأكبر بالقاهرة، أخرجت دفتر الرسم الخاص بى وبدأت برسم الطريق. 

اعتدتُ المقارنة بين رسوماتى للمكان ذاته وكل مرّة أكتشف جديدًا فى الطريق.. أيقنت وقتَها مقولة "التغيير الشىء الثابت الوحيد فى الكون". 

أحب كوننا نعيش بالإسكندرية فالقاهرة بها الكثير من المبانى ومزدحمة طول اليوم، وأنا أحب الهدوء فى العادة.

وصلنا أخيرًا، كان الجميع هنا بالفعل منذ الصباح الباكر لم نصل متأخرين لكن كنا آخر من يصل.

رحب بى أولاد أعمامى وعمتى عدا لينا ابنة عمى هشام، رأيتها  تنكمش بحضن أمّها عندما رأتنى لا ألومها إنها بالخامسة وآخر مرّة اجتمعنا كانت صغيرة جدًا للحد الذي لا يًمكنها تذكرى.

اقتربت لأسلم عليها؛ فقد علمتنى أمّى ألاّ أهرب من تلك المواقف وأتعلم كيف أجعل الناس تتقبلنى أنا ووحمتى الحمراء التي تغطى نصف خدى الأيمن.

- أنا نجم وأنتِ لينا أليس كذلك؟ 

نظرت لأمّها فأشارت إشارة يفهمها جميع الأطفال وهى لا يوجد خطر، ثم نظرت لى ومدت يدها لتسلم علىَّ. 

مرّ اليوم واستمتعت به كثيرًا حقًا.. ذهب الجميع وبقينا نحن للصباح لا يحب أبى القيادة ليلًا وبقى أيضًا عمّى هشام وعائلته.

وقفت فى الشرفة أتطلع للنجوم كم هى جميلة ولامعة بيت عمّى بعيدٌ عن زحمة القاهرة وكثرة مصانعها لذلك السماء صافية لحد يجعلنا نرى نجومها.

وجدت "لينا" بجانبى تقول:

- أخبرتنى أمّى أن تلك البقعة هى قبلة الملائكة.

ضحكت لتصديقها للأمر قائلًا:

- لا أعلم لا يمكن لأحد أن يعلم ؛ لأن الملائكة لا يمكن أن يراها أحد سوى الخالق.

- ماذا يعنى الخالق؟

- نسيت أنها مازالت فى عامها الخامس.. 

- إنه الله يسكن أعلى تلك السماء ويرانا فى كل مكان هو مَن خَلقنا جميعًا.

- نعم أمّى تصلى له، تقوم وتجلس عدة مرات.

انقضت الإجازة، هذا أحزننى حقًا ، قالت أمّى إن الطلاب الكسولين هم مَن ترهبهم عودة الدراسة وأنا لست أحدهم. 

أعتقد أنى ما زلت أهتم بالأمر وبنظرة الجميع لى، لم أكن كذلك سوى بعد وصول إيهاب إلى المدرسة الجميع يحبه ويحب تفوّقه فى دوري كرة القدم للمدارس، حاولت إقناع نفسى أن أتعلم كرة القدم من أجل التجربة لا أكثر، لكنْ هناك شىء بداخلى يقول أنى أتعلمها بسببه. 

سقيت زهورى بفتور اليوم ولم أنظر لسمكاتى وأن أضع لها الطعام .

وصل أوتوبيس المدرسة فى موعده أسرعت للحاق به. 

- لقد أتى الأحمق.

سمعت أحدهم يقولها عند صعودى للدرج كان هناك كرسى فارغ متفرد فى الخلف، كأنهم اتفقوا لتركه لى، ذهبت وجلست عليه وأنا أشعر بالضيق الشديد.

لم أتفوّه بكلمة طول اليوم ولم يحتك بى أحد كذلك.

رجعت للمنزل وبمجرد أن نظرت لوجه أمّى انفجرت فى البكاء، أخذتنى بين ذراعيها وربتت علىَّ وهى تقول:

- ماذا حدث؟! هل أنت بخير.

- نعم أنا بخير فقط أشتقتُ إليكِ.

