

محمد نجم
هــل مــن رجل رشيد؟
بقلم : محمد نجم
أعتقد أن «الأزمة» بين نقابة الصحفيين ووزارة الداخلية.. قد طالت بدون داع ويبدو الأمر وكأن هناك من يريد لها أن تستمر لأمر فى نفس يعقوب!
وهو أمر لن نتوقف عنده طويلا، لأنه يدخل فى باب «النيات» التى لا يعلمها سوى الله.. الذى يعلم السر.. وما يخفى.
ولكن ما يهمنا.. أن الطرفين الأصليين وهما النقابة والوزارة- بعد أن انقشع الغبار وهدأت الأعصاب- قد مالا إلى التهدئة بعد فترة من حرب البيانات المتبادلة والتصريحات الهجومية أو النافية.
وفى رأيى أن ما حدث قد حدث.. وتجاوزته الأيام والأحـــداث.. ومـن ثم لا يمكن ترك الأزمة مستمرة وبما يعنيه ذلك من تداعيات مهنية وشعبية على المستوى المحلى.. ومن آثار سياسية سلبية على المستوى الخارجى.
ومن المعروف إنه طالما هناك حياة على الأرض.. فالتدافع بين الأفراد من طبيعة الحركة الدائمة، لأن هناك مصالح يسعى الكل لتحقيقها.. وهناك حقوق يحاول البعض الدفاع عنها، ولذلك توافقت المجتمعات القديمة والحديثة على تكليف جهة ما للفصل فيما يمكن أن يحدث من تدافع عند الحصول على المصالح أو الدفاع عن الحقوق، وتلك الجهة المكلفة للفصل بين الناس تعمل طبقا لقانون ارتضاه المجتمع لتنظيم التعامل بين أفراده.
تلك بديهيات معروفة.. ولا مانع من التذكرة بها، لأن ما ينطبق على الأفراد لا يبعد كثيرا فيما يمكن أن يحدث بين المؤسسات فى ذات المجتمع، والمعنى أن الخلاف فى وجهات النظر وارد والتصادم محتمل.. وهذه طبيعة الحياة.. وكثيرا ما حدث ذلك.
وما حدث بين وزارة الداخلية ونقابة الصحفيين لم يكن يتعلق بمصالح تريد الوزارة الحصول عليها على حساب النقابة، وكذلك النقابة لم تكن تدافع عن حقوق مادية استولت عليها الوزارة.. كأرض اغتصبت أو ديون لا يريد الطرف الآخر الاعتراف بها.
وفى رأيى أن التوصيف الحقيقى لما حدث هو «سوء تقدير» لبعض أفراد الشرطة المكلفين بتنفيذ أمر قضائى واجب، وكذلك «غضب وانفعال» وصل حده الأقصى من جانب النقابة مع الأخذ فى الاعتبار ظروف وملابسات أخرى.
منها أن الداخلية فى مواجهة عنيفة مع الإرهاب، واعتقادها الصحيح أنه لا أحد فوق القانون وأنها تنفذ أمرا قضائيا.. وأن أحد المطلوبين ليس صحفيا وأنه تجاوز الحدود فى المعارضة والنقد الجارح بما يشكل جريمة يعاقب عليها.
ومنها أيضا أن «الاقتحام» أو تنفيذ أمر القبض تم بشكل مفاجئ وبدون تنسيق مع النقيب، وفى وقت تحتفل النقابة بعيدها الماسى.. ولم يسبق طوال هذه المدة أن دخلت الشرطة إلى مبنى النقابة بهذا الأسلوب.
وبدون تكرار لما حدث.. الشرطة نفذت القانون من وجهة نظرها، والنقابة غضبت مما حدث وتجمع أعضاؤها بآلاف معلنين اعتراضهم.. وأعتقد أنها كانت «رسالة» بألا يتكرر هذا التصرف.
هنا.. كان يجب أن يتدخل «العقلاء» أو جهة ما للجمع بين الطرفين على طاولة واحدة.. حيث يتاح التوضيح والشرح وتخفيف حدة الغضب.. مع إمكانية الاتفاق على «التعاون» مستقبلا على تنفيذ القانون وبشكل يحافظ على هيبة الدولة ويحافظ على «رمزية» النقابة وكرامة أعضائها.
ولكن «العند» كان سيد الموقف.. وكل «نقحت» عليه هيبته أو كرامته، وازداد الأمر تعقيدا عندما نفخ البعض فى الرماد.. وازاد النار اشتعالا، كما عبر قطاع من الرأى العام عن استيائه ظنا منه أن الصحفيين يرغبون فى «استثناء» دون قطاعات المجتمع الأخرى، بل انقسمت الجماعة الصحفية على نفسها.. وهو أمر كان نادر الحدوث من قبل.. حيث «خلط» البعض بين ملاحظاته على أداء المجلس أو بعض أعضائه، وبين موقفه فى الأزمة!
ولكن من حسن الحظ أن تغلبت الحكمة.. وهدأ الفوران.. بعد أن تدخل الزملاء الصحفيون أعضاء البرلمان فى محاولة للتهدئة، وخرجت التصريحات من مسئولى الوزارة معلنة عن التقدير لمهنة الصحافة والعاملين فيها، وكذلك أعلن الزملاء فى مجلس النقابة احترامهم الكامل لمؤسسات الدولة وتقديرهم لكل جهد يبذل وما قدم من تضحيات.
وأنقل هنا ما ورد بمذكرة النقابة حول ما حدث «إن نقابة الصحفيين لم ولن تكون يوما ضد أى مؤسسة من مؤسسات الدولة، بما فى ذلك مؤسسة الأمن، إيمانا من النقابة بأهمية دور الأمن حيث لا حياة بدونه، مؤكدا أن النقابة لم تكن يوما حائط صد فى مواجهة تنفيذ القانون ولن تكون».
بل لم تكتف النقابة بما أعلنته من بيانات تميل إلى التهدئة.. ودعا النقيب مجموعة من قدامى النقابيين للتشاور فى كيفية الخروج من الأزمة، وتصادف وقت اجتماعنا بمقر النقابة أن وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون الإعلام الموحد وإحاله إلى مجلس الدولة للمراجعة القانونية تمهيدا لإحالته إلى البرلمان للنظر والمناقشة والإصدار فى أقرب وقت ممكن.
وقد اعتبرنا ذلك «رسالة» طيبة.. وسارع المجلس بإصدار بيان للإشادة بتلك المبادرة من قبل الحكومة.
وقد اقترحنا على النقيب والزملاء أعضاء المجلس، واستمرار الاتصالات، وهو ما حدث بالفعل فى اجتماع الأربعاء الماضى، حيث أعلن عن الترحيب بجهود الوساطة واستعداد النقابة لقبول أى مبادرات لرأب الصدع الذى حدث، وترك الخلاف القانونى والتوصيف الصحيح لما حدث للقضاء.. يقضى فيه بما يراه.
وأعلم أن الاتصالات مستمرة.. وأعتقد أن المشكلة فى طريقها للحل..
وهنا.. أناشد الدكتور رئيس البرلمان وهو رجل قانون يحظى باحترام الجميع أن يدعو طرفى الخلاف لاجتماع مشترك فى مكتبه وأن يسعى جاهدا لإنهاء تلك الأزمة التى طالت بدون داع.
ومرة أخرى سوف أشير إلى ما ورد بمذكرة النقابة وقد نشرت وعلم بمضمونها الجميع «إن نقابة الصحفيين ترحب بكل ما من شأنه أن يجمع الأطراف على ملتقى واحد، وهو المصلحة الوطنية المصرية، إيمانا منها بأن الوطن يحتاج إلى جهود أبنائه للدفع فى اتجاه غير الشقاق المعرقل، الذى وضعت فيه على غير رغبة من ضميرها ووجدانها، ولولا تصعيد للأزمة لم تسع إليه ولم تساهم فيه، ما وصل الأمر إلى ما وصل إليه.
وعلى قاعدة انهاء الأزمة بكل أسبابها وتوابعها وما تفرع منها، فإن النقابة ترحب.. بل تسهم فى كل جهد جاد فى انهائها».
هذا هو موقف النقابة والذى عبر عنه مجلسها المنتخب فى مذكرة علنية..
فهل هناك ما يمكن أن يقال بعد ذلك؟.. فماذا تنتظرون؟..
أرجوكم.. حاولوا وأد الفتنة.. وإطفاء الحريقة التى يحاول البعض إشعالها..
حفظ الله مصر ووقاها من شرور الفتن.