عاجل
الجمعة 15 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
عودة الروح!
بقلم
محمد نجم

عودة الروح!

بقلم : محمد نجم

فى مثل هذه الأيام وفى الصباح الباكر من يوم 7 أكتوبر 1973 بحثت عن بائع الصحف وسارعت بمطالعة عناوينها.. ودار بيننا حوار عبرت فيه عن مخاوفى من كثرة من سيقتلون فى الحرب، وكان أخى الأكبر- وقتها- ضابطا بالجيش.



فاستنكر البائع ما أقوله وخاصة عندما علم أننا أربعة أشقاء متسائلا: ماذا لو بقيتم ثلاثة أو حتى اثنين فقط؟.. مستكملا حديثه: عيب يا أستاذ عايزنا نسيب أرضنا لليهود، ونعيش بالعار إلى يوم الدين!!

شعرت بالخجل وانسحبت من أمامه مسرعا بعد أن تعلمت منه- وهو الرجل البسيط- درسا لم أنسه طوال حياتى.. وهو أن الأشخاص زائلون والأوطان باقية، وأن مهمة الرجال هى الدفاع عن الوطن والحفاظ على سلامة أراضيه.. حتى يتمكنوا من العيش بكرامة رافعى الرأس.

نعم.. لقد فجرت حرب أكتوبر الكثير من الأمور الإيجابية والتى يمكن تلخيصها فيما يسمى بـ «الروح المصرية» التى ورثوها من أجدادهم العظام بداية من مينا الموحد ومن بعده المقدام رمسيس.. وأحمس.. وتحتمس.. إلى الثائر أحمد عرابى.. وخالد الذكر جمال عبد الناصر وانتهاء بالمنتصر أنور السادات.

نعم.. لدينا تاريخ نفتخر به.. وبلد نعتز به.. ليس مجرد أرض نعيش عليها وإنما وطن يعيش فينا، يحميه رجال بررة هم «خير أجناد الأرض».

ولكن لدينا مشكلة.. فنحن المصريين سرعان ما نهب لنجدة الوطن عندما يتعرض لأزمة.. وسرعان أيضا ما نخمد جذوتنا ونرضى من الغنيمة بالإياب كما وصف نفسه رائد الشعر العربى امرؤ القيس!

فقد جرت مياه كثيرة فى نهر الحياة.. وكان أول صدمة فى قيام بعض الخارجين منا باغتيال قائد النصر فى يوم الاحتفال بالذكرى العزيزة.

وبعد ما تولى نائبه الحكم وحاول إصلاح ما أهمله الانشغال بالحرب من بنية أساسية وتحسين أحوال المصريين فضلا عن إتاحة حرية التعبير للجميع.. طالت فترة جلوسه على كرسى الحكم وترهلت إدارته وعم الفساد وبدأ الشعب يئن من سوء الأحوال، فقام بهبة جديدة فى 25 يناير 2011 على أمل التغيير للأفضل والقضاء على سلبيات الماضى.

ولكن الرياح أتت بما لا تشتهى السفن.. واستولى الإخوان على الحكم وعلى كل مفاصل الدولة وأوشكنا بالرجوع إلى الخلف والدخول فى نفق مظلم، فعاد الشعب مرة أخرى لهبة جديدة فى 30 يونيو 2013 ثم جرت الأحداث المعروفة إلى أن اختار الشعب- فى انتخابات حرة- عبد الفتاح السيسى رئيسا للبلاد.

وبدأ الرجل فى إصلاح ما أفسدته الفوضى التى سادت البلاد بعد يناير 2011.. وطلب المعاونة من الشعب فى تمويل التوسعة الجديدة لقناة السويس.. فسارع الجميع بإخراج الغالى والنفيس وتم تجميع أكثر مما هو مطلوب وتفاءل الجميع بعودة «الروح المصرية» مرة أخرى.

ولكن بمرور الأيام.. خمدت الجذوة من جديد وعادت ريمة إلى عادتها القديمة إلا من رحم ربى!

هذا مع علم الجميع بالمواجهة الحاسمة من القوات المسلحة والشرطة لعناصر الإرهاب المسلح، وفى ظل مضايقات خارجية وشبه حصار اقتصادى من بعض الدول الأجنبية الكارهة.. لا يخفى على أحد.

ولم يكتف البعض بالفرجة.. ولكن بدأت «المناكفة» والانتقاد وبث روح الإحباط من خلال شبكات ومواقع التواصل الاجتماعى.. وبعض الصحف والقنوات الخاصة، وكنا نعتقد أن هذا الأمر مقصور على بعض الشباب المتحمس أو المصنف سياسيا، بالإضافة إلى الكوادر الإخوانية.. إلى أن فوجئنا بمسئولين- وطنيين لاشك- فى ذلك فى حكومات سابقة يدبجون المقالات ويتحفونا بطلعتهم البهية على الشاشات الخاصة منتقدين ما يجرى على الأرض من مشروعات ومعترضين أيضا على ما يطبق من سياسات.

حتى الآن.. لا بأس.. فمصر بلد الجميع.. وكلنا مطالبون بتقديم مالدينا.. وإن كان مجرد رأى مكتوب أو مذاع، ولكن المشكلة فيما فجرته قضايا الفساد الأخيرة.. حيث كشفت عن أن البعض يتعامل مع البلد وكأنه «أنجر فتة» لابد أن يحصل منه على ما تطوله يده ناسيا أن هذا البلد عاش فيه أجداده من قبله وسوف يعيش فيه أحفاده من بعده، ومن ثم يجب أن نعمل جميعا على أن يظل «واقفا على قدميه» ورايته مرفوعة لا أن ينظر البعض منا تحت قدميه.. وأن يفكر فى كيفية عيش اللحظة فقط وكأن لسانه ينطق بالمثل السخيف «احيينى النهارده وموتنى بكرة»!

يا الله.. معقول.. أين الروح المصرية.. وأين ما زعق به الفنان محمد هنيدى فى فيلم «فول الصين العظيم» من أن المصرى مشهور بجبروته التى  يصنع المعجزات.. حتى أنه قادر على إنامة الصين من المغرب!

فى الحقيقة.. الموضوع جد لا يحتمل الهزل.. وإذا كان الإخوة المنظرون فى الاقتصاد صدعوا دماغنا بما يسمى «بتفاهمات واشنطن» أى القواعد التى اتفق عليها العالم المتقدم لكيفية إدارة الاقتصاد الحر.. وكثيرا ما دعونا لاتباعها خاصة بعد أن تبناها لفترة طويلة كل من البنك الدولى وصندوق النقد.. قبل أن يتراجعا عنها بعد أزمة دول شرق آسيا فى نهاية التسعينيات!

والسؤال هنا.. لماذا لا يكون لدينا «تفاهمات القاهرة» أو نطلق عليها «برنامج الصحوة» أو أى اسم، فالعبرة ليست بالأسماء ولكن بمضمون ما يتفق عليه المجتمع وبتعاون الجميع فى تنفيذه.

فما المانع أن ننظم مؤتمرا يمتد لعدة أيام وتشارك فيه جميع الأحزاب والتيارات السياسية والفكرية وجميع الخبراء من كل المجالات.. ونتفق فيه على توجهاتنا الاقتصادية فى الفترة المقبلة.. هل نحقق معدل النمو المطلوب فى الناتج المحلى الإجمالى من خلال التوسع فى المشروعات القومية أو من خلال سياسات اقتصادية معينة؟.. وهل نشرع فى تنمية شاملة أم متدرجة من خلال ما كان يسمى بالاستهداف الجغرافى للمناطق الأكثر احتياجا؟

وهل القطاع الخاص هو قاطرة التنمية والمحرك الأساسى لمعدلات النمو فى الاقتصاد القومى؟.. أم المجال يتسع للقطاع العام وشركات قطاع الأعمال؟

وهل نبدأ بالاعتماد على الذات وتشجيع الاستثمارات المحلية التى يكون نجاحا- بإذن الله- جاذبا للاستثمارات الخارجية؟.. أم نستمر فى طلب مساعدة الأشقاء والمؤسسات الدولية؟.. أم الجمع بين كل المسارات فى وقت واحد للوصول للهدف المطلوب وهو رفع معدلات النمو فى الاقتصاد لإتاحة فرص عمل جديدة وزيادة الإنتاج لمقابلة زيادة الطلب مع الاستمرار فى دعم الصادرات والعمل على زيادتها؟.

وهل السياسات النقدية والمالية المطبقة حاليا تساعد على تحقيق ما تستهدفه أم مطلوب تغييرها؟.. وإذ كنا سنتفق على التغيير بكل السياسات الأولى بالتطبيق؟.

ثم ما الأولويات؟.. وما مصادر التمويل؟.. وماذا عن التعليم والصحة والتنمية البشرية؟.. وكما يقال دائما: هل تستثمر فى البشر أم فى الحجر؟.. وهل هناك أولوية لأحدهما على الآخر أم يمكن التوازى فى المسارين؟.

التفاصيل كثيرة.. المهم أن نبدأ فى الحوار الجاد المتواصل لكى ننتهى إلى «رؤية» أو برنامج محدد بتوقيتات زمنية متفق عليه من الجميع ويتم تعبئة المجتمع بكل أفراده ومؤسساته فليس لدينا ترف إضاعة الوقت فى العزف النشاز.. حيث الكل يعزف منفردا.. أو يخاطب نفسه دون أن يهتم أحد لسماعه!

مرة أخرى.. لدينا بلد قوى.. وإمكانيات متنوعة وخبرات كثيرة مجربة.. فلماذا لا نتفق على برنامج يحسن إدارة مالدينا ويحقق أهدافنا؟.

من فضلكم.. اتفقوا على إعادة «الروح المصرية»..

حفظ الله مصر وألهم أبناءها الرشد والصواب. 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز