قوا زيجيان: التعاون الصيني- العربي في مجال الفضاء يسير بخطوات متسارعة
كتب قوا زيجيان، الأستاذ بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية والباحث في مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية، مقالا حصريا لبوابة روزاليوسف عن المحطة الفضائية الصينية المرتقبة والدول العربية جاء فيها:
أنه في يوم 5 يونيو، يوجه جميع الصينيين الأنظار إلى الفضاء..
ففي 10:44 صباحًا بتوقيت بكين، نجحت الصين في إطلاق المركبة الفضائية المأهولة "شنتشو 14"، إنه حدث مهم في المسيرة الصينية نحو الفضاء الخارجي. مع دخول المركبة إلى المدار، بدأت الصين مرحلة التجميع لمحطتها الفضائية الخاصة، التي ستكون المحطة الفضائية الوحيدة بعد الانتهاء المرتقب للمحطة الفضائية الدولية في عام 2031. لم يكن ذلك الإطلاق الأول للصين في السنوات الأخيرة، إذ أنها أكملت 6 مهام الإطلاق منذ بداية عام 2020، ونجحت من خلالها في إيصال الوحدة الرئيسية للمحطة الفضائية "كبسولة تيانخه" (بمعنى الانسجام مع الكون) والمعدات الجوهرية اللازمة إلى الفضاء. ومن المخطط أن تنجز الصين 6 مهام الإطلاق الأخرى في عام 2022، حتى يتم تجميع المحطة الفضائية قبل نهاية هذا العام.
في هذا السياق، ستطلق الصين كبسولة الاختبار "ونتيان" (بمعنى سؤال الفضاء) في يوليو المقبل وكبسولة الاختبار "منتيان" (بمعنى حلم الفضاء) في أكتوبر المقبل، اللتين ستلتحمان بالوحدة الرئيسية الموجودة في الفضاء حتى يتشكل الهيكل الرئيسي للمحطة الفضائية الصينية، الذي سيصل وزنه الإجمالي 100 طن.
يبلغ طول المركبة الفضائية التي تم إطلاقها هذه المرة 9 أمتار ووزنه 8 أطنان وقطره 2.8 متر، وهي تتكون من 3 أجزاء، أي كبسولة المدار حيث يعيش فيها رواد الفضاء، وكبسولة العودة حيث توجد فيها أجهزة التحكم، وكبسولة الدفع حيث توضع فيها أنظمة الدفع والكهرباء، وعلى متن المركبة 3 رواد الفضاء، من بينهم رائدة الفضاء، وسبق لاثنين منهم أن دخلا الفضاء من قبل، وجميعهم حاصل على شهادة الماجستير أو الدكتوراه. سيبقى الفريق في المحطة الفضائية لمدة 180 يوما، حتى يستبدلهم فريق آخر الذي سيصل إلى المحطة بالمركبة الفضائية "شنتشو 15" المرتقب إطلاقها في وقت لاحق لهذا العام. المهام الرئيسية هذه المرة هي تجميع المحطة الفضائية وتجهيز الأجهزة داخل وخارج المحطة والقيام بالاختبارات العلمية، علما أن في المحطة الفضائية 25 صندوق الاختبار، ويعتبر كل منه مختبرا مستقلا، يمكن إجراء فيه الاختبارات العلمية التي تحتاج إلى ظروف الجاذبية الصغرى.
بعد اكتمال بناء المحطة الفضائية الصينية في نهاية عام 2022، ستدخل المحطة مرحلة التطور والتشغيل، التي ستدوم أكثر من 10 سنوات، ومن المخطط إطلاق مركبتين فضائيتين مأهولتين ومركبتي الشحن إلى المحطة الفضائية كل سنة، لضمان تواجد رواد الفضاء في المحطة بشكل مستمر وتوفر إمداداتهم.
في هذا السياق، تخطط الصين لتطوير جيل جديد من صواريخ النقل والمركبة الفضائية التي بإمكانها إيصال 7 رواد الفضاء إلى المحطة مرة واحدة. خلافا للولايات المتحدة، تلتزم الصين بمبدأ الاستخدام السلمي والمساواة والمنفعة المتبادلة والتنمية المشتركة في تطوير المحطة الفضائية، وقد وقعت مع دول ومنظمات كثيرة في العالم بشأن التعاون في مجال الفضاء، بما فتح الأبواب على مصراعيه للتعاون الدولي، وقد حققت نتائج مثمرة في هذا المجال.
ترحب الصين بالتعاون مع كافة دول العالم في مجال الفضاء، بما فيه الدول العربية، بالتالي لنستعرض أهم الخطوات للتعاون الصيني العربي في مجال الفضاء.
بدأ التعاون الصيني العربي في مجال الفضاء في عام 2007، حين وقعت الصين "مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال تكنولوجيا الفضاء وتطبيقها" مع الجزائر، وهي أول دولة عربية بدأت التعاون مع الصين في مجال الفضاء، كما هي المرة الأولى التي تعتبر الصين فيها الفضاء مجالا مستقلا للتعاون الصيني العربي، إذ قبل عام 2007، كان التعاون الصيني العربي في مجال الفضاء جزءا من التعاون في مجال العلوم والتكنولوجيا. ثم في عام 2013، وقعت الصين مع الجزائر عقد بشأن تطوير قمر اصطناعي ألكوم سات 1، وهو أول مشروع التعاون بين البلدين في مجال الفضاء. في عام 2017، نجحت الصين في إطلاق هذا القمر الاصطناعي وبدأت وكالة الفضاء الجزائرية تشغيل القمر الاصطناعي في عام 2018، ويعمل هذا القمر الاصطناعي بشكل سلس حتى يومنا هذا.
