

محمد نجم
ماذا وراءك يا سيف الدين؟
بقلم : محمد نجم
كنا مجموعة من الصحفيين المصريين فى زيارة لبعض الولايات والمدن الأمريكية بعد حادث ضرب برجى التجارة فى مدينة نيويورك بالطائرة. وبعد أن قضينا عدة أيام فى العاصمة واشنطن، طلب منا الاستعداد للانتقال إلى مدينة سياتل فى رحلة داخلية.
وفى المطار خضعت حقائبنا لتفتيش دقيق، كما تم تفتيشنا ذاتيا أثناء دخولنا صالة السفر.
وقبل الصعود إلى الطائرة طلبوا من الركاب العرب أن يخلعوا أحذيتهم قبل المرور على جهاز الأشعة، فاعترضنا على تلك التفرقة وخرجنا من الطابور.. وجلسنا ننتظر فتركونا واهتموا ببقية الركاب، ثم جاءنا المرافق ينذرنا بأن الطائرة على وشك الإقلاع وعلينا أن نخضع للإجراءات مثل غيرنا وإلا سوف تلغى الجولة بالكامل.
ولم يكن أمامنا سوى التسليم بالأمر والخضوع للإجراءات.. وسارعنا بخلع الأحذية والأحزمة أيضا.. حتى نلحق بالطائرة!
هذا فى الوقت الذى خضعنا فيه قبل السفر من القاهرة لإجراءات تفتيش خاصة، ولكن هكذا تجرى الأمور فلكل دولة أن تتخذ ما تشاء من الإجراءات لتأمين المسافرين على طائراتها.. حتى ولو كانوا فى رحلات داخلية! خاصة عندما تتعرض دولة ما لحادث إرهابى.. أو تعانى من هجمات إرهابية على أرضها.
ولا يجب أن يكون هناك فرق فى إجراءات التأمين سواء كانت الرحلة دولية أو داخلية، ففى الحالتين تكون الطائرة معلقة فى الجو مع الركاب، كما أن التداعيات واحدة فى الحالتين.. حيث لم تعد تخلو الرحلات الداخلية من وجود جنسيات مختلفة على متن الطائرة، ناهيك عن الانطباع العام.. فيما يتعلق بإجراءات الأمن والسلامة.
وإذا كان الله قد سترها معنا.. وانتهى حادث الخطف الأخير لطائرة مصر للطيران بدون وفيات أو إصابات.. فلابد من الدراسة الدقيقة لما حدث للوقوف على الأسباب لتلافيها مستقبلا.. مع بحث التداعيات المختلفة والعمل على التخفيف من أضرارها بقدر المستطاع.
نعم.. لقد بدى الحادث، وكأنه «مسرحية هزلية» شاب يبدو أنه غير متزن عقليا.. يتمكن بحيلة ساذجة من خطف طائرة فى رحلة داخلية.. وإجبارها على النزول فى مطار دولة أجنبية بحجة الوصول إلى زوجته السابقة!
لقد تعامل نشطاء الفيس بوك والواتس بخفة بالغة مع الحدث.. وأمطروا أجهزتنا المحمولة بالدعايات السخيفة، ولم يقتصر الأمر على النشطاء ولكنه امتد أيضا إلى ركاب الطائرة نفسها الذين حرص بعضهم على التصوير «سلفى» مع الخاطف.. بينما استغرق آخرون فى نوم عميق حتى نهاية الرحلة وكأنهم راكبون ميكروباص أو كأن الأمر لا يعنيهم!
والأدهى والأمر أن يرفع الخاطف إصبعه بعلامات النصر وهو فى سيارة البوليس القبرصى بعد أن سلم نفسه لهم طواعية بعد مفاوضات أستغرقت أكثر من 6 ساعات.
إنه هزل فى موقف جاد، سواء كان ذلك من نشطاء الفيس أو بعض الركاب.. أو حتى الخاطف نفسه، حيث إن الطائرة كانت مهددة بالسقوط.. وأرواح معرضة للوفاة، وخاطف متهم الآن بعدة تهم جسيمة قد تعرضه للسجن المؤبد إن لم يكن الإعدام!
نعم.. كانت هناك حرفية، ومهنية، وحكمة فى التعامل مع الأزمة.. سواء من الجانب المصرى المالك للطائرة التى خرجت من أحد مطاراته، أو من الجانب القبرصى الذى هبطت الطائرة على أرضه.. ومن ثم أصبح مسئولا عن سلامة ركابها والقبض على الخاطف بأقل الخسائر الممكنة.