جلست لبرهة وربما ساعات أمام حوض أسماكى لا أعلم، فلقد أستيقظت بالمشفى.

أخبرتنى أمّى أن كل شىء على ما يرام، ارتفعت حرارتى فأحضرونى للاطمئنان، لكنها كانت تبكى ولا أعرف لماذا؟! هل أصابنى مكروه ما ولا تريد إخبارى؟

عندما ذهبنا للبيت شعرت أن الأمر متوتر بين أبى وأمّى فانسحبت فى هدوء لأتركهما سويًا، لعلهم يتحدثان فى الأمر فأعرف ما هو.

- أهدئى يا حبيبتى، سيكون كل شىء على ما يرام. 

- أبتعد عنّى، إنك السبب فى كل ما حدث.

- أنا؟! لماذا؟

- أخبرتك أكثر من مرّة أننى أريد الاطمئنان على الولد وأن تلك الوحمة تُريبنى.

- ألن نطمئن عندما كان صغيرًا؟! قال الطبيب أن لا خطورة منها، أنتِ من أهمل فى الولد ولم تلحظى التصبغات الأخرى الجديدة.

توقفت عن الاستماع لهما ودخلت أتفحص نفسى، وجدت بعض النقاط على ظهرى وأخرى فى أسفل ساقى، دخلت لأبحث عن الأمر بالمواقع الإلكترونية هناك الكثير من الحالات لكن لا توجد حالة تشبهنى بشكل دقيق، أعلم أن الوحمات والشامات يمكن أن تسبب أورامًا جلدية لكن أمّى أخبرتنى أن الطبيب تفحصنى عندما ظهرت تلك الوحمة بخدى؛ فأنا لم أُولد هكذا؛ بل ظهرت بقعة كبيرة على وجهى بعد سنة من ولادتى تقريبًا.. حزنت أمّى فى بداية الأمر لكنها حمدت ربها أنها لا تسبب لى داءً، لكن الآن يبدو أن الأمر تطور.

أتت أمّى ومعها أبى لغرفتى أخيرًا.

- حبيبى هل أنت بخير؟ 

قالها أبى وأنا أنظر لأمّى وأرى الدموع فى عينيها لكنه لم يجد منّى سوى الصمت، فأعاد أبى سؤاله قائلاً:

- أتشعر بشىء يا نجم.. لا تقلق أمّك بخير هى فقد تخاف عليك.

- من ماذا؟!

وقتها لم تعد أمّى قادرة على حبس دموعها، لكنها جلست أمامى وحاولت أن تهدأ من أجلى.

- لا تقلق يا عزيزى، سيكون كل شىء على ما يرام.

- ماذا حل بى يا أمّى، هل تسببت الوحمة بشىء خطير؟

نظرت لأبى، ثم صمتت قليلاً مستوعبة أننى استمعت إليهما.

- لا إنه ليس خطيرًا، لكن ربما يأخذ منا بعض الوقت لعلاجه.

مَرَّ كثيرٌ من الوقت بعد ذلك أجرينا عددًا لا بأس منه من الفحوصات والتحاليل وأخذ العينات. 

تذكرتُ أصدقائى بالمدرسة.. أخبرتنى أمّى أن التنمُّر يدل على نقص المتنمِّر وعدم ثقته بنفسه وأننى أفضل منهم لأننى أتقبلهم كما هم ولا أفعل مثلهم.. وقتها قلتُ لكنهم ليسوا مشوهين مثلى، كتمت قائلة: لا هم المشوهون، مشوهون من الداخل، ليس أنت.

هناك الكثير من الأطفال يعانون مثلى لكن الله قدّر لى أمًّا رائعة تعيننى وأيضًا مستوانا المادى ساعدنا مع كل تلك العمليات، لكن ماذا عن الآخرين من لا يملك مالاً أو عائلة على الأقل، ما ذنب كل طفل بهذا البلاء؟

 إنه عيد مولدى الحادى عشر، الآن تمنيت أن يمد يد العون لجميع الأطفال الوحيدين فى العالم، فجميعًا نستحق فرصة العيش سالمين غير منبوذين.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز