محمد يوسف العزيزى
إعلام الردح .. لف وارجع تاني !
بقلم : محمد يوسف العزيزى
زمان وأثناء الثورة البلشفية في روسيا القيصرية قام شاعر روسي بتأليف مجموعة قصائد غزل وعشق في حبيبته جمعها في كتاب قام بطبعه لتوزيعه علي الجمهور ، فقامت السلطة الحاكمة بجمع هذا الكتاب من السوق ، واستدعت الشاعر وحبيبته وأعطت لكل منهما نسخة من الكتاب وقالت لهما هذا يخصكما وحدكما ولا يخص باقي الشعب في شيء ، وصادرت باقي نسخ الكتاب .
وسواء كانت الحكاية المنقولة صحيحة أو مكذوبة فالرسالة واضحة فيها ، والمعني المقصود هو أنه في حياة الشعوب وأثناء فترات التحول لا يجب أن تطفو علي السطح قضايا شخصية وظواهر سطحية تشغل الناس عن تحقيق النجاح في عملية التحول إلي الأفضل .
ورغم أن الكتاب لا يسعي إلي القارئ بذاته وأن القارئ هو من يسعي إليه إلا أن الرواية تلقي بظلال كثيفة وكئيبة علي واقع إعلامنا الذي يسعي إلينا فارضا نفسه علينا مستغلا رغبتنا الشديدة في المعرفة ومتابعة ما يحدث في حينه ، لذلك كان يجب التوقف والتأمل طويلا في المشهد برمته .. فالحال أصبح يسر العدو ولا يسر الحبيب ! .. وكنت قد كتبت في مقال سابق عن إعلام القبح وغسل السمعة ، وكيف نجح الإعلام في قضايا الجنس والشعوذة وإثارة الفتنة ، وتنجيم البعض وخسف الأرض بالبعض الآخر !
ومن إعلام القبح إلي إعلام الردح والتجريس وفرش الملايات علي الهواء دون أدني مسئولية سياسية أو اجتماعية أو أخلاقية من مقدمي البرامج وملاك القنوات الخاصة ، ففي الأسابيع الأخيرة انفجرت أكثر من ماسورة ردح بلدي في وجوه المشاهدين ، وشهدت الشاشات حالة تردي وانحدار لفظي وأخلاقي وقيمي من بعض مقدمي البرامج بشكل غير مسبوق حيث أشهر كل واحد منهم سيفه الخشبي في وجه الآخر ( وهات يا ردح ووعيد وتهديد .. وخليني ساكت علي فضايحك ، وخلي الطابق مستور .. ومش عاوز أنشرلك بلاوييك وفيديوهاتك .. ) والمشاهد في حيرة .. هل هذا إعلام مسئول ؟ وهل هؤلاء يعملون من أجل الوطن كما يدعون ويتشدقون ؟ هل هؤلاء يحترمون المشاهد ويحترمون البيوت التي يدخلونها ؟
مقدمو البرامج هؤلاء علي رؤوسهم بطحات ..لذلك ما إن تحدث مشكلة بينهم نسمع الحكايات المسكوت عنها بينهم .. تابعنا الأزمة بين عمرو أديب وخالد صلاح ، وبين أحمد موسي ويوسف الحسيني ، وأحمد موسي وخالد يوسف ، وخالد صلاح وأحمد موسي ، وتامر أمين وسعد الصغير وغيرهم ، وتابعنا كم الإسفاف والاتهامات المتبادلة بينهم والتي يشكل معظمها جرائم سب وقذف ، وتابعنا لغة التحدي بينهم وفرد العضلات ، وكل منهم يلمح أن وراءه ظهر قوي فلا مجال لضربه علي بطنه !
حدث ويحدث ولن يتوقف هذا الهراء طالما لا توجد مساءلة ولا يقع عليهم عقاب .. ! وطالما تنتهي الأزمة بجلسة صلح وعشاء فاخر ، وعفا الله عما سلف ،( وإحنا ولاد النهارده ، والمصارين في البطن بتتخانق بس مبتخرجش بره البطن .. والداخل بينا خارج .. ) ويعتذر كل منهما للآخر وتخلص الحكاية ثم يخرجون علينا ببجاحة وتقل دم يقولون خلاص الحكاية خلصت بعد أن شغلوا الناس بمشاكل شخصية وتصفية حسابات علي الهواء .. يشتمني في شارع لمدة ساعة ويصالحني في حارة لمدة دقيقة .. ! هذا هو إعلام الردح الذي لا يبذل جهدا في توثيق خبر أو معلومة أو يتمهل قبل إثارة القضايا التي تشغل الرأي العام ، والمدهش أن سدنة القانون هم من يتوسطون للصلح بينهم .. وعليه العوض في القانون الذي يطبق فقط علي الغلبان !
وللأسف يخرج محامي شهير بتقديم البلاغات للنائب العام علي الهواء في مداخلات تليفزيونية ويقول خالد يوسف فقد الاعتبار ويجب فصله من البرلمان لأنه ( إطرطش عليه خلاص ومينفعش ) .. يا سيادة المحامي هل هكذا يتحدث القانونيون بدون بينه أو تحقيق ؟ ثم ماذا لو ( طرطش عليك أحد بدون بينه .. هل تفقد الاعتبار وتعتزل المحاماة ؟ مجرد سؤال .. وحتى في الردح هناك خيار وفقوس .. هل تختلف أزمة ريهام سعيد وفتاة المول عن أزمة موسي وخالد يوسف ؟ لكن يبدو أن شعار مقدمو برامج الردح ( طالما علي راسي بطحة .. يبقي لف وارجع تاني ) وبالناسبة لست مع أحد منهم فكلهم مدانون ويستحقون المساءلة .
ويبقي المذيع أسامة كمال متفردا يغرد وحده بعيدا عن الإسفاف والابتذال ومسح الجوخ كإعلامي يدرك جيدا المسئولية الوطنية والأخلاقية للإعلام.
















