عاجل
الأحد 6 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
النسوانجي

النسوانجي

بقلم : أحمد صلاح


لم يكن طويلا ولا قصيرا ، ولا بدينا ايضا ولكنه متناسق الجسد، لم يحاول أن يلعب اي لعبة رياضيه في حياته ، ضمر صدره ولم يبرز كبقية الشباب ، لم يفتح صدره ليظهر شعر صدره ، ولكنه دائما ما كان يبتسم في وجه من يحدثه، كان ببساطة يأسرك اذا تحدث ، يمتلك مفردات وجمل يلقيها في آذان الناس وخصوصا النساء فيخلب لبهن، مما جعل أصدقاؤه المقربون يحذرون زوجاتهم منه.




لباقته في الحديث واستخدامه لجسده وهو يتكلم يجعلك تصدقه ، حتي وأنت تعرف أنه كاذب، كان يحكي القصة مائة مرة ، وكل مرة بطرقة مختلفة ، وتستمع له دون أن تعلق ، وتعرف أنه يكذب ، يضيف في كل مرة تفصيله تظهره كبطل مغوار ، محطم قلوب العذاري، الكتف الحنين لكل نساء العالم ، السر الأمين لكل رجال الدنيا ، هاتفة لا يكف عن الرنين، واساطيرة أو لنقل أكاذيبه لا تنتهي، وبالرغم من كل ذلك كان مفلسا.


يقول أن الدنيا لا تضحك لمن لا يضحك، وأن الأمل موجود، وفي يوم سيكون شيئا ، أتابعه من بعد، فهو جار لنا في المدينة الصغيرة ، دائما يبتعد عن مشاحنات أهل الشارع، ولا يصلي معنا الجمعة، حادثة ابي في هذا الأمر، فالمسجد قريب من البيت، وأهل الشارع يجتمعون يوم الجمعة ولا ينقص غيره، ويسألون لماذا لا يصلي، ضبطناه مرة في نهار رمضان يدخن، ادركنا أن لا أمل فيه، ويكفيه اساطيره التي ينسجها ويحكيها علي المقهي في أول الشارع.


ويموت جارنا في حادث، ويهرع ابي ليستخرج شهادة الوفاه وتصريح الدفن، وجارنا الأخر يأتي بالكفن، شيخ الجامع يشمر وهو يستعد لتغسيل الميت، نسوة الشارع كلهن اتشحن بالسواد يولولن علي الرجل الصغير الذي مات وترك زوجة وثروة، بيت من أربعة أدوار اسفله دكانين أحدهما لجزار والأخر لكواء، أجرهما الميت قبل وفاته بمبلغ كبير، ووجدنا صاحبنا في وسط الجنازة، يحمل النعش ويصيح وحدوه، ليلا كان جالسا في الصوان، يوزع السجائر علي المعزين، يستقبلهم ويودعهم، بعد يومين قال للجميع أنه استخرج تصريح الدفن وشهادة الوفاة بل وغسله ايضا ، صمت ابي ضاحكا، ولكن بعد ثلاث أشهر اكفهر وجه كل الجيران بعد أن تزوج صاحبنا من أرملة الرجل.


وتتغير سحنته ، ويتخلي عن ملابسه التقليدية،ويرتدي بدلا غالية، يطرد الجزار والكواء من المحلات، يعطي سكان البيت مبالغا مالية ويجعلهم يتركون الشقق، يهدم البيت بالكامل، ويضع اساسات عمارة ضخمة ، يضع اعلانا عن بيع شققا بالتقسيط، يجمع الأموال ويبني العمارة ، يسلمها علي الطوب الأحمر، يضع في جيبه مليونا وبضع آلاف، يطلق المرأة ويختفي.


وتمر السنون، واقابله فجاءة في القاهرة يركب سيارة فارهه، يمسك في يده هاتف والمقود في يده الأخري، يلحظني فيتوقف ، يهبط سريعا ضاحكا، يعانقني وهو مازال ممسكا بالهاتف، يغلق الخط مع محدثة ويسالني عن أحوال الناس والبلد، أجيب باقتضاب، هذا مات وهذا مريض وهذا سافر، يسالني عن عملي فاجيبه أنني كما أنا ، فيضحك مني، فاسلأله بالضرورة عن عمله، فيقول أنه يعمل والسلام، لا أفهم فيدعوني للركوب بجواره.


