الجمعة 19 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

رمضان في خط النار

عن الحرب في فلسطين
عن الحرب في فلسطين

نشرت مجلة "روزاليوسف"، تقريرًا كتبه "عبد المنعم السباعي" من74 عامًا، عن الحرب في فلسطين تحت عنوان "رمضان في خط النار"!

 

وقال السباعي في تقريره: في العام الماضي كنت من بين هؤلاء الذين اختارهم القدر ليقضوا شهر رمضان الوديع بين نيران حرب فلسطين “المقدسة” كما قالوا لنا في ذلك الحين!

 

ورمضان في أيام السلم يختلف طبعا عن رمضان في وقت الحرب. فالهدوء الطاغي والوداعة الكاملة التي تلمسها في رمضان المسالم، كلها أشياء من العبث أن تراها في أي رمضان من رمضانات الحرب!

 

وطلقة المدفع في السلم هي أمل باسم بديع، أما في الحرب فهي ألم دامع حزين، وطعامها في السلم كنافة وقطايف وياميش والذي منه! أما في الحرب فطعام كل طلقة من طلقات المدافع هو جثث وضحايا وعرق ودموع تقنعك ولا شك أن رمضان في وقت الحرب لابد أن كون روسي الجنسية أو يهوديا على الأقل!!

 

وقبل أن استرسل في سرد بعض ذكرياتي عن شهر رمضان الذي عشته فوق رمال النقب، أحب أن أقول عن خبرة ودراسة أن الذكريات وجمال الذكرى هي الشيء الوحيد الذي يهد أعصاب المحارب وهو في خط النار!

رمضان كريم 

 

واقترب رمضان وداعبتنى الذكرى في آخر يوم من أيام شعبان، ونقلني خيالي المتساهل إلى القاهرة بملاعبها ومغانيها وكواعبها الحان، فتذكرت الذي كان وراح!

 

وأعتقد أن نفس الشعور ونفس الذكرى ونفس الحنين كانت كلها عوامل تلعب بالكثير منا في مباراة واحدة، وجعلتنا نتذكر الأهل والأصدقاء ونلعن الأعداء والأصدقاء على السواء!

 

وأقولها صراحة أن المحارب مهما سمعت شجاعته، ومهما اقتنع بقدسية المبدأ الذي ينتحر من أجله، فهو كإنسان لا يتخلص مطلقا من ضعفه كإنسان!! إنسان يحس فيفكر فيتألم ثم يعود ويفكر مرة أخرى ثم يفقد القدرة بعد هذا على الفهم أو على التفكير وعندما يصل إلى مرتبة المحارب الكامل النموذجي!!.

 

 

 كنت أقيم في أحد المواقع على بعد "همسة" صغيرة من أبناء إسرائيل، ولم أكن قد قررت بعد هل سأصوم أو سوف أبحث عن ألف سبب وسبب من الأسباب الشرعية التي تتيح لي الفطر في خط النار!

 

واشتبكت مع منطقي وأفكاري وميولي في نضال حاد أخرجني منه "تليفون" من محارب صديق يدعونني إليه. - ألوه.. سعيده يا واد! - أهلا.. أهلا. - كل سنة وأنت طيب... - إيه؟ طيب بلاش كل سنة.

 

قل كل أسبوع وأنت طيب، أو كل يوم أو كل ساعة، أحسن سنة موش معقول!

 

وبدأنا معا محاورة في القفش والتنكيت كان من الجائز أن تطول لولا أن دخل في الخط من يأمرني باستقبال إشارة تليفونية من الرياسة، وقطعت الاتصال مع الصديق المرح واستقبلت الإشارة وكانت أمرا صريحا لا التواء فيه بوجوب الإفطار في شهر رمضان الكريم.

 

ثم هجم علينا الليل. وليالي الحرب قاسية وعنيدة، فهي بظلامها ومجموعتها أبعد ما تكون عن الإلهام الذي يريح القلب ويوحى بالفكرة الناضجة.

 

فقد تخرجت من رياض تأملاتك قنبلة حارقة أو شديدة الانفجار لا تلهم -لو ألهمت -إلا بقصة حزينة أو بقصيدة شعرية في فن الرثاء يكتبها أو يقولها غيرك!

 

وازداد الليل غموضا ورهبة وعندما انتصف الليل أوكاد لم يشأ اليهود أن يعترفوا بكرامة الشهر المبارك أو بقدسية المناسبة فموت مدافعهم كأنها تذكرنا بموعد السحور أو بموعد في الجنة!

