عاجل
الجمعة 27 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
مختـارات من الشعـر
بقلم
محمد نجم

مختـارات من الشعـر

بقلم : محمد نجم

بعض الأبيات الشعرية تكون وراءها قصة تاريخية أو موقف إنسانى، وينتهى الموقف وتصبح القصة فى ذمة التاريخ ولكن تتحول الأشعار التى قيلت فى تلك المناسبة إلى ما يشبه الحكمة، أو إلى «مثل» يتم الاستشهاد به عند تشابه المواقف، منها هذا البيت الشهير وتكملته:



صلى المصلى لأمر كان يطلبه                           ولما انقضى الأمر لا صلى ولا صاما

سلوم ما زاد فى الدين خردلة                             ولا  ترهبن  فى  أمر  ولا  قامــا

وهو يعبر عن رجل من الروم قدم إلى الإسكندرية فى مهمة استخباراتية وسمى نفسه (سلوم) وكان يحمل معه أكياسًا من الذهب قام بدفنها فى أماكن مختلفة، ثم تعلم العربية وأتقنها  وانقطع للعبادة حتى شاع خبره وانتشر ذكره.. ووصل إلى الملك الذى كانت تعانى خزائنه من العجز، فكان سلوم يدل رجال الحاشية على مكان الذهب، وتكرر الموقف إلى أن وثق به الجميع وأولهم الملك الذى تصادف أن احتاج لأموال إضافية، فأخبره سلوم بأن الذهب تحت المنارات البحرية التى شيدها على البحر لمراقبة حركة السفن، فأمر الملك بهدم المنارات لاستخراج ما تحتها من ذهب!

وبالطبع لم يجدوا شيئا، وتمكن سلوم من الهرب، وهجمت الأساطيل الرومية على الإسكندرية، ومن بعدها أصبحت تلك الأبيات تضرب مثلا لمن يقوم بعمل لا يرجو منه ثوابًا، وإنما تمويه لأمر آخر غير معلن.

qqq

وهذه قصيدة شعرية طريقة للشاعر اليمنى إسماعيل بن أبى بكر المقرى، والعجيب أنه يمكن قراءتها من اليمين إلى اليسار فتكون مدحا:

طلبـــــوا الذى نالوا فما حُـرموا          رفعــت  فمــا  حُطـت  لهــم  رُتبُ

وهبـــوا ومـــــــا تّمت لهم خُلق           سلمـــوا  فمـا  أودى  بهـــم  عطبُ

جلبوا الذى نرضى فما كسدوا           حُمت  لهـم  شـيم  فمـا  كسـبوا

و إذا قرأتها من اليسار إلى اليمين تكون ذما:

رُتبُ لهــم حُطــت فمــــا رفعـت          حرمـوا  فمـا  نالــوا  الذى  طلبــوا

عطـب  بهم  أودى  فما  سلمــــوا        خُلـق  لهــم  تمـت  ومـا  وهبـــــوا

كسبوا  فما  شيم  لهم حُمـدت            كسدوا فما نرضى الذى جلبــوا

qqq

وهذه مباراة فى «التعريض» بين رائد الشعر الجاهلى أمرؤ القيس ومعاصره الشاعر عبيد بن الأبرص والذى لقب بعبيد الفحل، حيث تزوج طليقة امرؤ القيس من بعده.. وكانت قد حكمت بأنه أشعر من زوجها، وقد تبارى الاثنان، حيث بدأ عبيد فى قول بيت من الشعر وكأنه أحد الألغاز، فكان امرؤ القيس يرد عليه ببيت آخر مفسرا لما قاله،  وهكذا وبدأ عبيد بقوله:

ما حية ميتة قامت بميتتها                  درداء ما أنبتت ســنا وأضــراسا؟

فقال امرؤ القيس:

تلك الشعيرة تسقى فى سنابلها                 فأخرجت بعد طول المكس أكداسا

فقال عبيد:

ما السود والبيض والأسماء واحدة                   لا يستطيع لهن الناس تمساسا؟

فقال امرؤ القيس:

تلك السحاب إذا الرحمن أرسلها              روى بها من محول الأرض أبياسًا

فقال عبيد:

ما مُرتجات على هول مراكبها                       يقطعن طول المدى سيرا وامراسا؟

فقال امرؤ القيس:

تلك النجوم إذا حانت مطالعها             شبهتها فى سواد الليل أقباسا

قال عبيد:

ما القاطعات لأرض لا أنيس بها                     تأتى سراعا وما ترجعن انكاسا؟

فقال امرؤ القيس:

تلك الرياح إذا هبت عواصفها                        كفى بأذيالها للترب كناسا

وقال عبيد:

ما الفاجعات جهارا فى علانية                        أشـد من  فيلق  مملوءة باسا؟

فقال امرؤ القيس:

تلك المنايا فما يبقين من أحـد              يكفتن حمقى وما يبقين أكباسا

وقال عبيد:

ما القاطعات لأرض الجو فى طلق                       قبل الصباح وما يسرين قرطاسا

فقال امرؤ القيس:

تلك الأمانى يتركن الفتى ملكا                             دون السـماء ولم ترفع له راسـا

فقال عبيد:

ما الحاكمون بلا سمع ولا بصر                      ولا لسان فصيح يعجب الناس؟

فقال امرؤ القيس:

تلك  الموازيـن  والرحمن  أنزلها                     رب  البرية  بين الناس مقياسا

ونختم بتلك الأبيات الجميلة للشاعر الأندلسى لسان بن الخطيب:

جاءت  معذبتى  فى  غيهب الغسق           كأنها الكوكب الدرى فى الأفق

فقلت  نورتـى  يا  خيـر  زائــــرة        أما خشيت من الحراس فى الطرق

قالت  ودمــع  العـين  يســـــــبقها            من يركب البحر لا يخشى من الغرق

فقلت  هـذه  أحـاديث  ملفقـــة            موضوعة  قد أتت من قول مختلق

فقالت وحق عيونى أعز من قسم        وما  على  جبهتى  من  لؤلؤ الرمق

إنى  أحبك  حبا لا نقَّاذ  له ما دام        فـــى  مهجتى  شـىء  مـن  الرمـق

فقمت  ولهان  من  وجـدى  أقَّبلها        زحت  اللثام  رأيت  البـدر  معتنق

قَّبلتها، فقبلتنى  وهـى  قــــائلة          قَّبلت خدى فلا تبخل على  عنقى

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز