

جمال عبدالصمد
مسرح الإسكندرية حازم وحاسم جدًا
تعددت المسميات والمعنى واحد، هذا ما ينطبق على مفهوم ومعنى كلمة "رشوة" التي يتداولها الكثير تحت مسميات عديدة منها: "عمولة، مساهمة، مكافأة، إكرامية، حلاوة، بقشيش، هدية، وغيرها من مسميات يتوهم متداوليها أنهم على حق، ورغم محاولة إخفاء جريمة الرشوة خلف هذه المسميات بهدف تبريرها أو التقليل من شأنها، إلا أنها في الحقيقة آفة تنهش في جسد المجتمع، وتترك ورائها تاثيراً مدمراً "اقتصاديًا واجتماعيًا وأخلاقيًا".
دعوني أروي لكم القصة من البداية، حيث تلقيت دعوة كريمة لحضور عرض مسرحية "حازم حاسم جداً"، والتي تعرض على خشبة مسرح ليسيه الحرية بالإسكندرية للموسم الثاني، في الحقيقة انتابتني حالة من التعجب والدهشة بداية من إذاعة السلام الجمهوري الذي سبق فتح الستار وبدء العرض المسرحى، مروراً بأحداث الرواية التي ألقت الضوء على مواضيع هامة، وصولاً إلى التابلوه الغنائي الاستعراضي الذي صاحب انتهائه اسدال الستار.
تدور أحداث المسرحية حول عدة قضايا هامة موجودة بالمجتمع منها أزمة الضمير وما يترتب عليها من فساد في مجالات كثيرة، كما ناقشت الرواية قضية الرشوة ومدى تأثيرها على أخلاقنا وضمائرنا ومجتمعنا بصفة عامة، كما تطرقت أحداث المسرحية إلى الإعلانات الغير مرخصة، والتي تروج لمنتجات وسلع مجهولة الهوية والمصدر، بالإضافة إلى أنها احياناً تفتقد إلى شروط السلامة القانونية والصحية.
استطاع المخرج محمد مرسي أن يصنع منتج فني راقي يحمل رسائل هادفة بصورة مبسطة وغير تقليدية، في إطار قالب مسرحي يصعب على الجمهور معرفة بطله، وبذكائه المعتاد وزع الأدوار على الجميع، مما جعل كل شخصيات المسرحية أبطالاً، مهما كانت مساحة دور كل منهم، الكل تعاون ورفع شعار المصلحة العامة من أجل إيصال الرسالة إلى الجمهور، حيث كان إنكار الذات سمة أساسية سيطرت على كل نجوم المسرحية ومنهم ط: رضا إدريس صاحب الدم الخفيف والحضور المتميز، وحسن عبد الفتاح الشخصية المرحة خفيف الظل، وايهاب مبروك وهو فنان من العيار الثقيل، ومحمد فاروق الفنان المبدع الذي كشف عن امتلاكه للعديد من المواهب الفنية.
كما قام الكاتب وليد يوسف مؤلف المسرحية بصياغة فكرة الرواية متبعا اسلوب السهل الممتنع، حيث نجح فى بلورة الرسالة في قالب كوميدي يتناسب مع تقاليد وعادات الأسرة المصرية بكل أعمارها، كما غزل الأدوار فظهر الجميع كالجسد الواحد يعملون من أجل توصيل المضمون الحقيقي للرواية، الأمر الذي ساهم في تألق النجوم واكتشاف مواهب فنية تبشر بالخير، استطاعت أن تثبت وجودها على خشبة المسرح واقنعت الجمهور بموهبتها ومنهم: رضوى حسن، آثار وحيد، سارة المزين، محمد هلالي، وممدوح حنفي، واحمد حسني، ايمن شعبان، ومحمد سعيد، وهاشم عثمان، محمد صيام، احمد مجاهد، ومازن معتز، وشادي محمد، وعبد الرحمن عصام، ويوسف السيد، وعبد الرحمن طارق ومحمد حسين، ومحمد منتصر، وتامر حسنين، وهشام زيتون وكوكبة من مواهب فرقة مسرح الإسكندرية.
عندما تشاهد هذه الرواية المسرحية تجد نفسك أمام عمل مسرحي مكتمل الأركان، حيث استطاع الشاعر الدكتور محمد مخيمر، و مصمم الاستعراض محمد ميزو، والملحن محمد مصطفى أن يصنعوا تابلوهات غنائية استعراضية ابهرت الحضور، كما تألق محمد المأموني في الإضاءة، ومحمد هاشم في بناء الديكورات التي ساهمت في معايشة الجمهور للمشهد، وغيرهم من الجنود المتواجدين خلف الكواليس الذين كانت أدوارهم لا تقل أهمية عن نجوم المسرحية.
ختاماً.. استطاع صناع المسرحية أن يقوموا بالتعبير عن فكرة معقدة وعميقة بكونها من الافكار الجريئة التي يتم تناولها، خاصة أن المسرحية تعرض على خشبة مسرح الدولة، حيث تم تقديمها من خلال قالب فني اجتماعي كوميدي، يتناسب مع تقاليد وعادات الاسرة المصرية بكل أعمارها، وعرضت بطريقة بسيطة وسهلة الفهم، حملت في طياتها الكثير من المعاني والأبعاد، بالإضافة إلى الدور الأهم وهو إنعاش الحركة الفنية على مسارح الإسكندرية.
أخيراً، تناول موضوع مهم مثل "الرشوة"، وغيرها من التحديات والمشاكل التي نقابلها في أمورنا الحياتية والمجتمعية، والتطرق لهذه المشكلة على مسرح الدولة بهذه الجراءة، يُعد إنعكاس طبيعي لحرية الرأي والتعبير، وتأكيد قاطع على اتساع مساحة الحرية الفنية والفكرية في عصر الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث إن المسرح نافذة ومرآة المجتمع، وهذا ما يؤكد على أن مسرح الإسكندرية حازم وحاسم جدا.