التشميس والطرد من القبيلة.. تراث سيناوي وأقسى عقوبة قبلية
التشميس هو أقصى وأقسى عقوبة لدى أبناء سيناء، طبقا للأعراف والعادات والتقاليد السيناوية المتوارثة، فهو يعني الطرد من القبيلة بعد فشل محاولات الإصلاح لأي فرد منها، أي طرد المخالف لعادات وتقاليد القبيلة ليكون خارج مظلة القبيلة، وليصبح وحيدًا، وليست له أي حقوق أو واجبات تجاه قبيلته.
ومؤخرا، لجأت احدى العائلات بالعريش بجميع أفرعها لتعلن لجميع سكان العريش بمحافظة شمال سيناء وجميع محافظات جمهورية مصر العربية "من البدو والحضر" براءتهم التامة "أي تشميسها" لكل من أولاد المرحوم "فلان" وهم كل من "فلان" وأخيه "فلان" وجميع ذرياتهما، وأن العائلة من ذلك التاريخ غير مسؤولة عن تصرفاتهما وأعمالهما ومشاكلهما وما ينتج عنها، وأن يتحملوا نتائج تصرفاتهم، لأن العائلة أصبحت لا ترتبط بهم بأي صلة دم أو قرابة، ولا تجيبهم في هم ولا دم ولا زرم ولا في أي شيء، وأن يكونوا مسؤولين عن تصرفاتهم ومشاكلهم مع أي قبيلة من قبائل جمهورية مصر العربية بادية وحضر، ولا يحق بعد هذا التشميس المطالبة لأي فرد من أفراد العائلة بأي شيء، وهذا التشميس عليه 9 كفلاء، حيث وقع على هذا التشميس أفراد العائلة والكفلاء والشهود والشيخ الحكومي. ويعني بند التشميس في القضاء العرفي أن يتم إخراج أحد أفراد القبيلة من مظلتها القانونية العرفية، نتيجة تعدد ارتكابه لما يسيء لعائلته وأفراد قبيلته داخل القبيلة أو أمام قبائل أخرى، ويتم تنفيذ بند التشميس بالإعلان عن تشميسه في مجالس القبائل الأخرى بعد استنفاد قبيلته كل الوسائل الممكنة لحضه على انتهاج مسلك القبيلة الطبيعي الذي يحفظ سلامتها وسلامة أفرادها أمام القبائل الأخرى.
والتشميس عقوبة تنفرد بها قبائل شبه جزيرة سيناء دون غيرها من المحافظات الأخرى، ويطلق على من طاله حكم بالطرد من القبيلة: "المشمس"، وسمى تشميسا لأن المجتمع القبلي يعد القبيلة هي المظلة التي يستظل أبنائها بها من حرارة الشمس، فإذا طرد أحدهم فانه يقف تحت حرارة الشمس وحيدا بعيدا عن ظل القبيلة.
والتشميس له أصول، فلا يتم تشميس أي شخص قبل التنبيه عليه مرة تلو المرة، وهو يعد آخر عقوبة يتم توقيعها على المخالفين، ولا يتم تطبيقها على من أخطأ مرة أو مرتين، ولكن يتم تطبيقها على معتادي الخطأ وجلابي المشاكل لقبائلهم، والتشميس يطال الشخص المشمس وذريته، ولا يتم تشميس الشخص قبل "تنظيفه"، وهو مصطلح بدوي يعني دفع جميع الالتزامات المادية والحقوق التي عليه للآخرين، ثم كتابة ورقة يوقع عليها عدد من مشايخ وكبار عائلة المشمس إضافة إلى والده وأعمامه، ثم يتم توزيعها على المقاعد "المجالس" الخاصة بالعائلات والقبائل الأخرى بحيث لا تقل عن 3 مقاعد، وحينئذ يصبح الشخص مشمسا ومنبوذا من القبيلة التي ينتمى إليها، وينظر إليه نظرة دونية، وفي حالة صلاح من تم تشميسه وتوبته عن أفعاله من الممكن إعادته مرة أخرى إلى مظلة القبيلة بعد إبلاغ القبائل الأخرى وكتابة ورقة بذلك.
والتشميس من الممكن أن يكون لشخص واحد أو لعائلة بأكملها، فقديما كانت القبيلة اذا كانت بها عائلة متجاوزة وتضع القبيلة في مشاكل مع القبائل الأخرى فانه يتم طردها من القبيلة كلها بعد إخبار القبائل المجاورة حتى أنه يصل الأمر إلى تهجيرهم من أراضيهم إلى أراض أخرى، ولكن التاريخ يذكر لنا هذا على نطاق ضيق، فقد كانت العائلات داخل القبيلة الواحدة تتكاتف لمواجهة القبائل الأخرى لحماية أراضيها وممتلكاتها.
والتهجير أو التغريب قد يكون بطوع العائلة، فاذا رأت العائلة أن الخروج من القبيلة هو السبيل إلى النجاة من الدخول في مشكلات مع القبائل الأخرى فانه يتم ابلاغ القبائل بخروج عائلة ما، وفي هذه الحالة يكونون عائلة وحدهم يكون مردهم لأنفسهم وليس للقبيلة التي خرجوا منها، ويتكفلون بكافة الحقوق والواجبات تجاه القبائل الأخرى بعيدا عن قبيلتهم التي تركوها طواعية.
ومن الممكن الانضمام لقبيلة أخرى فيما يعرف بـ"حرق الثوب"، وهو بمثابة الاعلان عن ترك قبيلة والدخول في قبيلة أخرى ليصبحوا منها ويدافعوا عنها ويلتزموا بالحقوق التي يتم دفعها عن القبيلة في حالة تغريم القبيلة عرفيا.
وهناك "قعود النوم"، وفيه يتوجه منفردا أحد أبناء القبيلة التي تم تغريمها نتيجة جلسة عرفية إلى القبيلة صاحبة الحق، ويدفع لهم مبلغا رمزيا من المال مقابل عدم مطالبته بأي حقوق من التي طالت قبيلته، أي أن هذا الشخص يتخلى عن قبيلته وقت الشدة، وبالتالي تقوم قبيلته بالتخلي عنه وطرده منها. ويعد مفهوم التشميس أو بند التشميس الذي يعني في القضاء العرفي أن يتم إخراج أحد أفراد القبيلة من مظلتها القانونية العرفية نتيجة تعدد ارتكابه لما يسيء لعائلته وأفراد قبيلته داخل القبيلة أو أمام قبائل أخرى، ويتم تنفيذ بند التشميس بالإعلان عن تشميسه في مجالس القبائل الأخرى بعد استنفاد قبيلته كل الوسائل الممكنة لحضه على انتهاج مسلك القبيلة الطبيعي الذي يحفظ سلامتها وسلامة أفرادها أمام القبائل الأخرى.
وشهدت السنوات الأخيرة تجاوزا في تطبيق التشميس، حيث يتم إنجاز تشميس أحد أبناء القبائل بسرعة دون استنفاد النصح والإرشاد له من جهة أو تحت ضغوط أمنية مباشرة على شيوخ القبائل ووجهائها لتنفيذ مهمة أمنية ضد الشخص المراد تشميسه دون حدوث تداعيات واحتجاجات في حال إصابة هذا الفرد بأذى.
وقد أثار الموضوع ردود أفعال وتساؤلات، حيث قال عبد العزيز هندي الغالي عضو اتحاد الكتاب وأمين عام جمعية متحف التراث السيناوي: هل التشميس هو الحل؟ ويرد قائلا: أولا: مصطلحا هو أن يخرج الشخص من تحت مظلة العائلة حيث العزوة والأمن والأمان والترابط والدفاع عنه إلى تحت الشمس حيث العراء والوحدة والتخلي عنه وتركه يواجه مصيره وحده، حتى ان قتل لا يجد من يطالب بديته.
ثانيا: ولا يكون التشميس في حق الأفراد فقط، بل يمكن تطبيقه على أحد فروع العائلة بأكملها.
ثالثا: متى تلجأ القبيلة أو العشيرة للتشميس؟ حين يقوم أحد أفراد العائلة أو فرع من فروعها بجلب المتاعب والمشاكل لقبيلته، غير عابئ بما يسببه لها من مشاكل وتراكمات رغم النصح والتوجيه والتأنيب، ويتم التنبيه عليه مرة واثنين وثلاثة غير عابئ بما قد يحدث للعائلة من خسائر مادية أو معنوية أو تشويه سمعتها الطيبة بين الناس والمجتمع، مما يؤثر سلبا عليها وعلى صورتها وتعاملاتها وعلاقاتها بباقي العائلات.
رابعا: تجتمع العائلة بكبارها، بعواقلها، بشيوخها كجمعية عمومية لتأخذ قرارا بشأن العضو الذي توجب أفعاله التشميس تجنيبا للعائلة من تبعات تجاوزاته وبلطجته ورعونته وجلبه الدائم للمشاكل.
خامسا: يعلن قرار التشميس في أكثر من مكان عام، ومن ضمنها الدواوين والمقاعد.
سادسا: لا يتم التشميس قبل أن يتم تغسيل الشخص من بعض المشاكل والقصور.
سابعا: فلسفة التشميس ترتكز على ضرورة الالتزام بقواعد ونظم القبيلة وعدم الخروج عن الأعراف المعروفة لدى المجتمع، وأن ينصاع الفرد للقبيلة، وألا يكون جلابًا للمشاكل والدم، وبالتالي يكون التشميس علاجا ناجعا، واللجوء للجراحة ببتر العضو الفاسد كحل أخير.
ويضيف المهندس سمير أبو عتلة أنه طبقا لمعنى التشميس يحق للقبيلة أو العشيرة نبذ رجل من بينهم والتبرؤ منه بسبب سوء طبعه أو سلوكه أو عدم التزامه بقوانين العائلة وتعلن هذه القبيلة أو العشيرة على الملأ "أن فلان مشمس ولا يحق المطالبة بدمه اذا قتل"، أي متروك في الخلاء تحت الشمس لا تظله القبيلة أو العشيرة بحمايتها. وأنه لا يحق للقبيلة أو العشيرة أن تشمس رجلًا اقترف جريمة الا بعد حل المشكلة، وفى اللغة الدارجة لدى قبائل سيناء: غسل هدومك وبعدين شمس، ودائمًا يبدأ التشميس بعد أن تحل المشكلة وبعد اقتناع القبيلة أو العشيرة بأن هذا الرجل يتسبب في كثرة المشاكل وجلب المتاعب لهم.
وأشار إلى أنه من حيث المبدأ فاذا تكررت مثل هذه الأعمال فلابد من وضع أسس وضوابط لعدم تكرارها نهائيا، وذلك عن طريق وقفة مع العواقل والمشايخ العرفية والحكومية وما يسمى بكبار العائلات.
ويقول الزميل حسين القيم ان قضية التشميس ليست بالقضية السهلة، والمشمس بمثابة الصعلوك الذي يطرد من القبيلة، لذا فإن الموافقة على تشميس شخص ما ليس بالأمر الهين.
وأضاف: إنني على مدار شهور كثيرة كنت أدرس البديل لعملية التشميس فوجدت هناك بند في القضاء العرفي اسمه: "خروج المعاملات"، أي أنني مع قريبي في الدم وكل شيء إلا في المعاملات المادية فإنني لست معه، ولكن للآسف وجدت أن جمهور هذا البند قليل ويعتبر غير معترف به، والأدهى أن وجدت الكثير من القضاة العرفيين يفتقدونه أو لم يسمعوا به، خصوصا اننا نعاني الآن من قلة القضاة العرفيين المدركين تماما له.
أما بالنسبة لقضية العائلة التي شمست ابنها مؤخرا فأعتقد أنهم قد تسرعوا كثيرا في عملية التشميس، فإن التشميس باب تم فتحه، وسوف يفكك العائلة أو القبيلة، وان السماح بتفكك عائلة أو قبيلة فاعتبره خطأ فادحا، وان كان يجب عقد مشاورات مع القبائل الأخرى قبل إخراج هذا الموضوع.
ظاهرة التشميس العرفية بسيناء
ومن جانبه، يثير الكاتب الصحفي بالأهرام الدكتور أحمد سليم تساؤلا بهل تسهم ظاهرة التشميس العرفية بسيناء في القضاء على الفساد فعلا؟ أم أنها تسهم في مزيد من الفساد وخلق إرهاب جديد؟ حيث إن التغريب في الإسلام انتقده بعض الصحابة بشدة، لذلك طرح تساؤله عن رأي الشرع في هذه الظاهرة على أحد رجال الدين ليجيب عنه، وهل هذه الظاهرة تفيد المجتمع أم تفسده.



