عاجل
الأربعاء 6 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
لقاء تاريخي مع السيد ليانج ليانج !

لقاء تاريخي مع السيد ليانج ليانج !

بقلم : د. طه جزاع

أخيراً ها أنا أقف أمام السيد الصيني ( ليانج ليانج ) وجهاً لوجه ، وقد فوجئت بالمكان الفخم الذي يعيش فيه في العاصمة الماليزية كوالالمبور ، كما دهشت لأجراءات (مقابلة) سيادته وكأني أتهيأ لمقابلة رئيس دولة كبرى أو عظمى بوزن الرئيس أوباما أو الرئيس بوتين أو الرئيس الصيني شي جين بينغ !  فالمكان فخم بكل معنى الكلمة ، وبعد ان يتأكد موظف يحمل جهازاً الكترونياً من انك قد اقتنيت بطاقة لزيارة ليانج من خلال تمرير الجهاز على الشريط الورقي الذي ربطه لك موظف اًخر في بوابات الدخول مثل ساعة اليد في معصمك ، فأنه يسمح لك بالدخول ، لكن ليس قبل ان تواجهك عاملة نشطة بابتسامة لطيفة ، وهي تحاول افهامك بلغة انكليزية مختلطة أحيانا بالماليزية ، ان استخدام (فلاش) التصوير ممنوع ، وان الكلام ممنوع في حضرة دب الباندا الصيني ( ليانج ليانج ) !  وان كنت لا تفهم الانكليزية ولا المالوية ولا اللهجات الصينية والهندية (وهي لغات ولهجات التفاهم في البلاد) ولا تفهم حتى لغة الاشارات ، فأنها تحمل بأحدى يديها لوحة تفهمك ان التصوير باستخدام الضوء (الفلاش) أثناء التصوير ممنوع ، وتحمل في اليد الاخرى لوحة تقول لك بحروف واشارات لا لبس فيها (أششش) أي أصمت ولا تثرثر مما قد يتسبب في ازعاج سيادته ، وهناك عاملة أخرى مهمتها مرافقة الزائرين ، وكلما سمعتهم يتحدثون فيما بينهم بصوت مسموع شهرت بوجههم تلك العلامة الصارمة ( أششش ) !



وبعد هذه الاجراءات التدقيقية والتحذيرية ، تقودك سلالم من الرخام الأبيض المصقول الى الأسفل ، في بناء كل مافيه يوحي بأنك في قصر رئاسي ، الى حيث يجلس الدب (ليانج ليانج) وهو ذكر الباندا الى الجهة اليمنى وسط بيئة باردة جدا مماثلة لبيئته الأصلية في الصين ، وهو منشغل عن الزوار تماما بسيقان من قصب السكر يمضغها ويمتص رحيقها بعد ان يجردها باسنانه وأظافره ، بعملية تشبه الحياكة اليدوية الى حد كبير ، والى الجهة اليسرى وبعد حاجز من الحجارة تجلس السيدة الأولى (شينج شينج) أنثى الباندا ، مع ابنها المدلل الذي رزقت به في اب من العام الماضي، جلسة كسل وخمول واسترخاء وعدم مبالاة بآلاف الزوار الذين يقصدون مشاهدتهم من مختلف أرجاء المعمورة ، وكان رئيس الوزراء الماليزي نجيب رزاق قد أعلن للملأ في 18 أب \ اغسطس عام 2015 ( ان الباندا العملاقة التي أتت من الصين قد أنجبت ) . وقد ساعد استعارة زوجي الباندا على تلطيف الأجواء الدبلوماسية المتوترة وقتذاك بين البلدين بسبب الطائرة الماليزية المفقودة ، حيث اقيم احتفال رسمي شارك فيه حرس الشرف الماليزي لاستقبال زوجي الباندا قبل نقلهما الى مقرهما في حديقة الحيوانات !

الماليزيون من حقهم أن يتخذوا هذه الاجراءات وغيرها للحفاظ على هيبة وحياة هذا الدب النادر المهدد بالانقراض اذ ان مجموع مايوجد منه في البرية حاليا لا يتعدى الألفين بحسب احصائية عالمية ، وهم استعاروا من الصين الباندا وانثاه وفق اتفاقية وقعت عام 2012  ونصت فيما نصت عليه على ان مدة الاستعارة عشر سنوات ، وان تدفع ماليزيا للصين سنويا مبلغ مليون دولار مقابل ذلك ، فضلا عن ان الصرح الذي بناه الماليزيون في حديقة الحيوانات الوطنية كلفهم مايقرب من ثمانية ملايين دولار لاحتوائه على كل ما تحتاجه الباندا من جو مكيف وغذاء ورعاية صحية وعيادة خاصة مزودة بأحدث الأجهزة الطبية ، عوضا عن مطعم للزوار كل مافيه يشير الى الباندا، ومحال لبيع التيشيرتات والقبعات والتذكارات واطارات الصور والهدايا المختلفة التي تجمعها صور هذا الدب وأنثاه ، كما تنص الاتفاقية على انه في حال تناسل الزوجين فأنه يتوجب على ماليزيا اعادة الديسم (صغير الباندا) الى الصين ، وهو الشرط الذي تضعه الصين مع أي اعارة مماثلة !

لقد أنتهجت الحكومة الصينية في علاقاتها الخارجية والدبلوماسية خلال حقبة الحرب الباردة ، فيما عرف لاحقاً بأسم ( دبلوماسية الباندا ) التي بدأت منذ ستينيات القرن الماضي بأهدائها الدببة الى الاتحاد السوفياتي السابق، وبعد زيارة الرئيس الاميركي ريتشارد نيكسون للصين عام 1972 اعارت الباندا الى حديقة حيوانات واشنطن من اجل توطيد علاقات الصداقة مع اميركا بعد تلك الزيارة التاريخية ، وكذلك عملت الشيء نفسه مع العديد من الدول التي تشعر ان علاقاتها بها متوترة او ليست على مايرام أو من أجل التمهيد لعلاقات سياسية واقتصادية متينة معها أو توثيق صداقتهما وعلاقتهما الدبلوماسية، ومنها كوريا الشمالية وكندا وبلجيكا والنمسا واسبانيا والمكسيك واستراليا وسنغافورة ، واًخر تلك الدول كوريا الجنوبية التي وصلها الدب في اذار الماضي كهدية من الحكومة الصينية وفاء لعهد سابق قطعه الرئيس الصيني شين جين بينغ أثناء زيارته لسيول قبل عامين !

وأنا أتابع السيد ( ليانج ليانج ) في حديقة الحيوانات الوطنية الماليزية ( زو نيكارا ) بعد ظهر أول أمس الجمعة 29 تموز \ يوليو 2016 وهو منشغل عن الجميع بمضغ وتجريد سيقان السكر في هذا ( اللقاء التاريخي ) كنت أفكر بقدرة الصين على استثمار وجود هذا ( الحيوان ) في تمتين علاقاتها مع مختلف الشعوب والبلدان ، في الوقت الذي فشل فيه سياسيون عباقرة ورؤساء دول وقادة كبار من بني البشر في  انجاز هذه المهمة لشعوبهم وبلدانهم ، ولم يجلبوا لها وللبشرية غير الفقر والتخلف والعداوت والحروب والدمار !

[email protected]

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز