

محمد نجم
الاتفاق مع الصندوق ضرورة قصوى
بقلم : محمد نجم
لست أفهم لماذا يعارض البعض الاتفاق مع صندوق النقد الدولى على برنامج للإصلاح الاقتصادى يمتد لفترة زمنية يتفق عليها، وبالطبع سوف يتضمن هذا البرنامج مجموعة من الإجراءات التنفيذية تقوم الحكومة المصرية بتحديدها وترتيب أولوياتها.. ومن ثم تلتزم بتنفيذها.
والســـؤال الأســـــــاسى هنا: هل نريد الإصلاح والاستعداد للانطلاقة الاقتصادية المتوقعة؟.. أم يجب أن نظل فى تلك الحالة من «الارتباك الاقتصادى» الملحوظ للجميع والذى يدفع ثمنه الفقراء قبل الأغنياء فى هذا البلد؟
غنى عن القول أن الدول مثل الأفراد.. عندما تصاب «بوعكة» صحية.. فلابد أن تذهب للطبيب المتخصص لاستشارته فى العلاج المناسب، خاصة بعد أن تكون جربت جميع وصفات العلاج بطب «الأعشاب» دون جدوى!
والكل يعلم أن صندوق النقد الدولى وباعتباره بيت الخبرة العالمى- هو الطبيب المتخصص لعلاج أى وعكات اقتصادية تصيب أى دولة، والأمر ليس جديدا ولا بدعة، فقد استعنا بالصندوق فى ثلاثة برامج متتالية فى نهاية التسعينيات من القرن الماضى، وهكذا فعلت الهند ومن بعدها فيتنام.. وغيرهما وحاليا الأردن تنفذ المرحلة الثالثة من برنامج الاتفاق مع الصندوق.
والغريب فى الموضوع أن الكل يعلم أن الاقتصاد المصرى فى أزمة عميقة بسبب تداعيات الأحداث فى السنوات الماضية، والذهاب إلى الصندوق سوف يتيح لنا مبلغا لا بأس به من القروض الميسرة وبدون فوائد باستثناء رسوم إدارية لا تتجاوز 1.1% فقط.
ولكن الأهم من تلك القروض هو الحصول على «شهادة الصلاحية» والتى تعنى أن الاقتصاد المصرى قادر على التعافى، وفى إمكانه استقبال الاستثمارات الخارجية وأن الحكومة المصرية جادة فى عمليات الإصلاح للمشاكل التى يعانى منها المجتمع والاقتصاد، وهو ما يعنى أيضا استعداد هذا المجتمع لاستقبال الوفود السياحية الخارجية وحسن استخدام موارده من النقد الأجنبى والمتمثلة فى حصيلة المرور بقناة السويس وتحويلات المصريين بالخارج وعوائد الصادرات، فضلا عن القروض والمساعدات والمنح.
هذا هو معنى «شهادة الصلاحية» والغرض من الحصول عليها، فهى لا تصدر من الصندوق لأى دولة إلا بعد مشاورات جدية وبرنامج واضح ومحدد بتوقيتات زمنية.. وواجب التنفيذ من قبل الحكومة والمجتمع المصرى.. وأعتقد أننا فى حاجة لمثل هذا «الالتزام»!!
وللأسف لقد «أفتى» البعض بأن ثمن هذه الشهادة سيكون باهظا على الطبقات الفقيرة، حيث مزيد من الارتفاعات فى الأسعار.
والغريب أن بعض من «أفتوا» بذلك لا علاقة لهم بالاقتصاد والأغرب منه أن بعضهم كانوا وزراء مسئولين عن بعض السياسات فى الحكومات السابقة!
والأكثر غرابة أن بعض من يفتون يعلمون تماما أن طريقة تقديم الصندوق لمساعداته الفنية والمالية للدول اختلفت تماما عما كان يحدث فى الماضى، حيث لم يعد يفرض وجهة نظره على حكومات الدول وهو ما كان يسمى «بشروط الصندوق»، إنما أصبح يطلب من الحكومات نفسها أن تعد هى برنامج الإصلاح المقترح ثم تجرى المشاورات حول جدية التنفيذ ومدة تنفيذ البرنامج.. وأحيانا يتقدم خبراؤه- ومنهم مصريون وطنيون- ببعض النصائح غير الملزمة ولكنهم يتطوعون بتقديم خبراتهم الفنية المتراكمة المكتسبة من كثرة التعامل مع الأزمات المشابهة فى الدول المختلفة.
ويكفى الإشارة هنا لبعض الأسماء ومنها د.عبدالشكور شعلان ويوسف بطرس ومحمد العريان ونجل د. مصطفى السعيد وأخيرا رانيا المشاط التى عادت للصندوق بعد 11 عاما خدمة شاقة فى البنك المركزى المصرى!
لقد كانت صدمتى شديدة من بعض الوزراء السابقين الذين أطلقوا على «شهادة الصلاحية» التى نرغب فى الحصول عليها من الصندوق مسمى «شهادة فقر» وهم أول من يعلم بعدم صحة هذا الوصف السخيف، بل إن بعضهم شارك من قبل فى المفاوضات التى جرت مع الصندوق أثناء توليه مهام الوزارة وليس سرا.. أن المستثمرين الأجانب والجهات المانحة.. والمؤسسات الدولية بصفة عامة.. ينتظرون صدور هذه الشهادة لأى دولة لينطلقوا للعمل معها.. فقد اطمأنت قلوبهم..!
يأيها المختلفون.. تعالوا إلى كلمة سواء.. هل يختلف أحد أن إصلاح الاقتصاد المصرى والخروج من أزمته الحالية أمر ضرورى.. مطلوب فى كل الأحوال؟
فلماذا المراوغة والتلكؤ؟.. ماذا ننتظر بعد أن وصل الدين الخارجى لحوالى 55 مليار دولار، والدين العام نسبة 97% من الناتج المحلى، وعجز الموازنة حوالى 12%، بينما معدل الادخار لا يزيد على 6% فقط؟..
فمن أين ستمول الاستثمارات الجديدة.. والمطلوبة لزيادة معدل النمو فى الاقتصاد؟.. وماذا نفعل فى عجز الموازنة العامة للدولة؟.. وكذلك ارتفاع معدل التضخم؟
كنت أعتقد أنكم ستقدمون إسهاماتكم الفكرية فى كيفية استعادة حجم تحويلات المصريين بالخارج والتى كانت قد وصلت إلى 22 مليار دولار، كما يجب أن يتم هذا التحويل داخل وحدات الجهاز المصرفى، وأيضا كيفية استعادة النشاط السياحى إلى سابق عهده قبل الأزمات الأخيرة، وكذلك كيف تزيد صادرتنا المصنعة إلى الخارج؟
بل كنت أعتقد أنكم ستطالبون بترشيد الواردات وخاصة غير الملحة منها، وأن تطالبوا بوقف التعامل بالدولار فى السوق المحلى لتخفيف الضغط على سعر الصرف، وإجمالا أن تقدموا أفكارا جديدة وحلولا مبتكرة للخروج من الأزمة، ولكن ما أسهل «الانتقاد» والمعارضة وأنت جالس على القهوة فى يدك كوب الشاى الحبر وفى فمك خرطوم الشيشة أو أنت جالس على أريكة مريحة فى منزلك وأمامك تنوع من المشروبات الممتعة والمزة المطلوبة!
لقد دعيت الأسبوع الماضى للقاء خاص مع نائب رئيس البنك الدولى (كاوشيك ياسو) بمعهد التخطيط الدولى.. وصدمنا الرجل ببعض الأرقام عن دول شرق آسيا والهند، حيث إن معدل الادخار المحلى هناك يتراوح ما بين 30 إلى 40% من الناتج المحلى الإجمالى، وأن الاحتياطات الدولية فى الهند ارتفعت من 5 مليارات دولار فقط إلى 300 مليار بعد تنفيذ برنامج الإصلاحات مع صندوق النقد.
وبالطبع لسنا أقل من هؤلاء لا بشريا ولا ماديا.. حيث لدينا «كوادر» متميزة تقود التنمية والتطور فى أغلب بلاد العالم، كما أن اقتصادنا القومى يتميز بتنوع أنشطته، ومجتمع غنى بالأموال الخاصة.. ولكن أغلبها تحت البلاطة!
حفظ الله مصر.. ووقانا فتنة الاختلاف!