السيارة من الداخل كأنها قصر متحرك، بدلته السمراء والياقة المشدودة جعلتني اقارن بين مظهره في السابق ومظهره الأن، بين ياقته المشدودة في تلك اللحظة بعل رابطة عنق شديدة الأناقة وياقة قمصانه المحببة بفعل كثرة الغسيل والكي السئ ، حديثة الذي اختلط بكلمات فرنسية وانجليزية، سيجارته المستوردة ، حتي حذاؤه الملمع وكانه قد اشتراه للتو، قال ببساطة أن في القاهرة من السهل أن تعمل سمسارا، فقط عليك التحلي بخفة دم وكلمات معسولة ، واصطياد الشئ الصحيح، قال مكملا ان في القاهرة صفقات حقيقية واخري ذائفة ولكن تستطيع أن تفرق بينهما ، كل المطلوب أن تتخلي عن مبادئ بالية ومعتقدات ليس هذا زمانها، حكي وهو يضحك عن زواجه من الأرمله بعد أن اغرقها بمعسول الكلام والاهتمام حتي أنها لعنت زوجها الراحل، كتبت له البيت بيع وشراء وتصرف هو فيه كما فعل، قال أنه اضطر لتركها لأنها كانت مجرد مرحلة استطاع أن يجني من ورائها ما يجعله يأتي للقاهرة يسكن فندقا غاليا ويشارك رواده طعامهم ويصطاد الثروات.


كان صاحبنا يحكي ببساطة أنه لم يكن يصطاد الثروات بشكل عادي ولكنه كان ينسج شباكه حول النساء اولا، لا يهم اذا كانت زوجة أو بنتا، ارملة أو مطلقة أو حتي عانس، فقط المرأة هي المفتاح لأي صفقة، بل والوسيلة في كل صفقة، حتي لو كانت هي الصفقة نفسها، قال أن سوقه يروج في أوقات الإنتخابات، يحتاجونه هو ونوعيته في هذه الأوقات وخصوصا من يريدون التلميع، قال أن لديه العشرات من الأصدقاء الإعلاميين والصحفيين يعطيهم المعلومات ويقنعهم بصدقها وهم يصدقونه بسبب اسلوبه فيكتبون ويظهرون في برامجهم يؤكدون والناس تصدق، يحرك الجميع كقطع شطرنج، طيعة سهلة في يده هو الوحيد الذي ينظر لرقعة الشطرنج من مكان عال والباقي أعمي تماما، يحكي عن الفتاة التي جاءته تشكو عدم اتصال المنتجين بها بالرغم من حصولها علي دورات في فن التمثيل، فاقام لها الدنيا ولم يقعدها بفضيحة مدوية ثم خرجت منها بريئة وأنهالت عليها طلبات التمثيل، ضحك وهو يقول ان رجال أعمال يطلبونه بالاسم ليجهز علي شركات منافسة ، ذكرني بما يكتب علي الفايس بوك من وجود عفن في بعض المنتجات وتواريخ منتهية الصلاحية، قال ان كل هذا هو يقوم به، بل يتعاقد مع الشركات المنافسة لتحسين صورتها وكله بثمنه.


كنا قد وصلنا الي منطقة استطيع أن اتركه فيها، ولكنه مد يده في جيبة مخرجا رزمة ضخمة من الوراق المالية يعطيني اياها، ضحكت وانا اقول انا لا اصلح صفقة، فقال هذه مجرد هدية، رفضتها بالطبع بالرغم من اصراره ، اعطاني كارت كتب فيه أرقام تليفوناته ترك مكان المهنه خال وايضا العنوان، قال أنه مازال يسكن هذا الفندق، وش السعد عليه، يكفي أنه يستقدم لهم الزبائن في مقابل عمولة تجعله يقضي لياليه فيه مجانا، ضحك وهو يقول أن كل الزبائن من النساء، رن هاتفه ليجيب علي احداهن، تأملته وهو يقول الكلام المعسول لمهاتفته، يلقي بالبذائة بمنتهي البساطة وكأنه لا يهتم بوجودي، أنهي صفقته أو بدأها، ثم أغلق الهاتف، نظر نحوي قائلا وشك حلو، كان قد توقف بالسيارة، هبطت وتحرك هو، كذئب يجوس في ليل القاهرة.
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز