عاجل
الأربعاء 10 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
اعلان we
البنك الاهلي
"فنانون .. ضمير عصرهم" .. محمود حميدة!

"فنانون .. ضمير عصرهم" .. محمود حميدة!

شخصية تحتار معها فهو بإطلالته وسيم، جذاب وجميل الطلعة. وهو ابن البلد البسيط الجالس على مقهى في حواري السيدة يدخن الأرجيلة، وأحياناً الفلاح البطل الأول لحكاية الأرض والنيل، وروح مصر رمز الخصب والعطاء، جندي الأرض ورمز الأمل، صديق الشمس تشرق عليه وتغرب عنه، وفي جميع الأحوال مهموم بالوطن وآماله، هو المثقف الذي يربط بين الإبداع والتعبير عن هوية مجتمعه، يعشق الشعر ويحب شعر فؤاد حداد ويلقيه ويبكي عند إنشاده، يحفظه ويحتضن ديوانه، لم يعرفه قبل مماته، ولكن جمعهما المشهد الفني المصري في فترات متقاربة. شخصيته لا تشبه أحدا، فهو هادئ، رصين، صريح، مفرط في المثالية، والجدية قد تخشى الحديث إليه، لكنه طيب القلب يضخ الحب والصدق، ويمنح ويعطي بلا مقابل لمن يحب، ونعم الصديق إذا اقتربت منه، فهو الممثل والمنتج وصانع الدراما محمود حميدة. صانع سينما متواضع إلى حد الغرور، إخلاصه للفن وثقافته العالية، أعطاه الاستمرارية، والإتقان والدقة نبراسه.



 

عرفته بعد لحظة جنون وعبقرية، والجنون هنا شكل من أشكال التعبير الإبداعي، المبدع الذي يجرؤ على انتهاك القواعد المعهودة، وشكل خاص من أشكال الرؤية، ووسيلة للمس غير المرئي، الذي لا يمكن الوصول إليه. وهو يراجع نص سيناريو لفيلم يستعد لتصويره "جنة الشياطين"، لعب فيه دور رجل ميت طوال أحداث الفيلم، بعد أن تعذر عمل ماكياج أو خدعة لتعطي صورة صادقة للمشاهد، قرر حميدة خلع أسنانه حتى تبدو الصورة واقعية، مما أثر عليه صحّيا، بالإضافة للألم والمعانة. مؤمناً بأن "الممثل الحقيقي يظل يعطي ويضحي إلى أقصى حد يمكن تحمله حتى نهاية عمره"، كما قال.

عرفته عندما قدمه لي الزميل الصحفي الراحل محمود الكردوسي، طيب الله ثراه، كوجه جديد في عالم النشر، لتلتقي رغبة النجم محمود حميدة في إصدار مجلة سينمائية متخصصة، تفتح صفحاتها لنقد مبدع يوازي الإبداع السينمائي وحلم الكردوسي في مجلة فنية، والتقى الاثنان ليمول الفنان المجلة ويرأس تحريرها الكردوسي.

 

 

ولفرط حرص محمود حميدة على الجودة والتميز والشكل الجميل، أصر محمود حميدة على تجهيزها بأكبر شركة متخصصة في هذا المجال في مصر، فكانت شركة مودّي جرافيك المشرفة على التجهيزات وعلى طباعتها في أكبر مطابع بيروت "مطبعة جوزيف رعيدي".

 

 

خرجت "الفن السابع" للنور في ديسمبر 1997 حاملة أسماء محمود حميدة رئيسا لمجلس الإدارة، وفي الإدارة محمد الدسوقي والسيدة مها درويش، ومحمود الكردوسي رئيسا للتحرير، وحامد العويضي مديرا فنيا… لم تهتم "الفن السابع" بأخبار النجوم وحياتهم الخاصة بل كانت مجلة متخصصة، قدمت قسما لفن ومدارس التمثيل السينمائي، وشرح أدق تفاصيل التكنيك والمصطلحات ومراحل وخطوات عمل الفيلم وتطورها تكنولوجيًا وأسرار الخدع السينمائية ورصد تاريخ السينما محليا وعالميا وإلقاء الضوء على من يقفون خلف الكاميرا من مخرجين ومديري تصوير ومونتيرين ومهندسي صوت وديكور وغيرهم وشهادات مهمة لكبار المخرجين عن الممثلين الذين عملوا معهم، وكذلك الاهتمام بالمخرجين الجدد والشباب الذين كانوا يحاولون ضخ دماء جديدة في شرايين السينما المصرية.

 

 

استمرت "الفن السابع" حوالي ثلاث سنوات ونصف، محققة خسائر مالية كبيرة لم يستطع حميدة تحملها فصدر العدد 45 الأخير من مجلة "الفن السابع" كعدد خاص عن السندريلا سعاد حسني في أول أغسطس 2001 بعد رحيلها الصادم في 21 يونيو من نفس العام.. وتوقفت بعدها.

 

 

قبلها بعام أو أكثر سافر حميدة إلى «أمريكا» في سنوات متتالية ليتعلم فن التمثيل وعاد لتطبيقه عمليًّا، فقام بإنشاء «استوديو الممثل»، مستعينًا بأهم المتخصصين من الأساتذة والمحاضرين، بهدف أن يكون مركزًا لتدريب المواهب الشابة إيمانًا منه بضرورة امتزاج الموهبة والمنهج العلمي، ليكون ذلك تمويلًا لهذه الصناعة بكوادر فنية لمسايرة التطور السريع والهائل لهذه الصناعة فى أوروبا وأمريكا ودول العالم المختلفة.

في نفس العام أسس حميدة شركة البطريق للإنتاج الفني والخدمات السينمائية، بدءا بإنتاج فيلم "جمال عبد الناصر"، من إخراج أنور القوادري، ومنها "جنة الشياطين"، من إخراج أسامة فوزي ويعتبر من أهم الأعمال السينمائية التي أنتجت في مصر والذي اعتبره النقاد واحداً من أهم مئة فيلم منذ قيام صناعة السينما في مصر حتى يومنا هذا، وقد نال العديد من الجوائز في مختلف المهرجانات التي شارك فيها، وغيرها الكثير كمنتج أو منتج منفذ. وكإنسان مثقف أنتج حفلات موسيقية لعازف الكمان العالمي «عبده داغر» بدار الأوبرا ومعهد الموسيقى العربية والجامعات المصرية. أنتج عددا من الأمسيات الشعرية للشاعر الكبير «فؤاد حداد» بتكوين فرقة عمل كاملة لتقديم تلك الأمسيات بدار الأوبرا ومعرض الكتاب الدولي ومكتبة الإسكندرية.

 

 

محمود حميدة صانع سينما، ملهم، رمز للإبداع، رفض إغراءات الإعلانات، ورحلته هي حكاية فنان تجاوز حدود الزمن والإبداع، ممثل لا يخاف المغامرة، ولا يتنازل عن فنه، نجم صنع مسيرته بجرأة المثقف وبساطة العاشق، فهو ليس مجرد ممثل بارع، بل صاحب مشروع ثقافي متكامل يسعى من خلاله إلى إحياء إرث رموز الأدب والفكر، ليصبح أحد أبرز وجوه السينما المصرية المعاصرة، ومن أكثر الفنانين تأثيراً في الوطن العربي.

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز