عاجل
الأربعاء 20 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
مختارات من الاصدارات
البنك الاهلي
فتنة إسرائيلية

ننشر المقال النادر

فتنة إسرائيلية

يؤمن  أصحاب الأديان على اختلافها بأن الله خالق الخلق وأنه سبحانه وتعالى  يفعل ما يشاء، ويؤمنون جميعًا بأن حق الله ليس فوقه حق وأن سلطانه ليس فوقه سلطان. ومع هذا يؤمنون جميعًا بأن الإله الذي  هذه صفته وهذا سلطانه لا يعاقب أحدًا بغير حساب.



 

والإسلام فى طليعة الأديان التي تقررت فيها هذه العقيدة على وجه واضح ناصع لا لبس فيه. ولهذا يسمى يوم القيامة فى الإسلام يوم الدين الذي يدان فيه الناس بما يعملون، ويوم الحساب الذي يُسأل فيه كل إنسان عما جناه من خير وجناه من شر.

 

وفى القرآن الكريم آيات كثيرة تصف الله جل وعلا  فى مقام العطاء والإحسان بأنه يرزق بغير حساب ويوفى الأجر بغير حساب، ولكن ليس فيه آية واحدة تقول للناس إن الله يدين أحدًا بغير حساب أو يعاقبه بغير سؤال. هذا وهو الخالق العليم بما يعمل خلقه، الغنى عن سؤاله بعلمه، الذي له القدرة على جزائهم بما يشاء، والله العدل الذي تنزه عن الشبهات.

 وإذا نزلنا عن مرتبة الربوبية إلى مرتبة النبوة لم نجد نبيًا واحدًا أباح لنفسه أو أباح له الدين أن يتصرف بنفس بشرية، وفيما دون النفس البشرية بغير بينة وشهادة وقضاء، وأن أدب النبوة مع هذا كله ليوحى إليه أن ادرأ الحدود بالشبهات.

 وتأتى دون مرتبة الأنبياء مرتبة ولاة الأمور، وليس لأحد منهم بالبداهة أن يجيز لنفسه فى محاسبة الناس حقًا فوق حق النبى أو حق الإله.

 وعلى هذه السنة القويمة دام أمر المجتمع الإسلامى فى جميع العهود من أيام الخلفاء الراشدين إلى أيام الخلافتين الأموية والعباسية إلى هذه الأيام. وكل ما جاء من الشذوذ عن هذه السنة التي لا يستقيم أمر مجتمع من المجتمعات بغيرها إنما كان من طائفتين خارجتين على جماعة المسلمين، وهما طائفة الخوارج وطائفة اليهود والمجوس الذين دخلوا الإسلام ليفسدوه ويهدموا دولته من داخلها، كما فعل عبدالله بن سبأ فى صدر الإسلام، وكما فعل عبدالله القداح فى القرن الثالث للهجرة، فالخوارج وأصحاب الدعوات الإسرائيلية هم الذين أباحوا لأنفسهم قتل النفس وإيقاع العقاب بغير سؤال أو قضاء أو حساب، وهو حق لو شاء الله أن يتخذه لأحد لاتخذه لنفسه، وهو الفعال لما يريد والعليم بذات الصدور.

 فليس هو من الإسلام فى شيء،  وليس هو من المجتمع الإسلامى فى شيء، بل هو هدم لكل نظام وخروج على كل سنة من سنن الجماعات.

وعلى اتفاق الخوارج ودعاة اليهود والمجوس فى المذهب ظهر الاختلاف بين الفريقين فى الطريقة والخطة والتنظيم، فالخوارج لم يعرف عنهم  تنظيم يمزج بين الدعوة وبين خطط السياسة وتدبير الاقتصاد. 

 أما اليهود خاصة فقد كانت جماعاتهم السرية فى الإسلام-  كما كانت جماعاتهم السرية فى جميع البلدان- تدعم دعوتها بالوسائل الاقتصادية والحركات التي تبطن غير ما تظهر إلى أن تتمكن من الأمر  فتجهر بقلب النظام.

 والفتنة التي ابتليت بها مصر على أيدى العصابة  التي كانت تسمى نفسها بالإخوان المسلمين هى أقرب الفتن فى نظامها إلى دعوات الإسرائيليين  والمجوس. 

 وهذه المشابهة فى التدبير والتنظيم هى التي توحى إلى الذهن أن يسأل: لمصلحة من تثار الفتن فى مصر وهى تحارب الصهيونيين؟  والسؤال والجواب كلاهما موضع نظر صحيح، ويزداد التأمل فى موضع النظر هذا عندما نرجع إلى الرجل  الذي أنشأ تلك الجماعة فنسأل: من هو جده؟ إن أحدا فى مصر لا يعرف من هو جده على التحقيق، وكل  ما يقال  إنه من المغرب.

وإن أباه كان «ساعاتيًا» فى السكة الجديدة، والمعروف أن اليهود فى المغرب كثيرون وأن صناعة الساعات من صناعاتهم المألوفة، وأننا فى مصر هنا لا نكاد نعرف ساعاتيًا كان مشتغلا فى السكة الجديدة بهذه الصناعة قبل جيل واحد  من غير اليهود، ولا يزال كبار « الساعاتية» منهم إلى الآن.

ونظرة إلى ملامح الرجل يعيد النظر طويلا فى هذا الموضوع.

 ونظرة إلى أعماله وأعمال جماعته  تغنى من النظر إلى ملامحه وتدعو إلى العجب من هذا الاتفاق فى الخطة بين الحركات الإسرائيلية الهدامة وبين حركات هذه الجماعة.

 ويكفى من ذلك كله أن نسجل حقائق لا شك فيها، وهى أننا أمام رجل مجهول الأصل، مريب النشأة،  يثير الفتنة فى بلد إسلامى وهو مشغول بحرب الصهيونيين، ويجرى فى حركته على النهج الذي اتبعه دخلاء اليهود والمجوس لهدم الدولة الإسلامية من داخلها بظاهرة من ظواهر الدين. 

 وليس مما يبعد الشبهة  كثيرًا أو قليلا  أن أناسا من أعضاء  الجماعة يحاربون فى ميدان  فلسطين،  فليس  المفروض  أن الاتباع جميعا يطلعون على حقائق  النيات. ويكفى لمقابلة تلك الشبهة أن نذكر  أن اشتراك أولئك الأعضاء فى الوقائع الفلسطينية يفيد فى كسب الثقة وفى الحصول على السلاح والتدرب على استخدامه، وفى أمور أخرى تؤجل  إلى يوم الوقت المعلوم، هنا أو هناك.

 فأغلب الظن أننا أمام فتنة إسرائيلية فى نهجها  وأسلوبها إن لم تكن فتنة إسرائيلية أصيلة فى صميم بنيتها. 

  وأيا كان الأمر فهى فتنة غريبة عن روح الإسلام ونص الإسلام. وإنها قائمة على الإرهاب  والاغتيال، وكل ما قام على الإرهاب والاغتيال فلا محل فيه للحرية والإقناع. وجدير بالمسلمين ومن يؤمنون بالحرية والحجة من غير المسلمين أن يقفوا له بالمرصاد.

نقلا عن مجلة روزاليوسف 

نشر في صحيفة “الأساس” بتاريخ 2 يناير 1949

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز