

جورج أنسي
السياسة والخبز!
بقلم : جورج أنسي
التاريخ القريب لشعوب العالم العربي يثبت بما لا يدع مجالًا للشك، أن الغالبية العظمى- خاصة البسطاء منهم- لا يضعون كثيرًا في اعتبارهم المتغيرات السياسية إلا إذا ارتبطت بصورة مباشرة بأكل العيش أو الخبز، بكل ما تحمله الكلمة من معنى!
فمن يعتقد أن الجماهير على اختلافها، تضع السياسة في مقدمة اهتماماتها؛ لا شك أنه واهم ومخدوع ولا يعرف ما هي أولويات البسطاء في حياة هادئة.. محققًا فيها الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة من جميع النواحي.
وبالعودة إلى دول من ثلاث قارات هي تونس بإفريقيا وإيران بآسيا وأرمينيا بأوروبا، سنجد أن الجماهير خرجت إلى الشوارع اعتراضًا على سياسات التقشف ورفع أسعار غالبية السلع الغذائية والمحروقات، كما أن المعارضة في أرمينيا تستعد لحشد الناس للخروج للشوارع يوم ١٩ يناير الجاري لنفس الأسباب.. وهو ما يشير بجلاء إلى أن غالبية البشر مهمومون بقوت يومهم ومتطلبات حياتهم.. ولتذهب السياسة والسياسيون إلى الجحيم.
أيضا بالعودة للتاريخ القريب، سنجد أن "مظاهرات الخبز" كانت قاسمًا مشتركًا بين مصر وتونس، الأولى بالقاهرة في يناير ١٩٧٧والثانية في تونس عام ١٩٨٤، وكلتاهما حركتها قرارات رفع أسعار السلع الأساسية والتي فاقت قدرة غالبية المواطنين، وهو ما دعا الرئيسين- السادات وبو رقيبة- للتراجع عن قراراتهما برفع الدعم الحكومي.
ربما يكون في قرار إلزام الشركات المنتجة للسلع المختلفة وضع السعر على المنتجات، وتطبيق هذا القرار وتنفيذ العقوبات على المخالفين بدءا من هذا الشهر؛ ما يضبط الأسواق ويعطي أملًا أن هناك في هذه "الحكومة" من يعي أولويات وأحلام المواطنين وما يقلقهم ويثير هواجسهم أكثر من السياسة وتبعاتها، ولعل في إدراك هذا الأمر جيدًا ما يقينا تطورات المستقبل.