وأعتقد أن متابعة الرئيس القبرصى لتطورات الحادث وحرصه على عقد مؤتمر صحفى يعلن فيه انتهاء الأزمة وما شابها من ملابسات.. خير دليل على أهمية الموضوع وأخذهم للأمر بكل جدية! كذلك متابعة الرئيس السيسى وحرص رئيس الوزراء على التواجد فى غرفة العمليات ثم استقباله للركاب بعد عودتهم.. فنحن أيضا- على المستوى الرسمى- لم نكن أقل منهم جدية..
وللأسف الشديد لم يكن الهزل فى التعامل مع الحادث مقصورا على نشطاء الفيس بوك أو الخاطف فقط.. ولكنه امتد أيضا للإعلام المصرى فقد اتهموا دكتورا محترما بخطف الطائرة وسارعوا بنشر صورته، ثم ادعى بعضهم «الفتاكة» وأمطرنا بسيل من المعلومات الخاطئة عن عدد الركاب وجنسياتهم، ومن أفرج عنهم ومن تحفظ عليهم، كذلك اسم الخاطف الحقيقى ومهنته ومحل إقامته، ناهيك عن «الخبراء» الذين «أفتوا» بكلام كثير ما أنزل به الله من سلطان وكان بعضهم يتحدث على الشاشة وكأنه أحد الركاب أو المضيفون على الطائرة!
qqq
على أية حال.. لقد انتهت الأزمة بسلام والحمد لله، ولكن لابد من البحث والدراسة عن خلفيات الحادث وأسبابه الحقيقية.. فمن هو سيف الدين هذا؟.. ولماذا فعل ذلك؟.. ولماذا طلب الإفراج عن العديد من السجينات؟
ثم من أين له ثمن التذكرة وهو لا يعمل، فضلا عن سوابقه الجنائية واتهامه بالنصب فى أكثر من قضية، بخلاف ما قيل عن هروبه من السجن من قبل؟.. فهل وراءه تنظيم؟.. خطط ومول؟ ثم إذا كان هذا الشخص المعتوه مقيم فى حلوان فما الذى أتى به إلى مطار برج العرب؟.
وهل العادة أن مثل هذا الشخص فى حالته هذه يركب طائرة بمئات الجنيهات للوصول إلى القاهرة بدلا من عدة جنيهات قليلة يمكنه دفعها فى أتوبيس أو ميكروباص؟
ولست مقتنعا بحجة الرغبة فى الوصول إلى طليقته المقيمة فى قبرص، فقد طلب فى البداية أن تتجه الطائرة إلى تركيا أو اليونان، ولكن حكمة قائد الطائرة وذكاءه أجبرته على الموافقة على الهبوط بمطار قبرص!
ثم ألم يكن فى استطاعته مخاطبة طليقته تليفونيا من خلال الفيس بوك أو الواتس أو حتى من خلال الخطابات الورقية؟!
وإذا كان قد خضع لتفتيش دقيق أثناء دخوله المطار وكذلك حقيبته.. فكيف يتسنى له اصطناع «الحزام الوهمى» الذى نجح فى التهديد به على أنه حزام ناسف؟
من أين حصل على تلك المواد التى استخدمت كلها وأين الوقت الذى تمكن فيه من صنع هذا الحزام الوهمى؟.. وهل صنعه قبل الصعود على الطائرة أم من خلال الدقائق العشرة للصعود وقبل عملية الخطف مباشرة؟.
فمن الواضح أنه صنع هذا الحزام.. وما اتصل به من أسلاك وزر ادعى أنه للتفجير.. قبل الصعود إلى الطائرة.. فكيف لم يلفت ذلك نظر المسئولين عن التفتيش النهائى قبل دخول الركاب إلى مقاعدهم؟.. وماذا يفعل رجل الأمن على الطائرة إن لم تكن مهمته ملاحظة الركاب أثناء دخولهم من الباب؟.
qqq
الأسئلة كثيرة.. والتساؤلات عديدة.. والأمر جد.. فنحن لم نفُق بعد من تداعيات حادث سقوط الطائرة الروسية فى سيناء، ولم نتوصل كذلك لفك طلاسم عملية وفاة الباحث الإيطالى وهما حدثان قريبان أثرا ومازالا يؤثران على تدفقات السياحة الخارجية إلى مصر.
مرة أخرى.. الأمر جد.. ولا مجال للتساهل أو النسيان بسبب أحداث جديدة قد تحدث.. فمصر تستحق منا أكثر مما نستطيع.
حفظ الله مصر.. ووقاها من كل شر.