السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

9 رمضان 918 هجرية.. السلطان الغوري يعين طومان باي متحدثًا عن ديوان الوزارة

الفارس المملوكي طومان
الفارس المملوكي طومان باي

الفارس المملوكي طومان باي كان من أشجع المماليك الذين تصدوا للدولة العثمانية، وكان محبوبا من الشعب المصري لقيامه بكبح جماح المماليك ومنعهم من حمل السلاح والخروج ليلا لترويع الناس او القيام بأعمال نهب وتخريب متاجر المواطنيين  مما أكسبه حب الناس حيث كانوا يصفونه بأنه ودود وعطوف مع الفقراء وكان كثير العطايا لهم بخلاف أقرانه من المماليك، طومان باي كان يضع استقلال مصر وسيادتها نصب عينيه ويرى انه يجب ان تتبؤا مكانتها كدولة كبيرة قائده للعالم الاسلامى كله ولذلك كافح وقاوم العثمانيين  بكل شرف ودافع عن مقدرات البلاد وحقق إنتصارات واستطاع التدرج فى المناصب حتى أعتلى عرش البلاد ولكن الخيانة هزمته  وقادته لحبل المشنقة أمام جموع المصريين حيث شهدت اللحظات الاخيرة من حياته لحظات مؤثرة فرغم أقامة المشنقه وسط حراسه مشدده تجمع المصريين ليودعوه والدموع فى عيونهم فما كان منه الا أنه قرأ الفاتحة مؤكداً شجاعته فى استقبال الموت و  طلب من الحاضرين من الناس قرائتها قبل شنقه.

ويعد الأشرف أبو النصر طومان باي آخر سلاطين المماليك الشراكسة في مصر، وهو السابع والأربعون من سلاطين الترك بالديار المصرية، وهو الحادي والعشرون من السلاطين الشراكسة، وهو السلطان الوحيد الذي شُنق على باب زويلة.

 تسلّم الحكم بعد مقتل عمه السلطان الغوري بموقعة مرج دابق عام 922هجري/1516 ميلادي بعد أن عينه نائباً له قبل خروجه لقتال العثمانيين، وبعد مقتل الغوري أجمع الأمراء على اختياره سلطاناً لمصر، وقد امتنع طومان باي عن قبوله منصب السلطنة في بداية الأمر بحجة ضعف الموقف العام وتشتت قلوب الأمراء وحصول فتنة من قبل بعض المماليك حيث كان خان الخليلي قد نُهِب وقُتِل جميع التجار بحجة أصولهم العثمانية، لكنه عاد بعد إلحاح وبعد أن أقسم له الأمراء على المصحف بالسمع والطاعة وعدم الخيانة وقد حضر البيعة يعقوب المستمسك بالله الخليفة المعزول وذلك لوجود ابنه الخليفة العباسي المتوكل على الله الثالث اسيراً بأيدي العثمانيين بحلب، ثم انهزم طومان باي بمعركة الريدانية في 29 ذي الحجة 923 هجري/1517ميلادي،  وانضوت مصر تحت الخلافة العثمانية.

كان طومان باي جركسي الأصل، اشتراه السلطان قانصوه الغوري وقدمه إلى السلطان الأشرف قايتباي، ولهذا يُدعى "طومان باي من قانصوه"، فصار من جملة مماليك قايتباي الكتابية،  واستمر على ذلك حتى اعتلى الملك الناصر محمد بن قايتباي عرش مصر فأعتقه وخصص له خيلا وغلمانًا، وبقي جدارًا ثم خاصكيًا واستمر على ذلك حتى تولى قانصوه الغوري سلطنة مصر في شوال سنة 906 هـ - إبريل 1501 م. ـ. تدرجه فى السلطه ووصوله لعرش البلاد.

فأخذ يترقى في المناصب، فصار أمير عشرة (أي يرأس عشر فرسان)، واستمر على ذلك إلى سنة 910 هـ حيث توفي المقر الناصري محمد بن السلطان الغوري، فأنعم عليه السلطان بمنصب أمير طبلخانه (أي يرأس أربعين فارسا)، واستمر في هذا المنصب حتى ذي الحجة سنة 911 هـ حين أنعم عليه لسلطان بتقدمة ألف فارس، وعندما توفي الأمير أزدمر بن علي باي الدوادار الكبير في جمادي الأولى سنة 913 هـ أنعم السلطان الغوري عليه بمنصب داودار كبير (الذي يبلغ الرسائل للسلطان ويقدم إليه المظالم)، ثم أنعم عليه بالاستإدارية العالية المشرف على حاشية السلطان وخدمه في يوم الاثنين 11 من شعبان سنة 914 هـ.

وفي عام 917 هـ خلع السلطان عليه وعينه أمير ركب الحج، وصحبه للحج في هذا العام عدد كبير من الأعيان كالأمراء مقدمي الألوف، وجماعة من الرؤساء بالديار المصرية، وبعض مشايخ العربان. وعند عودة الركب إلى القاهرة في محرم سنة 918 هـ خلع السلطان على الأمير طومان باي ونزل من القلعة في موكب حافل وكان يومًا مشهودًا.

ويعلق ابن إياس قائلا: ورجع من الحج والناس عنه راضية، وأشيع عنه أخبار حسنة مما فعله في طريق الحجاز من البر والإحسان وفعل الخير وحمل المنقطعين، والصدقات بطول الطريق على الفقراء والمساكين فشكر له الناس ذلك وفي يوم الخميس التاسع من رمضان سنة 918 هـ خلع السلطان الغوري عليه وعينه متحدثًا على ديوان الوزارة وسائر الدواوين ويصف ابن إياس ما وصل إليه قائلا:

 فتضاعفت عظمته جدًا، واجتمع فيه عدة وظائف سنية ولا سيما لكونه قرابة السلطان، فلما نزل من القلعة كان له يوم مشهود، وفي صحبته سائر الأمراء وأرباب الدولة، يتقدمهم الطبل والمزامير.

وفي ذي القعدة من سنة 920 هـ عندما ذهب الغوري إلى ثغر الإسكندرية، أصدر مرسومًا بأن يكون طومان باي قائد غيبته. وقد حرص طومان باي على إشاعة الأمن في القاهرة وكبح جماح المماليك فأمر "بأن يُنادى في القاهرة بالأمان والاطمئنان والبيع والشراء، وبأن يعلقوا على كل دكان قنديلا من المغرب، وأن لا مملوكا ولا غلاما ولا عبدا يخرج من بعد العشاء ومعه سلاح، فضج الناس له بالدعاء".

وفي ربيع الآخر سنة 922 هـ عندما خرج السلطان الغوري إلى الشام لملاقاة السلطان سليم الأول العثماني خلع عليه وعينه نائب الغيبة في القاهرة إلى أن يحضر. وقد ظل كذلك إلى أن اختير سلطانًا على مصر عقب مصرع الغوري في مرج دابق.

وعقب معركة مرج دابق  وبعد عودة  أمراء المماليك إلى مصر تشاوروا في الأمر ووقع اختيارهم على الأمير طومان باي الدوادار نائب الغيبة ليخلف الغوري، فرفض قبول المنصب والأمراء يصرون عليه ويصف ابن إياس ذلك بقوله:اجتمع رأي الجميع على سلطنة طومان باي الدوادار وترشيح أمره لأن يلي السلطنة فصار يمتنع عن ذلك غاية الامتناع، والأمراء كلهم يقولون: ما عندنا من نُسلطنه إلا أنت ولا مَحيد لك عنها طوعا أو كرها

لكنه أصرّ على رفضه فاستعان المماليك بالشيخ أبي السعود الجارحي لإقناعه، فأحضر الشيخ مصحفا وحلف الأمراء بانهم إذا سلطنوه لا يخونونه ولا يغدرون به، وسوف يرضون بقوله وفعله، فأقسموا على ذلك. فدُقت البشائر بالقلعة ونودي باسمه في القاهرة وارتفعت الأصوات بالدعاء له، وخُطب باسمه على منابر مصر والقاهرة بعد أن ظل الخطباء يخطبون باسم الخليفة العباس خمسين يوما وكان ذلك في شهر رمضان سنة 920 هـ.

إعدام طومان باي

بعد مقاومة عنيفه وتحقيق انتصارات على العثمانيين واعتراف سليم الاول أنه لم ينتصر بشجاعته ولكن بمدافعه  وبعد هزيمته هزيمة كبيرة فى معركة أطفيح وحرق مراكب العثمانيين ولولا الخيانه لكان الوضع مختلف لطومان باى ولكن بسبب خيانته من قبل رجل يدعى حسن مرعى من الأعيان كان طومان  باى يختبئ عنده فقام بتسليمه لسليم الأول  ,دار حوار بين سليم الاول وطومان  باي وقال مثل هذا الرجل لايقتل ولكنه أستقر الأمر على إعدامه فقرأ الفاتحه وطلب من الناس قراءة الفاتحه له وتم شنقة على باب زويلة.

وفى ذلك  يقول  ابن إياس فى موسوعته "بدائع الزهور فى وقائع الدهور" مشهد إعدام السلطان طومان باى، فقال:"طلع طومان باى القاهرة فطلع من سوق مرجوش أقصى شارع المعز من ناحية الجمالية  وشق القاهرة، وجعل يُسلم على الناس، حتى وصل إلى باب زويلة عند مسجد المؤيد شيخ في أقصى الغورية حالياً  

وهو لا يدرى ما يُفعل به، فلما أتوا إلى باب زويلة، أنزلوه عن فرسه، وأرخوا له الحبال، ووقفت حوله العثمانية بالسيوف مسلولة، فلما تحقق أنه يُشنق وقف على أقدامه على باب زويلة، وقال للناس الذين حوله: اقرأوا الفاتحة ثلاث مرات، وقرأت الناس معه، ثم قال للمشاعلى(من يقوم بقطع الرؤوس أو تنفيذ الإعدام): اعمل شغلك، فلما  وضعوا الخية فى رقبته، ورفعوا الحبل، انقطع به فسقط على عتبة باب زويلة.

 وقيل انقطع به الحبل مرتين، وهو يقع على الأرض ثم يعلقونه وهو مكشوف الرأس، فلما شُنق صرخت عليه الناس صرخة عظيمة، فإنه كان شابا حسن الشكل، كريم الأخلاق، سنه نحو أربع وأربعين سنة، وكان شجاعا بطلا تصدى لقتال ابن عثمان، وثبت وقت الحرب بنفسه، وقتل منهم ما لايحصى"، وظل طومان باى معلقاً ثلاثة أيام على باب زويلة حتى فاحت رائحته، فأمر سليم بأن يغسل ويكفن، وأمر بثلاثة آلاف دينار تفرق عليه، وأحضروا له تابوتا، ووضعوه فيه، وتوجهوا به إلى مدرسة السلطان الغوري عمه فدفنوه.

تم نسخ الرابط