 

لم يكن الضرب استعدادًا لأي هجوم بل كان -كما توقعنا يومها -مداعبة بريئة أو نكتة من باب الهزار معنا كتحية مناسبة لقدوم شهر الصيام! طلقات "هاون" من جميع الأحجام والماركات وطلقات مضيئة وقنابل مختلفة الأحجام والأنواع والألوان كبيض شم النسيم! ... ولم يسعنا إلا أن نرد عليهم التحية بألعن منها!

 

وكانت ليلة مباركة. . لم ينقطع فيها صوت المدافع. . وهي غير مدافع السحور طبعًا!

 

مراقبو الشيطان!

 

وبعد أيام قليلة مرت من شهر رمضان أوحى الموقف الحربي إلى من بيدهم الأمر بمهاجمة مستعمرة "بيرن إسحاق" وهي مستعمرة بنت ذوات تتاءب فى دعة بالقرب من مدينة "غزة" وعلى مرمى البصر من تباب "على المنظار "وهي تتحكم في الطريق بين "غزة وبير سبع".

 

ويطلقون على مستعمرة "بيرون إسحاق" لقب عروس النقب! واللقب عادل والاسم على مسمى لأن مستعمرة «بيرون إسحاق" -كما سمعنا من سكان غزة -كانت في وقت السلم متخمة بالأفراح والليالي الملاح.

 

ومن شفاه أهالي غزة تستمع إلى قصص وروايات مثلت في هذه المستعمرة ويتنازع أدوار البطولة فيها دائما بطلان:

الخمر والشباب!

ثم جاءت الحرب فاختفت كل هذه المتعة نسبيا ولكنى وثقت في صحة قصص أهالي غزة عندما جاءت الهدنة فوجدت «مراقبي الهدنة» يكثرون من المرور ومن واجبات الزيارة والإقامة في مستعمرة «بيرون إسحاق» بالذ؟؟

 السعوديين! ثم انتقل بعد هذا إلى جبهة أخرى من جبهات جيشنا الذي حمل العبء وحده فلم يهن أو يئن أو يتذمر. في ليلة من ليالي رمضان صدرت الأوامر إلى فرقة سعودية تتكون من 200 جندي بالهجوم على قرية "كوكبة" وامتثل السعوديون إلى الأوامر ولكنهم ضباطا وجنودا طلبوا أن يقودهم في الهجوم ضابط مصري!

 

أصدر الأميرالاى العبقري محمد بك نجيب أوامره إلى الملازم أول محمد رياض بقيادة السعوديين في العملية المنتظرة ثم وضعت الخطة على أن يكون الهجوم في الليل وهو من أدق أنواع الهجوم.

 

وفى منتصف الليل تحركت القوة المهاجمة من خط التشكيل في هدوء تام وسكون مطبق لمفاجأة اليهود على غرة والهدف «كوكبة». ونجحت الخطة تماما فلم تطل رصاصة واحدة إلا بعد أن اقتحمت القوات السعودية مواقع العدو ودار القتال بالسلاح الأبيض والقنابل اليدوية.

 

وفوجئ اليهود بقسوة الهجوم فانسحبوا إلى المدرسة -مدرسة كوكبة -وهي تبعد عن كوكبة بحوالي 2 ك.م واستمر الملازم محمد رياض يقود السعوديين واندفع بقوته خلف العدو المتقهقر واحتل المدرسة.

 

انسحب اليهود من المدرسة إلى مواقعه الحصينة في "الحليقات" واندفع وراءهم "رياض" مرة أخرى إلى "الحليقات" واشتبك معهم فأسرع الملازم أول "اليوزباشي الآن" سعد الجمال إلى مؤازرة صديقه رياض وهاجم مؤخرة اليهود في عنف وبهذا، وصرت القوات اليهودية بين نارين فأبيدت عن آخرها وسقطت قرية «الحليقات» وأنعم على محمد رياض وسعد الجمال بنجمة فؤاد الأول وبمشبكها.

 

  هذه هي بعض ذكرياتي عن شهر رمضان في خط النار. بعضها ولا أقول كلها فهناك موانع شتى وأسباب كثيرة تمنعني من كتابة كل ما أريد أو ما أحب وهي مع هذا صورة سريعة وصادقة لناحية من نواحي حربنا الأخيرة في فلسطين والتي عملتنا الشيء الكثير!!

 

تم نسخ الرابط