السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

تحت وطأة العقوبات.. روسيا تستنسخ "التجربة الصينية" لتوطين صناعات التكنولوجيا المتقدمة محليًا

الحكومة الروسية
الحكومة الروسية

بدأت الحكومة الروسية وضع خارطة الطريق لمخطط وطني شامل للنهوض بقطاع تصنيع الإلكترونيات ومكوناتهما و القضاء على ظاهرة "سرقة العقول الروسية"، العاملة فى هذا القطاع والحيلولة دون هجرتها إلى خارج روسيا وذلك بهدف الوصول إلى اعتماد كامل على الذات على صعيد إنتاج التكنولوجيا بحلول العام 2030 باستثمارات قدرها 40 مليار دولار. 

 

وبحسب مصادر الكرملين يستلهم المخطط الروسي الشامل للنهوض بقطاع إنتاج الإلكترونيات تجربة الصين فى تطوير إنتاجها الوطني من الإلكترونيات ومكوناتها وهو ما وضع مؤسسات صينية فى مجال إنتاج تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات ومكوناتهما حاليا فى موقع متقدم على خارطة الإنتاج العالمى، وخلق منها مؤسسات "وازنة" فى مواجهة المؤسسات الغربية المنافشة. ويصل حجم الاستثمارت الروسية فى قطاعات تكنولوجيا المعلومات ومكوناتها إلى 1ر1 مليار دولار أمريكي سنويا، وذلك فى مقابل 280 مليار دولار سنويا تستثمرها الصين محليا فى ذات القطاع، وهو ما مكن الصين الآن من الاستحواذ على نسبة 16 فى المائة من حجم السوق العالمية لأشباه الموصلات. 

 

وبالرغم العقوبات الغربية على روسيا.. يأتى التحرك الروسى فى مجال إنتاج التكنولوجيا ومكوناتها محليا ضمن 12 قطاعا تنمويا ذات اولوية لتحسين أوجه الحياة فى المجتمع الروسى من بينها زيادة إنتاجية العامل الروسى وتنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة وتقليص معدلات النمو السكانى التي تلتهم ثمار التنمية قبل نضوجها والاهتمام بالزراعة وتطوير البنية التحتية والسياحة. 

 

ويأمل رئيس الوزراء الروسى ميخائيل موشيستين فى تحقيق خفض - وربما انهاء - اعتماد روسيا على الاليكترونيات المستوردة من الغرب بصورة كاملة وضخ استثمارات حكومية فى هذا القطاع بكثافة تلبى احتياج السوق الروسية المتصاعدة للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وهي السوق التي تشهد نموا 7 فى المئة سنويا، بدءا من العام 2019 ويصل حجمه الى 25 مليار دولار أمريكي. 

ويقول الخبراء إن قطاع الإنتاج الاليكترونى و التكنولوجي فى روسيا يعانى من ظاهرة استنزاف العقول من مطورى البرامج من النابهين الروس وتفضيلهم الانتقال للعمل فى خارج روسيا وهو ما أفقد هذا القطاع عشرات الالاف من العناصر البشرية اللازمة لتطويره.

  ولهذا السبب.. يأتي بناء جيل جديد من الكوادر البشرية المتخصصة فى إنتاج مكونات التكنولوجيا الدقيقة فى صدارة المخطط الروسى لتنمية الصناعات الاليكترونية الوطنية، وسيتم ذلك عبر التوسع فى اعداد مراكز التطوير التكنولوجى الروسية من 70 مركزا فى الوقت الراهن إلى 300 مركز بحلول العام 2024. 

 

ويقول الخبراء إن العقوبات والحرب الاقتصادية الشرسة التي تتعرض لها روسيا من جانب الغرب بعد نشوب الحرب فى أوكرانيا أواخر فبراير الماضى باتت تحتم على صناع السياسات فى موسكو احياء مخطط تنمية صناعة الإلكترونيات على ضوء حظر تصدير التكنولوجيا إلى روسيا الذي يفرضه الغرب. 

وكانت روسيا قد بدأت فى العام الماضى بناء تعاون متوازن مع الغرب والصين معا لتنمية وتطوير قطاعات انتاج الاليكترونيات فى روسيا، لكن الحرب الأوكرانية وما استتبعها من شلل فى علاقات التعاون الروسية الغربية وانسحاب الغرب من كافة برامج التعاون مع موسكو أجهض المسعى الروسى ولم يدع مجال تحرك امام موسكو موسكو سوى استلهام التجربة الصينية فى انتاج الاليكترونيات فى مواجهة حملة شرسة من جانب الغرب لاستهداف الصناعات الإلكترونية الروسية.  وتعانى روسيا حاليا من آثار الحظر الغربى على توريد المكونات الاليكترونية اللازمة للصناعات التكنولوجية المتقدمة بما فى ذلك حظر توريد الحواسيب العملاقة وأشباه الموصلات متناهية الدقة، وبانضمام اليابان والولايات المتحدة إلى دول الاتحاد الأوروبي فى تطبيق الحظر بدأت روسيا فى الاتجاه إلى الصين منفردة واستنساخ تجربتها للقفز بأسرع ما يمكن على العقوبات الغربية وتطوير إنتاجوطني من المكونات الإلكترونية.  و يصل متوسط فاتورة استيراد روسيا السنوية من المنتجات التكنولوجية المتقدمة عالية التقدنية إلى 19 مليار دولار أمريكي، وطبقا للبيانات الصادرة عن مركز أبحاث بروجيل للتكنولوجيا المتقدمة – مقره بروكسيل – تعتمد روسيا على استيراد المنتجات التكنولوجية المتقدمة بنسبة 45 فى المئة من بلدان الاتحاد الأوروبي، وبنسبة 21 فى المائة على الولايات المتحدة.  كما أشار مركز بروجيل لبحوث التكنولوجيا المتقدمة فى تقرير له إلى أن روسيا قد سعت خلال السنوات الأخيرة إلى تطوير مؤسسات كبرى فى مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات فى مقدمتها مؤسسة "كاسبريسكى" للبرامج ومؤسسة "ياندكس" لمحركات البحث وهما المؤسستان اللتان بدأتا فى التعملق فى سوق التكنولوجيا الدولى قبل أن تطالهما آثار العقوبات الغربية.  وطبقا لدراسة أعدها خبراء مركز بروجيل السابق الإشارة إليه أدت العقوبات الغربية الى احداث تدهور بنسبة 39 فى المئة فى قطاع الإلكترونيات الروسى وهو ما أثر بدوره سلبا على قطاعات الإنتاج التكنولوجى، وتشير الدراسة إلى أن المصنعين الروس فى قطاعات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ممن اعتمدوا فى السابق على التكنولوجيا الغربية فى إنتاجهم لم يعد بإمكانهم الاستمرار فى الإنتاج لأكثر من تسعة أشهر قادمة فى ظل العقوبات الغربية الحالية التي تحظر تصدير التكنولوجيا المتقدمة إلى روسيا، وبعد ذلك سينفذ ما كان لديهم من مخزونات ضخمة سبق ان استوردوها من شركات ومؤسسات غربية عملاقة للتكنولوجيا ومكوناتها فى مقدمتهم مؤسسة انتل الأمريكية.

ويعد إحياء استخدام "الأجيال القديمة" من تكنولوجيا المعلومات من بين البدائل التي قد تتجه إليها روسيا حاليا للتخفيف من آثار العقوبات التي يفرضها الغرب على روسيا، ففى الثامن عشر من إبريل الماضى كشفت الفيرا نابوليانا محافظة بنك روسيا المركزى عن احتمالية تحول منتجى الإلكترونيات الروس إلى "الأجيال الأقدم من المنتجات التكنولوجية" مشيرة إلى أن هذا التحول قد يتم برغم خبراء تحذيرات البنك الدولى من خطورة لجوء بعض دول فى العالم اليه لما سيؤدى اليه من اتساع الفجوة التكنولوجية بين أسواق دول العالم الناشئة التي عادة ما تعتمد على الأجيال الأقدم فى تكنولوجيا المعلومات ومكوناتها الإلكترونية وبين اسواق العالم المتقدم التي تعتمد على أحدث تكنولوجيا متقدمة. 

تم نسخ الرابط