رفع هذا المشروع صورة الصين أمام الدول العربية، وأظهر مستوى التكنولوجيا الصينية في مجال الفضاء، وشكل الأساس للتعاون الصيني العربي في مجال الفضاء.
دخل التعاون الصيني العربي في مجال الفضاء مرحلة التنمية السريعة في عام 2014، حين طرح الرئيس شي جين بينغ في الاجتماع الوزاري السادس لمنتدى التعاون الصيني العربي معادلة التعاون "1+2+3" بين الصين والدول العربية، التي تضع "الطاقة النووية والفضاء والأقمار الاصطناعية والطاقة الجديدة كنقاط الاختراق لرفع مستوى التعاون العملي بين الصين والدول العربية." وفي عام 2016، أعادت الصين تأكيد هذه المعادلة في "وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية" بالقول "مواصلة تطوير التعاون الصيني العربي في مجال الفضاء ومناقشة احتمال المشاريع المشتركة في مجالات تكنولوجيا الفضاء والأقمار الاصطناعية والتعليم والتدريب الفضائي، والإسراع بدفع استخدام نظام بيدو للملاحة بالأقمار الاصطناعية في الدول العربية ودفع التواصل والتعاون في مجال الرحلات الفضاء المأهولة ورفع مستوى التعاون في مجال الفضاء." منذ ذلك الحين، ركزت الصين على التعاون مع الدول العربية في الملاحة بالأقمار الاصطناعية والاستشعار عن بعد عبر الأقمار الاصطناعية، مما أدخل هذا التعاون إلى مرحلة الازدهار والتنوع.
في عام 2014، وقع المكتب الصيني لإدارة نظام الملاحة بالأقمار الاصطناعية مع المنظمة العربية لتكنولوجيات الاتصال والمعلومات "مذكرة تفاهم بشأن التعاون الصيني العربي في مجال الملاحة بالأقمار الاصطناعية" في مقر الجامعة بالقاهرة، وقررا إقامة منتدى التعاون الصيني العربي بشأن نظام بيدو للملاحة بالأقمار الاصطناعية، الذي ينعقد مرة كل سنتين بالتناوب بين الجانبين، لقد عُقد المنتدى مرتين في مدينة شانغهاي الصينية عام 2017 وتونس عام 2019، ووفقا لمخرجات المنتدى، تم بناء "المركز الصيني العربي لبيدو/GNSS"، الذي نظم العديد من الدورات الدراسية للدول العربية ووفر الكثير من المنح الحكومية الصينية للمبتعثين العرب. على الصعيد الثنائي، يمتد التعاون في مجال الفضاء ليغطي المزيد من الدول العربية. في عام 2014، وقعت الصين مع المملكة العربية السعودية "مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال تكنولوجيا الفضاء"، وفي نفس العام، وقعت مع مصر "الاتفاقية بشأن التعاون في مجال تكنولوجيا الفضاء وتطبيق الاستشعار عن بعد"، حيث قرر البلدان تعزيز التعاون في تطوير وصناعة وإطلاق الأقمار الاصطناعي وتقاسم المعلومات.
أما في مجال البنية التحتية لتعاون الفضاء، وقعت الصين مع مصر "مذكرة تفاهم بشأن مصر سات 2 للاستشعار عن بعد" في عام 2016، مما أطلق مشروع مركز التجميع والاختبار للأقمار الاصطناعية (AIT) ومشروع مصر سات 2. يعتبر مركز AIT أول مشروع من نوعه في العالم العربي وثاني من نوعه على مستوى العالم، ويهدف إلى بناء البنية التحتية المهمة التي تحتاج إليها مصر لتطوير صناعة الفضاء في إطار "برنامج الفضاء المصري".
يقع المركز في منطقة مصر الجديدة، ويضم ورشا لتجميع الأقمار الاصطناعية واختبارها، تبلغ المساحة البنائية 6400 متر مربع، باستثمار 146 مليون يوان صيني.
دخل المركز مرحلة البحث والإنتاج، ومكن مصر من البحث وإنتاج قمرين اصطناعيين بوزن 600 كيلوغرام في آن واحد، ما رفع قدرة مصر على تطوير الأقمار الاصطناعية بشكل مستقل، وأصبح نموذجا حيا للتعاون العملي بين البلدين.
خلاصة القول، يسير التعاون الصيني العربي في مجال الفضاء بخطوات متسارعة، وفقا للإحصاءات، وقعت الصين مع الدول العربية 15 وثائق التعاون التي تضم 21 مشروعا التعاون حتى اليوم، من بينها 8 وثائق مع دول الخليج و4 مع الدول العربية في شمال إفريقيا، و4 مشاريع في مجال الأقمار الاصطناعية للاتصالات و7 مشاريع للأقمار الاصطناعية للاستشعار عن بعد و10 مشاريع للملاحة بالأقمار الاصطناعية.
استشرافا للمستقبل، سيشهد التعاون الصيني العربي في مجال الفضاء أفق واعد، إذ إن الصين تهتم بالدول العربية كشريك مهم في بناء "الحزام والطريق"، بينما تهتم الدول العربية من بتكنولوجيا الفضاء وتطوير برامج الفضاء على نطاق واسع. نظرا للعلاقات المتينة بين الصين والدول العربية، لعلنا سنشهد في يوم من الأيام رواد الفضاء العرب يعملون جنبا إلى جنب مع نظرائهم الصينيين.
بقلم قوا زيجيان الأستاذ بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية الباحث في مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية



