الضابط البطل
يُحكى أن هناك شابًا يُدعى أحمد عز الدين، التحق بكلية الشرطة وكان متفوقًا خلال دراسته فيها، محبوبًا من زملائه، ومعروفًا بين أهله وجيرانه بحُسن الخُلق والمعاملة، يسعى فى الخير بين الجميع، فيمد يد العون والمساعدة، كان يسير فى حياته بمبدأ "التضحية" من أجل الآخرين.
وبعد أن تخرَّج فى الكلية وارتدى بذلته العسكرية، سعى للتفانى فى عمله؛ ليحقق الأمن والأمان للمواطنين، فكان يقضى أغلب يومه فى عمله الشاق، وما تبقى من اليوم يسعى خلاله لتوفير احتياجات بعض المحتاجين الذين كان يبحث عنهم ليساعدهم بنفسه، فكان يرى أن الحياة قصيرة وأنها لا تحتاج إلى مشاحنات أو بغضاء بين البشر، فكانت روحه مرحة طليقة، يُشعرك ولو قابلته مرّة واحدة بأنك تعرفه منذ سنوات.

ورُغم سنّه الصغيرة؛ فإنه كان لديه الكثير من الكياسة والذكاء لاحتواء أصعب المواقف وأشدها خلال عمله، فكان محبوبًا لدى رؤسائه فى العمل، الذين كانوا يعتمدون عليه ويثقون برأيه، وكان الأمر نفسه بالنسبة لأسرته، فوالده كان يعتمد عليه دومًا فى إدارة شؤون الأسرة.
وفى يوم من الأيام، خرج كعادته لأداء صلاة الفجر بصحبة والده، وظلا يتسامران ويتبادلان أطراف الحديث حتى طلوع الشمس، فودّع أحمد والده وأسرته للذهاب إلى عمله.
وفور أن وصل قسم الشرطة الذي يعمل به، تم تكليفه ليكون رئيسًا لدورية أمنية تتجول الشوارع لتأمين المواطنين، فسرعان ما جهز مأموريته، ونفذها، فوقف أحمد بصحبه زملائه فى أحد الميادين العامة بمنطقة الهرم؛ لمتابعة الحالة الأمنية ولتحقيق الأمن والأمان للمواطنين، إلا أن عددًا من العناصر الإرهابية كانت ترصد تحركاته، وأرادت أن تبث الذعر والخوف فى نفوس المواطنين، فاستهدفوا الدورية التي كان يرأسها أحمد، بعبوة ناسفة.
وفى أقل من لمح البصر، وقع انفجار ضخم هز المنطقة بأكملها، وتحولت المنطقة الهادئة الآمنة إلى منطقة مفزعة، فالمارة فيها قد تسلل الذعر إليهم يتحركون فى كل صوب وحدب، لا أحد يدرى ما جرى، ولا أحد يعلم أين يسير، وأصبحوا فى حركة غريبة متناثرة؛ خصوصًا بعدما أصيب أحمد إصابات بالغة فى أماكن متفرقة بجسده.
حاول زملاء أحمد تدارُك الموقف، وحاولوا إنقاذه ونقله سريعًا إلى المستشفى، إلاّ أنه ارتقى شهيدًا إلى ربه، ليخيم الحزن والصمت على الجميع.
علم والد أحمد الخبر، فأسرع إلى المستشفى، ولم يستطع الأب المسكين تماسك أعصابه من هول الصدمة أمام هذا الحدث الجَلل، فداخل المستشفى رقد الأب ينظر إلى جسد نجله الشهيد ويسترجع ذكرياتهما سويًا، وحديث الصباح الذي دار بينهما، يتحدث إليه وينتظر أن يجيبه نجله، لكنه لم يحدث، فيحاول الأب مرّة أخرى ويضع أذنه على قلب نجله الشهيد، محاولاً سماع دقاته، وكأنه كان يحلم بأنه يمكن أن يعود إلى الحياة مرّة أخرى، وأن ينتهى هذا الكابوس، لكن الموت قد فرّق بينهما.
ساعات وساعات تمُرّ، ولم يستطع أى شخص فهم أو استيعاب ما جرَى، حتى تم تشييع جثمان الشهيد وسط جموع مهيبة من أسرته وأصدقائه وجيرانه، والمقرّبين منه وغير المقرّبين، كان كل منهم يتذكر مواقف خاصة له، فمنهم من كان يتحدث عن مشكلات قام الشهيد بحلها لهم، وبعضهم كان يتحدث عن مساعدات مالية كان يخصصها شهريًا من راتبه لمساعدة الفقراء والمحتاجين، وغيرها من حكايات الخير.
ويبدو أن هذا الشهيد كانت له علاقة خاصة بربّه، فقد ظل اسمه مخلدُا لدى محبيه وأصدقائه وزملائه، حتى بعد رحيله عنهم بسنوات طويلة، ليضرب مثلاً رائعًا فى التضحية والتفانى من أجل وطنه، وليسطر بدمائه الذكية حكاية شهيد وقع ضحية الإرهاب والتطرف.



